عربية ودولية

المصريون يواجهون اختيارا صعبا في ختام انتخابات الرئاسة

(رويترز) – واجه المصريون يوم السبت اختيارا صعبا في جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة بين مرشح جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي وأحمد شفيق آخر رئيس للوزراء في عهد الرئيس السابق حسني مبارك.

وتمثل الانتخابات الفرصة الأولى للمصريين لانتخاب رئيسهم منذ عهد الفراعنة.

ويشعر كثير من المصريين بأن الاختيار بين مرسي كإسلامي محافظ وشفيق كعسكري سابق هو اختيار بين أهون الشرين بعد نحو 16 شهرا من الانتفاضة الشعبية التي اطاحت بمبارك الذي امضى ثلاثة عقود على رأس السلطة في البلاد.

ويحق لأكثر من 50 مليون مصري الإدلاء بأصواتهم. وأجريت الجولة الأولى الشهر الماضي بين 13 مرشحا.

ويشعر مصريون كثيرون صدمهم حكم صدر يوم الخميس من المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب بأن العسكريين الذين يديرون قسما واسعا من اقتصاد البلاد والذين نحوا قائدهم الأعلى مبارك تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية العام الماضي لن يتركوا الحكم للمدنيين.

وبعد ساعات من بدء الاقتراع اشتكت حملة مرسي وقضاة من مخالفات انتخابية لكن أيا من الطرفين لم يتحدث عن مخالفات جسيمة.

وفي غياب برلمان وكذلك في غياب دستور يحدد سلطات الرئيس لا يعرف المصريون ولا المستثمرون الأجانب ولا حلفاء مصر الغربيون نوع الدولة التي ستقوم في مصر بعد انتخاب الرئيس.

ويبدو أن السياسة المحافظة ستكون سمة الدولة المصرية الجديدة سواء فاز مرسي أو شفيق في وقت فشل فيه الوسطيون العلمانيون واليساريون في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة.

ويقول مصريون كثيرون إنهم سيقاطعون جولة الإعادة أو يبطلون أصواتهم لأنهم لا يريدون انتخاب مرسي الذي كانت جماعته عدوا للنظام العسكري لمدة 60 عاما أو شفيق الذي كان قائدا للقوات الجوية مثل مبارك.

وردد مؤيدون ومعارضون لشفيق هتافات بينما أدلى بصوته في لجنة بضاحية القاهرة الجديدة لكن لم يواجه أحذية ألقاها نحوه محتجون حين أدلى بصوته في الجولة الأولى.

وردد مؤيديون هتافا مستوحى من الانتفاضة يقول "الشعب يريد أحمد شفيق" كما هتفوا "الرئيس أهو أهو (ها هو)".

وقال محمد إبراهيم الذي يعمل سائق سيارة أجرة وكان ضمن عدد قليل من الناخبين وقفوا في طابور أمام اللجنة "أعطيت صوتي لمحمد مرسي. أنا كدا (هكذا) خلصت ذمتي."

وأضاف "المؤشرات في الأيام الاخيرة تدل على أن شفيق كدا كدا كسبان لكن أنا عملت اللي عليا".

وكان إبراهيم يشير إلى حكم المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب وابطال قانون العزل السياسي الذي كان سيحرم شفيق من المنافسة في الانتخابات فضلا عن قرار لوزير العدل اعطى ضباط وأفراد المخابرات الحربية والشرطة العسكرية سلطة إلقاء القبض على مدنيين.

وأدلى مرسي بصوته في مدينة الزقازيق عاصمة محافظة الشرقية في دلتا النيل. وهتف مئات من أنصاره "بالروح بالدم نفديك يا مرسي" بينما يقول لهم "سوف أقودكم بإذن الله إلى مصر الجديدة.. مصر الاستقرار. إن شاء الله الاستقرار في كل المجالات ولكل المؤسسات."

ومضى قائلا وسط حشد من رجال الإعلام "لا مكان على الإطلاق لأعداء الوطن. لا مكان على الإطلاق لنظام مبارك… لمن كانوا مزورين لإرادة الشعب."

وكانت جماعة الإخوان المسلمين صاحبة أكبر كتلة في مجلس الشعب الذي صدر قرار حله قبل يومين من جولة الإعادة.

وأمام لجنة انتخاب بحي شبرا مصر في القاهرة قالت فاطمة التي تعمل مهندسة "انتخبت مرسي لكي تكون الدولة مدنية وليست عسكرية حتى لا يعود نظام مبارك مرة أخرى."

وأضافت "شعرت بخيبة أمل من أحداث الخميس (حل مجلس الشعب) وعندى اقتناع أن الانتخابات سوف تزور لشفيق."

وأمام نفس اللجنة قالت سونيا أسعد (57 سنة) وتعمل صيدلانية وهي مسيحية "انتخبت أحمد شفيق لأنني مع الدولة المدنية."

وأضافت "مصر دولة وسطية وكل الناس تعيش مع بعضها في سلام ولا يصلح أن تكون مثل إيران أو السعودية."

وتجرى جولة الإعادة على يومين وقالت لجنة الانتخابات الرئاسية إنها مدت الاقتراع يوم السبت ساعة. وينتهي الاقتراع رسميا في الساعة الثامنة مساء بالتوقيت المحلي (1600 بتوقيت جرينتش).

وتحظى شعارات الأمن وفرض النظام والقانون التي رفعها شفيق خلال الحملة الانتخابية بقبول حقيقي لدى ملايين المصريين الذين سئموا حالة الاضطراب السياسي والاجتماعي منذ انهيار أجهزة مبارك القمعية في انتفاضة العام الماضي.

وهناك مخاوف لدى كثيرين من المصريين -وخاصة الأقلية المسيحية التي تمثل نحو عشرة في المئة من السكان- من صعود الإسلاميين إلى السلطة وهو ما وصفه شفيق نفسه بأنه تهديد خطير.

ويقول شفيق (70 عاما) إن لديه خلفية عسكرية وسياسية تسمح له بقيادة مصر إلى عصر ديمقراطي لكن علاقته بالنظام السابق أحدثت استقطابا بين الناخبين. ويرى شفيق نفسه امتدادا لتقليد استمر ستين عاما يتمثل في اختيار الرئيس من بين العسكريين.

ويقدم مرسي (60 عاما) نفسه كمدافع عن الثورة التي تردد الإخوان الذين تعرضوا للقمع على مدى عقود في الانضمام إليها في البداية. ويقول مرسي إنه إذا أصبح رئيسا سوف يضع نهاية للفساد الذي ساد في الماضي ويبني نظاما ديمقراطيا. لكنه يجد صعوبة في اقناع الكثيرين بذلك.

وقال حمدي سيف (22 عاما) وهو طالب مل الانفلات الأمني مثل مصريين كثيرين "سأنتخب شفيق. هو رجل عسكري وطيار سابق وقائد خلال الحرب. يتوافر فيه بالضبط ما نحتاجه في القائد. هو رجل عسكري قوي ستكون قبضته قوية على الدولة وسيعيد الأمن."

ويبدو أن حكم المحكمة الدستورية العليا أعطى الإخوان بعض التعاطف. وقال أحمد عطية (35 عاما) وهو فني في مجال تكنولوجيا المعلومات في حي الزمالك الراقي بالقاهرة "كنت سأنتخب شفيق لكن بعد حل البرلمان غيرت رأيي وسأنتخب مرسي. لم يعد هناك خوف من أن يهيمن الإسلاميون على كل شيء." وأضاف "شفيق يمثل الثورة المضادة."

ومن الممكن أن تعرف النتيجة ليل الأحد.

وقال المستشار فاروق سلطان رئيس لجنة الانتخابات الرئاسية لرويترز "الإقبال جيد حتى الآن."

وكان 46 في المئة من الناخبين أدلوا بأصواتهم في الجولة الأولى. وأقر المراقبون الدوليون نتيجة الجولة الأولى مع تحفظات نتجت عن مخالفات قيل إنها لا تؤثر في النتيجة العامة.

وقال حسن الشافعي (33 عاما) بمدينة المنصورة شمالي القاهرة "الاثنان لا يصلحان لكن لا بد أن نختار أحدهما… لكن أفكر في إبطال صوتي."

وبالمقارنة مع انتخابات مجلس الشعب التي أجريت أواخر العام الماضي وأوائل العام الحالي خف الحماس الانتخابي الذي أشعلته الانتفاضة بعد فترة انتقالية قادها المجلس الأعلى للقوات المسلحة غلب عليها الانفلات الأمني والتخبط القانوني والتراجع الاقتصادي.

وفي مدينة الإسكندرية الساحلية خف الإقبال كثيرا في الساعات الأولى من الاقتراع بالمقارنة بمثيلاتها من الجولة الأولى بحسب مراسل لرويترز يتنقل بين اللجان.

وكان المرشح اليساري حمدين صباحي فاز بأعلى الأصوات في المدينة في الجولة الأولى تلاه المرشح الإسلامي المعتدل عبد المنعم أبو الفتوح ثم الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى ثم مرسي ثم شفيق.

وفي شرق المدينة وقف عشرات الشبان يحملون لافتات تعبر عن مقاطعة الاقتراع تقول عبارات كتبت فيها "مقاطعون" و"لن نخون حق الشهيد" و"لا نريد انتخاب من قتل الشهداء ومن باعهم".

وتشير العبارة الأخيرة إلى شفيق الذي رأس الحكومة خلال الانتفاضة ومرسي الذي تجاوبت جماعة الإخوان التي ينتمي إليها مع العملية السياسية التي سار فيها المجلس العسكري وابتعدت عن نشطاء ظلوا ينظمون احتجاجات تدعو لتحقيق أهداف الثورة خلال الانتخابات التشريعية وبعدها.

وأيا كان من يفوز فإن الجيش ستظل له اليد العليا فيما يبدو. وتعني رئاسة شفيق أن رجلا عاش على التقاليد العسكرية سيقود البلاد مثل سابقيه من رؤساء البلاد.

وإذا فاز مرسي يمكن أن يبقى نفوذ الجيش متمثلا في دور يبدو مؤكدا له في كتابة الدستور الجديد.

ويخشى كثيرون من أن جماعة الإخوان المسلمين لن تقبل هزيمة مرشحها في هدوء وأن فوز شفيق يمكن أن يشعل احتجاجات جديدة في الشارع.

وتسبب عنف ارتكبه إسلاميون متشددون في تونس التي كانت مهد ثورات الربيع العربي هذا الشهر في زيادة الخوف من الإسلام السياسي في مصر.

وقتل نحو 850 متظاهرا في الانتفاضة التي استمرت 18 يوما. وأدين مبارك بالتآمر لقتلهم وعوقب بالسجن المؤبد في الثاني من يونيو حزيران لكن ضباط وأفراد الشرطة الذين اتهموا بقتل المتظاهرين في قضايا عديدة نظرتها محاكم الجنايات نال أغلبهم البراءة.

ووعد كل من مرسي وشفيق بتحقيق أهداف الثورة لكن النشطاء الذين دعوا للاحتجاجات التي أسقطت مبارك يقولون إن أيا منهما لا يمثل الثورة.

ورشحت تقارير شفيق لخلافة مبارك حتى وقت أن كان جمال مبارك الابن الأصغر للرئيس السابق يغطي بظلاله على السياسييين. ويقول شفيق أيضا ليس صحيحا أن المجلس العسكري يريدأن يحكم البلاد من خلاله.

وكان مبارك يفوز بولايات رئاسية عبر استفتاءات لم يكن عليها إقبال كبير. وفي أول انتخابات تنافسية عام 2005 فرضت لوائح تسببت في إبعاد أي منافس حقيقي له عن السباق.

(شارك في التغطية الصحفية سامية نخول وسامح الخطيب ومحمود رضا مراد وسعد حسين وتوم بيري ومروة عوض وشيماء فايد وهيثم فتحي ورشا الخياط ومروة فاضل وأحمد عشري – تحرير عماد عمر)

من محمد عبد اللاه وياسمين صالح

زر الذهاب إلى الأعلى