أدب وفن

حين تحتبس الدموع في المآقي ويتوقف الزمن عن النبض

المستقلة خاص ليمنات : 

أصعب اللحظات حين يقترب الفراق ويحين وقت الرحيل لكن الأكثر مرارة حين يطول الغياب ويتضاءل الأمل في اللقاء أو يبقى الموعد مجهولاً فتتحطم الأمنيات وتسحق الأحلام وتصبح الوعود رماداً تذروها الرياح.

ولم يبق إلاّ طيف خيال لحبيب كان يوماً هنا، ولم تعد من وسيلة متاحة إلاّ الأنات والعبرات واستحضار القوافي لتلتقي عبرها النظرات، رغم بعد المسافات وتتلامس الأيدي في وقت الآهات وتتعانق القلوب بدون ملامسات فخلد الشعر قصص الحب وحسرات الفراق التي ظلت تتناقله الأجيال في ذاكرتها وأسفارها الخالدة وهذا ما سنحاول تناوله في أسطرنا التالية:

لم يكابد الشعراء من الهموم بقدر ما كابدوا من هجر الأحبة والخلان وجفاهم وفراقهم، مسجلين بذلك قصائد غاية في النضج الشعري، رغم ما يتخللها من موسيقى حزينة ومشاعر مجروحة.. ونطالع في هذه التناولة عدداً من المقاطع التي تجسد هذه المعاناة يقول عبدالله الزبيدي:

هجرتني نسيت كل الليالي الملاح *** طويت صفحة هوانا ونكيت الجراح

يا قاسي القلب مالك نسيت العهود *** أشعلت في قلبي حريق ما تعرف سماح

 

ويتساءل محمد سعد عبدالله بلغة استعطاف واستغراب عن الأسباب التي دفعت الحبيب إلى ترك الوصل واللجوء إلى الهجر قائلاً:

يا منيتي يا سلا خاطري … وانا أحبك يا سلام

ليش الجفا ليش تهجرني … وانا احبك يا سلام

 

في حين يختار عبدالحكيم الصبري أن يجعل قلبه سموحاً عكس  حبيبه متمنياً لو يمتلك كل الوسائل التي تدخل السرور إلى قلب الحبيب:

ليت الرباب صاحبي.. وانا مغني *** شسكب دموعي وفا.. للي هجرني

 

ويصور أحد المحبين ما يعانيه من آلام ومواجع بسبب غياب الحبيب عن حياته:

آه لو تدري ما أعاني في غيابك *** أشكو الألم والعذاب

واحلم بيوم اللقاء بك *** أسهر ليالي طويلة

وألشوق أنهى من يدي كل حيلة *** أسهر مع وحدتي كل ليله

 

يسأل المضنى المعذب حبيبه الذي اختار فراقه والغياب عن عينيه لماذا قبل بحبه طالما وأنه قد نوى الفراق والهجر فيقول:

مادام ناوي على الهجـران *** باب الهـوى ليـش دقيتـه

تدخل بحورالهوى عطشان *** وتقول ليت الهـوى ليتـه

تبادل الوصـل بالهجـران *** والدمـع عالخـد عنيـتـه

ربي عطاني وفاء وإحسان *** قلبي على الصـدق ربيتـه

وإنت عطاك نعمةالنسيـان *** سرك على القلـب سليتـه

 

وفي أبيات تعبر عن الصدق والمعاناة الحقيقية الناجمة عن الهجر المفاجىء وغير المتوقع، يخاطب الشاعر معذبه بالهجر قائلاً:

يا من هواه اعزه واذلنى *** كيف السبيل الى وصالك دلنى

او صلتنى حتى ملكت حشاشتى *** ورجعت من بعد الوصال هجرتنى

انت الذى حلفتنى وحلفت لى *** وحلفت انك لا تخون فخنتنى

وحلفت انك لا تميل مع الهوى *** اين اليمين واين ما عهدتنى

 

أحد العشاق المعذبين وجد أنه بعد فراق الحبيب قد أصبح بلا قلب فقلبه قد غادر وراءه:

أخذ  قلبي وراح.. وشق صدري

بالاعيان الصحاح.. يا طول همي

ويا طول النواح.. من حب من حل

 هجري واستباح.. قتلي وظلمي

 

غير أن البعض يحاول المكابرة مصوراً قدرته على النسيان والبحث عن حبيب آخر يقول المحضار:

خلاص أنا بنساك.. يا هاجر ويا ناسي

بارد قلبي مثل قلبك.. بالهوى قاسي

 

في حين يؤكد آخر على أن الوفاء سيظل بقلبه حتى آخر العمر

أطوي بساطك يا حياتي وارحلي *** ما عدت أشكو غير أيامي الطويلة

سيبقى فؤادي يحبك نابضاً *** وأعيش عمري بالوفاء ما أرجو بديله

رحلت وراك مشاعري وخواطري *** هذي خلاصة كل أحلامي الجميلة

 

وكالعادة نقلب في الأدب الشعبي فنجد المرأة الريفية تبحث بأشرعة الشوق لتعبر عن الأم الفراق والحنين إلى لقاء الأحبة حيث تبيت تسامر القمر وتناجي النجوم متمنية عودة حبيبها واللقاء به مجدداً متذكرة أيامها ولياليها الجميلة التي قضياها معاً وفي هذا تقول:

لما اذكر المحبوب الدمعة تنطف *** والجسم يتألم والقلب يرجف

من حين فارقته ما نلت سعادة *** يا ليت محبوبي فوق القعادة

أقلب أثوابه وأجلس اشمه *** يا ليت محبوبي جنبي أضمه

 

وحينما يأتي المساء تزداد اشواق المفارق ومن أعماق سهاد الليل تبوح المرأة الريفية بترانيم الأشجان نحو حبيبها فتقول:

حين أذكره واتخايله قبالي *** تحرم عليا رقدة الليالي

أمانة الله يا نجوم يا اثنين *** كيف العيون بعد الفراق ينومين

يا ذي النجوم كوني اشهدي بحبي *** وخبري المحبوب ما وقع بي

شفت القمر بليلته ويومه *** يا من ذكر خله شرد نومه

شفت الشموس تحت الشجر زوارق *** يا رحمتي للعاشق المفارق

يا رحمتي للعاشق المفارق *** دمعه غزير ونهدته بوارق

 

وكما خاطبت النجوم والقمر فإنها ايضاً تكلمت مع الطيور والشمس والاحجار والاشجار في سياق التعبير عن معاناة الفراق ولوعة الاشتياق فنجدها تقول:

ليت الطيور تنفعني بالعشية *** تشللي مكتوب وإلا هدية

شمس الغروب وأني اسألك بأيوب *** لا تغربيش عاد القليب مكروب

ما أحلى الشجر والظل فوق الاعناب *** ونشرة الهجرة وجمع الأحباب

ومن هذه المعاني استوحى شعراء القصيدة العاطفية فنسج عبدالله سلام ناجي:

بالله عليك يا طير يا معلي *** إن كان ترى خلي امانتك تقلي

شاحملك شوقي إليه وحسبي *** بالله عليك يا طير أمانتك لا تنسي

 

وعلى هذا المنوال في مخاطبة مظاهر الطبيعة لنقل التنهدات والاشواق إلى الحبيب نجد أغنية:

يا ريح يا ريح يا اللي ترحلي في الخبوت *** مري على بيت خلي دون كل البيوت

باتعرفيه وجه أبلج فوق قامة بنوس *** وبالامارة جوار البيت بستان توت

مسكين يا ناس من قالوا حبيبه عروس *** يمرض مرض قلب أما الموت ما أحد يموت

 

ونختتم بأبيات وداعية يتمنى فيها الحبيب أن يحمل ثرى محبوبه بعد رحيله الدائم مبديا عجزه عن تحمل هذا الغياب:

يا من غاب عني وهو روحي *** فكيف أطيق من روحي انفكاكا

وياقبر الحبيب وددت أني *** حـملت ولو على عيني ثراكا

 

ونكتشف بعد هذه الرحلة العابرة والقصيرة مدى تأثر الشعراء وضعفهم أمام قسوة الفراق وألم الرحيل، بعد أن يغيب الحبيب عن العين فتنعدم الحيلة وتزيد الوحشة وتشتعل نار الفراق..

زر الذهاب إلى الأعلى