قضية اسمها اليمن

أيمن مازال ينتظر والده الطيار المخفي في زنازين صنعاء منذُ 19 عاماً

المستقلة خاص ليمنات

<  لقاء / عدنان الجعفري

تسعة عشر سنة مرت منذ أن وقف “أيمن” بجانب والده أحمد فضل مشجري.. منذ آخر مرة شعر فيها أيمن بدفء الأبوة وأمانها.. كان مايزال طفلاً في نعومة أظفاره، وها هو اليوم شابً ناضج لكنه يفتقد إلى حنان الأب وحضنه الدافئ، ويملأ قلبه حنيناً عارماً إلى دفء تلك اللحظة التي لم يعد له منها سوى صورة تذكارية يقف فيها إلى جانب والده منذ الصيف المشؤوم المثخن بجراح حربٍ ظالمة أشعلت فتيلها أيادي المتفيدين من جنرالات ومشائخ في 1994م، وما زالت تكوي بنارها آلاف الأكباد والقلوب..

لا يرى أيمن صور والده الطيار باعتبارها صوراً تذكارية فحسب، لكنها تمثل له تاريخاً طويلاً من الحنين، حياة مفعمة بالمواجع والوحشة وأحزان الفراق.. ينتظر أيمن وإخوانه ووالدتهم عودة الأب الغائب عند كل مساء.. يكابدون الشهور والسنوات صبراً وترقباً لعودة يأملون أن تكون قريبة.

يروي ايمن لـ “المستقلة” قصة اختفاء والده قبل 19 عاماً من خلال ما استجمعه من تفاصيل حصل عليها من أفراد أسرته نقلاً عن شهود عيان وشخصيات عسكرية مطلعة على الحادث الذي تعرض له والده الذي كان يعمل طياراً في سلاح الطيران التابع للواء التاسع طيران في قاعدة العند- محافظة لحج إبان حرب صيف 94م..

يتحدث أيمن بنبرة مفعمة بالحزن والأسى وممزوجة بالألم قائلاً: “كان والدي يقود طائرة “ميج- 21” انطلق بها من العند إلى تعز، لكنه لم يتمكن من العودة إلى قاعدته سالماً، حيث تعرضت طائرته للإسقاط في منطقة تتوسط (ورزان الراهدة) بتاريخ 13 مايو 1994م، أثناء تنفيذه لمهمة حربية.. أثناء سقوط الطائرة تمكن والدي الطيار أحمد من القفز بالمظلة لكنه تعرض للإصابة في أحد ساقيه، فلم يتمكن من السير، ليجد نفسه محاطاً من قبل أفراد فرقة للجيش الشمالي التابع لصالح- (والذي كانوا يطلقون عليه بالشرعية)- فتم اعتقاله..

ثم نقل الطيار الجريح إلى مستشفى الثورة في محافظة تعز، وهناك جرى التحقيق معه من قبل الاستخبارات، ولا يعلم ما الذي حدث لوالده بعد خروجه من مستشفى الثورة، وما طبيعة الظروف التي مر بها حينها، لكنه يذكر أن ما حصل عليه من معلومات تؤكد تعرضه للاعتقال والتعذيب أثناء التحقيق معه من قبل ضابط يدعى فيصل البحر- المدير السابق للأمن السياسي في تعز- وأنه بعد ذلك التحقيق تم نقله إلى صنعاء ليقبع هناك في السجون السرية للمخابرات، وما يزال مصيره حتى اليوم مجهولاً.. ولا يعلم أحد شيئاً عن ظروف سجنه أو طبيعة وسائل التعذيب النفسي والجسدي التي  يكون قد تعرض لها..

يطالب “أيمن” الجهات المعنية في الدولة بسرعة الكشف عن مصير والده الطيار، ويناشد المنظمات المحلية والدولية وجميع الحقوقيين والناشطين وكل من له ضمير حي ومشاعر إنسانية الضغط على الحكومة لكشف مصير الوالد الغائب، بما يكفل عودته إلى أسرته بعد اختفاء دام لما يقارب عقدين من الزمن، في غياهب الزنازين والسجون السرية، حيث ينتظره أبناؤه وأهله بفارغ الصبر وما يزال الأمل بعودته يخالج صدورهم ويغمر قلوبهم شوقاً وحنيناً للحظة لقاء طال انتظارها وأن تصبح حقيقة لتضع حداً لمعاناة الأسرة وأحزانها في ظل الغياب والحرمان.

زر الذهاب إلى الأعلى