قضية اسمها اليمن

رمضان يحل ضيفا ثقيلا في العهد الجديد وهادي بين مطرقة صالح وسندان الشمال والجنوب

 

حل شهر رمضان المبارك ضيفا ثقيلا على اليمن واليمنيين رغم الهدوء السبي فيه، إثر الوضع الاقتصادي الصعب والسياسي الأصعب، رغم أن رمضان يحل لأول مرة على اليمن في عهد الرئيس الجديد عبدربه منصور هادي بعد 33 عاما من قيادة علي عبدالله صالح للبلاد.


ولم يشكل رمضان لليمنيين سوى المزيد من المعاناة المادية التي ضاعفت نفقاتهم إثر الارتفاع الحاد للمواد الغذائية مع قدومه وتراجع مستوى الدخل لأغلب الموظفين، في حين لم يراع التجار ولا الحكومة وضعهم.


ولم يجد الكثير من اليمنيين من مبرر لوضعهم الرمضاني الصعب ومن تطييب لخواطرهم فيه سوى القول 'رمضان الحالي أفضل من رمضان الماضي'، في إشارة إلى الوضع الأمني الصعب الذي عاشته صنعاء والعديد من المدن اليمنية الأخرى في رمضان العام الماضي الذي تهدأ خلاله مدافع النظام في قصف الأحياء السكنية والساحات الثورية بذريعة قمع المتظاهرين أو المعارضين لهم.


علي حسن، رب عائلة كبيرة مكونة من 11 فردا، يعتمد على راتبه المحدود وبعض الدخل الإضافي من سيارته الأجرة، التي يعمل بها بعد انتهاء الدوام الوظيفي، قال لـ(القدس العربي) 'رمضان كسر ظهورنا، طار الراتب خلال ثلاثة ايام لكثرة المشتروات الضرورية، وها أنذا مضطر للعمل بسيارتي الأجرة لساعات طويلة من أجل الوفاء بالتزاماتي الأسرية'.


وأوضح أنه لم يجد فرصة للاستمتاع بروحانية هذا الشهر الفضيل، الذي تحول في نظره إلى (غول) يؤرق البسطاء من الناس، ومحدودي الدخل من الموظفين، وقال 'ماذا نعمل، لقد تعبنا من كثرة السعي وراء لقمة عيشنا، والسياسيين والتجار مشغولين بالصراع على كراسي السلطة'.


حال حسن لا يختلف كثيرا عن أغلب الموظفين الحكوميين أو أغلب موظفي القطاع الخاص، فالرواتب الوظيفية ومستوى الدخل الشهري لا يكاد يذكر مقارنة بحجم النفقات الشهرية والتي تزداد لخمسة أضعاف على الأقل خلال شهر رمضان، في ظل المقولة الشائعة يمنيا 'شهر لا تنفق فيه حق سنة، ليس شهرا'، أي أنك إذا لم تصرف خلال شهر رمضان ما تصرفه خلال سنة، ليس شهرا رمضانيا، وهي عادة ارتبطت باليمنيين منذ القدم، لكثرة العادات والتقاليد وموائد الطعام التي تقدم فيه وبعضها لا تقدم إلى خلاله.


وامتزج الوضع الاقتصادي لرمضان الجاري في اليمن بالسياسي، حيث لا زال اليمنيون مشغولون بوضعهم السياسي الصعب الذي لم يبارح عنق الزجاجة بعد، في نظر البعض، فيما يرى البعض الآخر أنه تجاوزوا ذلك ولكن إلى فضاء أصعب وأكثر تعقيدا.


ووفقا للعديد من السياسيين الذين أكدوا لـ(القدس العربي) 'خرجنا من نفق صالح لندخل في نفق هادي، ولا ندري إلى أين تتجه بنا الأمور، رغم خروجنا من عنق زجاجة صالح'.


وذكروا أنهم كانوا 'يعانون من نظام أحادي مستبد'، لتصل بهم الأمور حاليا إلى 'المعاناة من أنظمة ومن جيشين ومن طوائف وأحزاب' في إشارة إلى ضعف مكامن القوة لدى الرئيس هادي وعجزه عن مواجهة المجموعات العديدة التي صعدت إلى السطح السياسية منها والمسلحة والتي تدفع البلاد إلى المجهول، في ظل استغلال بقايا النظام السابق للوضع المتردي لخلق المزيد من العقبات وتهيئة الظروف لتدهور الأوضاع أكثر فأكثر.


لم تشفع روحانية رمضان لليمنين بالخروج من عنق الزجاجة السياسية والاقتصادية، بل زادت الوضع تعقيدا، في ظل جلسات القات الطويلة خلال الليالي الرمضانية التي تمتد إلى قبيل الفجر، والتي يتخذ منها اليمنيون فرصة لتبادل الآراء ومناقشة الأوضاع السياسية والاقتصادية والتي بطبيعة الحال تخرج الشهر عن روحانيته الايمانية إلى ألاعيبه السياسية التي تزيد قلوب اليمنيين قساوة على بعضهم البعض.


اليمنيون يؤكدون دائما على أن البلد تسير بـ(البركة)، ولايقدر أحدهم الجزم بالتنبؤ بنهاية المطاف الذي سيصلون إليه، إثر عدم تغير الأوضاع السياسية كثيرا، التي لم يبارح صالح خلالها مكامن النفوذ، رغم تنحيه عن السلطة، في حين لم يجد هادي فرصة حتى اللحظة لقيادة زمام الأمور وفقا لمشروعه الذي يطمح إلى تحقيقه، لإحداث تغيير شامل مغاير لعهد صالح الذي لم يشهد مشروعا سوى مشروع القبض على كرسي الحكم وتوريث السلطة.


نظريا هادي هو الرئيس الحالي لليمن ولكن صالح لا زال هو الحاكم الفعلي، الحوثيون نظريا جزء من الثورة ولكنهم حاليا، وفقا للعديد من المعطيات، يشكلون التحدي الأكبر أمامها، الجنوبيون ثاروا على الرئيس السابق صالح ولكنهم حاليا يتجهون نحو اعاقة جهود هادي للتصالح، القوات العسكرية منقسمة بين أنصار الثورة وأفراد عائلة صالح، ليدخل اليمن إشكالا أمنيا خطيرا وتحديا كبيرا غير مسبوق، في ظل تحول القضية الأمنية من عفوية محدودة الأتباع إلى منظمة ومدعومة عسكريا.


ووفقا للسياسيين، العديد من القضايا اليمنية الملتهبة كقضية الحوثيين في الشمال والقضية الجنوبية في المحافظات الجنوبية والشرقية وكذا القضية الاقتصادية والأمنية والعسكرية قذفت جميعها برجل الحكم الجديد، هادي، إلى محيطات غير هادئة والتي أعاقت مجالات الرؤية لشواطئ الأمان على الأقل على المدى المنظور.


* نقلا عن القدس العربي ـ من خالد الحمادي

زر الذهاب إلى الأعلى