أرشيف

سقوط النظام أدى إلى تكوّمه ليصبح ركاماً موجوداً في طريق الثورة ومسؤوليتنا إزالته

مسئولية قوى الثورة أن تتوحد في إطار جبهة ثورية واحدة وتجارب مصر وتونس تدعو لذلك!
بقاء مجموعة في السلطة لديها وسائل الحرب لايمكنها أن تقود الثوار للحرب التي يروج لها دعائياًِ
الظاهر اليوم في عمليات القتل لايدل على وجود سلطة لا بالمعنى العلمي ولاحتى النظري!



حاوره/ فخر العزب



في ظل الفراغ الدستوري الذي تعيشه البلاد، وفي ظل الحالة الثورية التي فرضها الثوار في طول البلاد وعرضها، يتحدث القيادي المعارض والمحلل السياسي محمد يحيى الصبري عن خيارات المرحلة القادمة والتحديات التي تواجهها قوى الثورة ومكوناتها وعن ضرورة تحمل هذه القوى الثورية لمسؤولياتها في تشكيل جبهة ثورية موحدة تقع على عاتقها مهمة بناء السلطة وبناء الدولة  اليمنية المدنية الحديثة فإلى الحوار..



   بعد انتهاء فترة الـ 60 يوماً التي نص عليها الدستور  لنقل السلطة في ظل عجز الرئيس وكذلك انتهاء شرعية البرلمان وتعطيل الحكومة واتهام للحرس الجمهوري بالسيطرة على السلطة.. ما هي خياراتكم في المعارضة؟
– أولاً أريد أن أقول: إن المعارضة اليوم لا يوجد لديها خيار غير خيار الثورة، فخيارات المعارضة – بالفهم والوعي القديم –  لاتزال الصحافة والإعلام والخارج تستجيرها ضمن عملية استجرار للمفاهيم القديمة لخيارات المعارضة، ونحن نعرف أن المقصود منها تشويه المعارضة أو التشويش على مواقفها.
اليمن اليوم تعيش لحظة ثورية وخيارات ثورية، وصحيح أننا لا نقدر أن نلغي الماضي بجرة قلم سواء الدستور أو القانون، لكن خيارات الثورة وهي خياراتنا في المعارضة تتفق مع روح الدستور ومبادئه وأهدافه.
فأنا أعتقد أن الثورة أنجزت مهمتها الأولى بنصر كبير تمثل بإسقاط النظام، ولكن سقوط النظام أدى إلى تكوّمه ليصبح ركاماً موجوداً في طريق الثورة وفي طريق تقدم اليمن، وهو ركامٌ معيق سواء بالممارسات التي تنسب للحرس الجمهوري أو للأمن أو للبلاطجة أو لبقايا النظام، على الرغم أن إطلاق التعميم على المسميات وكأن كل الموجودين تحت هذا المسمى يمارسون الجريمة وشغل العصابات طبعاً هو تعميم غير صحيح.
اليوم خيار الثورة هو إزالة هذا الركام أو حتى تنظيمه من أجل أن تنفتح الطرق والمسالك كي تستكمل الثورة تحقيق بقية أهدافها من بناء السلطة الجديدة وبناء الدولة الجديدة وهي مسؤولية كبيرة، ونحن نعتقد اليوم أن المشروع الذي يسعى المشترك وشركاؤه نحو استكماله والمتمثل بإنشاء المجلس الوطني لقوى الثورة السلمية سيكون من مهامه في القريب العاجل اتخاذ القرارات بهذا الشأن.


إذن أهم ما في المرحلة القادمة ستكون مسؤولية بناء السلطة الجديدة والدولة الجديدة، لكن في ظل وجود الكثير من اللاعبين على الساحة اليمنية يبرز السؤال الأهم: على من تقع هذه المسؤولية بالدرجة الأولى؟
– مسؤولية بناء السلطة الجديدة وبناء الدولة الجديدة هي مسؤولية تقع على كل قوى الثورة وكل مكوناتها، فنحن كنا في إطار النظام القديم نعتقد أن مسؤولية الإصلاح والتغيير والتطوير في البلد هي مسؤولية السلطة والمعارضة، وهو منطق كان متسقاً مع تلك الحالة، لكن اليوم الحالة مختلفة والوضع متغير، فكل قوى الثورة ومكوناتها وكل الأطراف التي تساند الثورة وقواها.. هؤلاء جميعاً هم المسؤولون عن بناء السلطة الجديدة التي خرج اليمنيون طلباً لها ولبناء الدولة اليمنية المدنية الحديثة التي تحفظ للشعب اليمني كرامته وتحفظ للأجيال أن يعيشوا أعزاء على أرضهم وأسياداً فيها.


لكن هل سيكون المجلس الوطني المزمع تشكيله قادراً على استلام السلطة والإمساك بزمام الأمور أم سيكون مجرد يافطة تماماً كالمجلس الانتقالي الذي تم الإعلان عن تشكيله من بعض قوى الساحات؟
– كل قوى الثورة مسؤوليتها في القريب العاجل أن تتخذ قراراً بتوحيد قواها أولاً وذلك بأن تأتلف في إطار جبهة ثورية أو تنظيم ثوري مهمته توحيد الجهود بما يتفق مع متطلبات المرحلة القادمة وهي مرحلة استكمال أهداف الثورة سواء تمثلت بإسقاط بقايا النظام أو فتح الأبواب مشرعة لبناء السلطة الجديدة والدولة الجديدة، ولك أن تعطيني خياراً آخر أو طريقاً آخر يمكن به أن نستكمل أهداف الثورة من دون هذا الخيار.
أعتقد أنه حتى تجارب الآخرين سواء في مصر أو تونس والتي يقارن الكثير من الناس حالة اليمن بها تدعو إلى ذلك، فاليوم الجميع يدعو إلى توحيد قوى ومكونات الثورة في مصر وكذلك في تونس من أجل الحفاظ على أهداف الثورة، وهذا يعني أن هذا الخيار يكاد يكون الخيار الأنسب والأفضل والأكثر أماناً في المستقبل.
هذا يعني أن الثورة اليوم وضمن التحديات التي تواجهها بعد أن حققت النصر الأول هي العفوية وأوهام التفرد وحتى الادعاء أن هناك طرفاً ما يستطيع أن يتخذ القرارات هكذا بمجرد الرغبة أو الأمنية، فأهداف الثورة وبناء الدولة وبناء السلطة في اليمن لن يتخذ القرار بشأنها إلا إطاراً ثورياً ووطنياً بنفس الوقت.


لكن ألا تخافون أن يجر تصعيدكم إلى خيار الحرب خاصة مع تعالي بعض الأصوات الداعية إلى الحسم العسكري كخيار وحيد للحل؟
– هذا السؤال يفترض سلفاً أن الحالة في اليمن هي حالة صراع بين السلطة والمعارضة، وبالتأكيد فهذا الافتراض الخاطئ يقود إلى استنتاجات خاطئة، فنحن اليوم نقول وكنا نقول منذ أن تفجرت الثورة المباركة: إن ما يجري في اليمن هو ثورة، حيث إن ملايين اليمنيين الثوار يريدون أن يستعيدوا سلطتهم التي اغتصبت من قبل عائلة ومن قبل شلة ومجموعة، وهذه الثورة مصيرها وقدرها مثل أي ثورة في التاريخ القديم أو المعاصر انتصرت لأنها تعبر عن إرادة الملايين.
أما بقاء مجموعة في السلطة متمترسة ولديها ذخيرة أو لديها مدافع أو لديها سيوف أو رماح مهما كانت قوة هذه المجموعة فهي لا تستطيع أن تقود ملايين اليمنيين الثائرين إلى ما يسمى حرباً أهلية، وأنا شخصياً أعتقد أن الترويج للحرب الأهلية هو ترويج دعائي وإعلامي من باب التخويف ومن باب الضغط، لكن هذا الفريق أثبت فشله من خلال تسليم بعض المدن للقاعدة ومن خلال حرب الحصبة وإحراق ساحة الحرية بتعز، وكل هذه أوهام تستجرها بقايا السلطة.
هذه المجموعة المركومة الآن في الطريق العام تتخيل وتنشر خيالات وأوهاماً، بالتأكيد لا تعبر عن الواقع الثوري وواقع ما يجري على الأرض في اليمن.


هناك حالة عجيبة في اليمن  حيث يفترض أن يكون النظام قد سقط بشكل كامل، لو كنا في دولة مؤسسات، فاليوم لا رئيس ولا حكومة ولا برلمان.. مع ذلك مازالت السلطة بيد عائلة “صالح”.. ما تقديركم لذلك؟
– هذا أيضاً تقدير للبعض وأنا لا أسلم به لأن هناك تقديراً آخر مفاده أن الثورات وإن كانت تستلهم بعضها البعض فمصيرها مرتبط بطبيعة المجتمع وبطبيعة السلطة الموجودة في أي دولة وفي أي مجتمع.
وفي طبيعة الحال وفي حالة اليمن من قال إننا كنا نُحكم بمؤسسات أو نُحكم بالدستور.. من قال إننا كنا نُحكم حتى بالحد الأدنى من أخلاقيات المسؤولية العامة لمن هم في مواقع الإدارة ومواقع اتخاذ القرار.. وهنا أتساءل: ألم يعش اليمنيون طوال هذه الفترة الممتدة لـ 33 عاماً يتجرعون المهانة والمعاناة والحروب والقتل، إلا لأنه لم يكن هناك دولة ولا سلطة بالمعنى المتعارف عليه.
 لذلك نقول: إن مصير الثورة وقدرها لم يكن فقط أنها تهدم الواجهة التي تغطي خلفها النظام وكذبه طوال هذه الفترة، لكن مصير الثورة وقدرها أنها تواجه هذه الحالة العبثية.. حالة الانكشاف والتعري التي لم تبق لنا إلا مجموعة عصابة، ولاؤهم بدلاً من أن يكون للوطن والقانون أصبح مرة للرئيس ومرة لولده.
هذه مهمة لابد لنا من مواجهتها، والمهمة الأخرى وهي مهمة شاقة مفادها كيف سنضع أرضية يبني عليها اليمنيون وفي المقدمة الثوار لاستبدال هذه العصابة بسلطة جديدة تحول دون تكرار حكم العصابات، وفي نفس الوقت تفتح الآفاق لسلطة جديدة ودولة جديدة.
وبالمناسبة فالظاهر الآن الموجود في الإعلام والدعاية حتى في عملية القتل والعنف هذه الظاهرة لا تدل على أن هناك سلطة لا بالمفهوم النظري ولا بالمفهوم الواقعي، ومثلما أشرت لا حكومة ولا برلمان ولا دستور ولا قانون، وهذه هي المؤشرات التي يحكم عليها من قبل الداخل والخارج أن هناك سلطة.
ببساطة يمكن تشبيه هذا المتبقي بقطاع طرق أو مجرمين يتمركزون في ربوة عالية يحاصرون الطرقات ويطلقون النار على المارة في الشوارع، فقاطع الطريق لديه قوة لكن لا يمكن أن تسمى سلطة.

   في الوضع الأمني الذي نعيشه اليوم هل يمكن أن نضع ما يحدث في تعز وأرحب وأبين ونهم ضمن الحسم العسكري أم يتم تصنيفه في خانة أخرى؟
– هناك من يريد تصوير هذا الموضوع بهذه الطريقة، فعظمة الثورة في اليمن تأتي من الصمود الأسطوري لملايين اليمنيين طوال الأشهر الماضية، وعظمتها تأتي أيضاً من التمسك بالطابع السلمي، لكن هناك من يخلط بين السلمية والسلامة، فالعمل السلمي لا يعني السلامة، والعمل السلمي جهد شاق يعني أن هناك أرواحاً ستسقط وهي تدافع عن نفسها حين تصل الاعتداءات إلى البيوت والأعراض، ولا ننسى أن خطاباً شهيراً لعلي عبدالله صالح قال فيه: “إذا لم ترجعوا إلى البيوت وتأتون للتحاور معي فإني سأنتهك أعراضكم”.
والثورة السلمية التي نحن متمسكون بطابعها واليمنيون متمسكون بسلميتها لا تعني أنهم تخلوا عن أعراضهم وبيوتهم وكرامتهم لكل قاطع طريق ولكل مجرم ولكل سفاح، ومن حق الناس الدفاع عن أنفسهم، واستناداً إلى ما يحدث اليوم من ضرب قرى أرحب ونهم بصواريخ الكاتيوشا وضرب ساحة الحرية منذ شهرين من مستشفى عام، أعتقد أن تصوير ردود الأفعال أو حتى الآثار الجانبية لردود الأفعال كأنها نزاع مسلح أعتقد أنه تصوير يفتقد للبعد الأخلاقي ويفتقر أيضاً للوعي بمسار الثورة في اليمن.



المصدر : حذيث المدينة

زر الذهاب إلى الأعلى