أدب وفن

الشاعر الغزير والباهوت الأسطوري..أحمد ابن علوان

 

المستقلة خاص ليمنات

 

كان والده كاتباً لصلاح الدين الأيوبي  

– اسم الشهرة : ابن عَلوان وهو أحمد بن علوان بن عطّاف بن يوسف بن مطاعن بن عبدالكريم بن حسن بن إبراهيم بن عيسى بن سليمان بن علي- محافظة: تعز-الجمهورية اليمنية، قرية: يفرس جبل حبشي.. مؤلف , فيلسوف ، عاش في القرن ( 7هـ / 13م ) وتوفي 665 هـ / 1267 م  لم يعرف مكان ولادته، وتوفي في بلدة (يفرس)، حاضرة (جبل حبشي)، من بوادي محافظة تعز.. وهو فقيه، متصوف، شاعر. نشأ في قرية (ذي الجَنان) في جبل (ذخر)، المعروف الآن بـ(جبل حبشي)،

 والده : علوان بن عطاف: أحد الكتاب المشهورين في اليمن في نهاية القرن السادس وبداية القرن السابع الهجريين، أصله من بلد (خاو) وهي قرية شرق مدينة يريم محافظة إب حالياًَ .

وعمل كاتباً للإنشاء لدى الملك المسعود بن الكامل الأيوبي، وكان يسكن خلال عمله مع الملك المسعود منطقة المعافر في موضع من نواحي جبل حبشي يعرف (بذي الجنان ) .. حكي أنه صحب الملك المسعود في إحدى الحملات العسكرية إلى شمال اليمن في سنة 617 هـ، وكان علوان حينئذ متواجدا تحت جبل ، فوقع عليه كسف أدى إلى وفاته .. يذكر أن حكم الملك المسعود قد استمر في اليمن مابين 612هـ، 626هـ.. كما قيل أن  أبوه كان كاتبًا لدى الملك (صلاح الدين بن الكامل الأيوبي)، فعاش في ترفٍ كما كان عليه أولاد الكتاب.

نال أحمد ابن علوان  الوجاهة، وأُلقي حبُّه في قلوب الناس، وظهرت له كرامات كثيرة، وارتحل إلى مقام الشيخ (أبي الغيث بن جميل)، في قرية (بيت عطا)، قرب مدينة زبيد؛ فدرس عليه علم الطريقة الصوفية، ولبس (خرقة التصوف)،و من أهم جوانب شخصية الشيخ أحمد ابن علوان أنه كان شاعراً مبدعاً وكان كاتباً وناثراً رفيعاً نعته أهل عصره ( بجوزي اليمن ).

استطاع ابن علوان توظيف امكاناته وإبداعاته وقدراته الأدبية واللغوية والشعرية لخدمة فكرته ورسالته في الحياة التي آمن بها ونذر لها عمره .

واتسم  شعره بجاذبية موسيقية إذ صبغها بالألحان الجميلة ، وتحولت إلى أنشودة شعبية أو سيمفونية تهفو إليها الأكوان قبل الإنسان وفي ذلك  يقول :

قصائدي ألوان ………. غرائب أفنان

لباسها الألحان ………. تهوي لها الأكوان

لي في المعاني أمر………. وللموالى خمر

وللمعادي جمر ………. يرمي بها الشيطان

حالي لأهلي حالي………. وخمرهم أقوالي

ونورهم إقبالي……….  وللعداء مِطعان

وكان مجاهر بالحق فكانت له مراسلات مع ملوك عصره من (بني رسول)، دلَّت على الحكمة والشجاعة والحرص على مصالح الناس، وخصوصًا تلك التي جرت بينه وبين الملك (عمر بن علي بن رسول)؛ حيث يقول في إحداها:

يا ثالث (العُمَرينِ)، افعل كفعلهما

وليتفق فيه منك السرُّ والعلــنُ

واستبق عدلاً يقول الناظرون له

نعم المَلِيكُ ونعم البلدة اليمـن

عارٌ عليك عمارات مشــيدةٌ

وللرعية دورٌ كلها دِمَـــنُ

فانظر إليهم فعين الله ناظـرةٌ

همُ الأمانة والسلطان مؤتَمَنُ

ويعد أحمد ابن علوان أحد شعراء اليمن المشهود لهم بجزالة اللفظ، ورقة المعنى، وفي إطار تجديد ابن علوان في مجال الشكل الشعري يرى الدكتور عبد العزيز المقالح إلى أن (يمكن القول في حدود المعرفة السائدة عن الشعر اليمني في العصرين القديم والوسيط : أن ابن علوان هو أول من كتب المبيتات والمخمسات والمربعات في اليمن ،قبل أن يتلقفها عنه الشعر الحميني والعامي ومن ذلك قوله:

ياليلة أسفرت بســاقِ

طال إلى وجهها اشتياقي

كم ذقت أيام غاب عني

من غصةٍ مُرة المـذاق

إلى قوله:

قد طلقت نفسه هواهـا

فلا سبيل إلى الوفــاق

واستنكحت بالرضا هواها

فلا سبيل إلى التلاقــي

عناق سرٍّ لـــروح بِرٍّ

أمانة من جوى الفـراق

وعاش ابن علوان في أجواء تنضح بالخلافات المذهبية والسياسية، واتخذ جانب المهادنة، دون انحياز لأيٍّ من الفرقاء، يتضح ذلك من قوله:

تَمادى الشاهدان بنور عقلي

فذا يُحيي، وذاك يريد قتلــي

فوافقتُ المُشير إلى التَّجلـي

وخالفتُ المشير إلى الَّتخلـي

ولو أني نطقتُ على فــنائي

لقُلت مقالة الحلاج قبلـــي

ولكن شدَّ من أهــواه أزري

وقوَّى همتي وأجَدَّ عقلـــي

فبعضي من فنون الحب فـانٍ

وبعضي بين إخواني وأهلــي

فلا أدري أللإخوان أبقــــى

أم الأهلين أم لله أم لــــي

ولي وجهان مكـــنونٌ وبادٍ

ولي علْمان جزئيٌّ وكُلـــي

 وللحنين عند الشيخ أحمد بن علوان شأن كبير فهو مضمون رئيسي في الكثير من أشعاره وقصائدة الشهيرة.. فيقول في إحدى هذه القصائد:

يا ليلة أسفرت بســاقِ طال إلى وجهها اشتياقي كم ذقت أيام غاب عني من غصةٍ مُرة المـذاق

ويصور الخوف من عواقب الخطيئة الذي يتوغل في أنفاسه وكأنه جحيم تستعر نارها في أعماق قلبه قائلا:

يا موقد النار في قلبي وفي كبدي

بالحب والخوف والتعذيب والكمد

أصبحت خائف ذنب لا أشك به

وعاشقا لجوار الواحد الصمد

النار خلفي وليث الغاب من أممي

 فكيف آمن بين النار والأسد

وفي أبيات جميلة ورقيقة يصور مدى حبه للنبي صلى الله عليه وسلم وما الذي يثيره هذا الحب في نفسه من إجلال وشوق:

نظري إليك مفسِرٌ ما أُعجمُ

وإشارتي تبدي الذي أنا أكْتــــمُ

ودموعُ عيني أنت برقُ غيومِها

ولسانُ حالي في العتابِ يترجـِــمُ

فأنا الذي نمّت عليه دموعُهُ

وأنا الذي فضَحتهُ منهُ الأعظُـم ُ

جسمي النَّحيلُ يقولُ: هذا عاشقٌ

 ويقول دمعُ العينِ: هذا مغـــرَمُ

وهنا يرسم صورة رائعة لعلاقة تواصل عبر الغيب أساسها التحية والسلام المتبادلة فيقول:

مني السلامُ ومنكمُ لي مثلُهُ..

 أنتم بدأتم بالمكارمِ فاختمــــوا

حاشاكمُ أن أُبتلى ببليَّـةٍ

في أمنكمْ وأنا الملبِّي المحـْـــرِمُ

جارٌ محِبٌّ خائفٌ متضَرِّعٌ

متعلِّقٌ متملِّقٌ متنـَــــــدِّمُ

إن تُكرِموهُ فمالهُ من حارمٍ

 أو تحرمُوهُ فما لهُ من يُكْـــرِمُ

وفي سياق العاطفة الوجدانية المتأججة في نفسه .. يصور مدى الأثر الذي تركه الحب والغرام الاسطوري بقلبه .. زكيف أصبح أسيرا لهذا الحب والهوى:

يا صحيح الفؤاد قلبي جريح

 وبسيف الهوى قتيل ذبيح

شهد الحسن والجمال فأضحى

كقضيب الآرك تثنيه ريحي

تثنى ومن رآه تثنىّ

وحميم الأليم لا يستريح

مزج الخمر بالضنى فاحتساها

وسقاها المحب فهو يصيح

وهنا يرسم لنا أحمد بن علوان الشيخ المتصوف الأثر الكبير الذي يتركه الحب في قلب الإنسان.. حيث أن أي إنسان بدون حب ومودة ومشاعر يفقد صفات الإنسانية.. لكن ليس أي حب.. إنه الوجد الإلهي فقط الذي يرى أنه يستحق أن يعطيه الإنسان أوسع وأكبر مساحة في أعماقه..

وفي أربعينيات  القرن الماضي، توجه مجموعة من العلماء إلى والي تعز الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين، وأخبروه أن الذي يجري عند قبة ابن علوان من أتباعه كفر وشرك مما لا يحتمله مسلم، ولا يقره أي دين في العالم…

وقالوا له أن ما يجري هناك يشبه شرك كفار قريش عند أصنامهم، بدءا من الطواف حول القبر، إلى اعتقاد نفعه وضره، والحلف به، والنذر له، واعتقاد حياته وأنه يسمع ويجيب ويتحكم في المصائر، وغيرها

فأصدر الامام احمد  أمره ا بهدم قبة ابن علوان التي على قبره، ومنع تلك الزيارات لها ، وذلك في سنة 1362هـ الموافق 1943م…

وقد مدح الشاعر محمد محمود الزبيري  الامام أحمد على ماقام به فقال:

كذلك المجد إما رافعا علماً

أو باعثا أمما أو هادما صنما

يامن يجدد من آثار أمته

 ما لو رأى جده المختار لابتسما

جرح على كبد الإسلام متسع

 وضعت فيه ذباب السيف فالتأما

خديعة للجماهير التي زعمت

بأن من دينها أن تعبد الوهما

قالوا له كتب في القبر يكتبها،

ينهى ويأمر أنى شاء محتكما

وقال الشيخ زيد الموشكي:

ياعين هذا الصنم الأكبر

وهذه يفرس والمنكر

هذا ابن علوان وذا قبره

يعبده العالم لا يفتر

يا عين هذا هبل آخر

 وقد يفوق الأول الآخر

زر الذهاب إلى الأعلى