أخبار وتقارير

في البَرَّادة.. المواطن ملك الشيخ

المستقلة خاص لـ"يمنات

تتبع منطقة (البرادة)- مقبنة- محافظة تعز، وتشتهر بجبل (عَرَف) ووادي البرادة  المليء بأشجار الطلح والسدر لذا فهي من المناطق التي تشد إليها الرحال من قبل (النوَّابة) أيام الصيف عندما تكون الأشجار مثمرة.. تبقى أحمال النوابة أي المشتغلين بمجال النحل والعسل هناك ويعودون إليها نهاية الموسم لترحيلها إلى منطقة أخرى.

استطلاع: أمين راجح

معانات السكان

معظم سكان منطقة البرادة بسيطون في حياتهم لا يملكون شيئاً لدرجة أن المساكن أو الأماكن التي يعيشون فيها لا يملكونها لأنها ملك المشائخ المتنفذين في المنطقة بطولها وعرضها.. المواطنون لا يملكون شيئاً سوى ما يجنونه بعرقهم مقابل عملهم الذي به ولذا فهم يعانون الكثير من الهموم المعيشية.. يقولون أن أكبر مشكلة بالنسبة لهم “كيس القمح” الذي لا يجدونه أو لا يوفرون قيمته إلا بشق الأنفس كون المنطقة بدائية والعمل نادر وشاق مثل تكسير الاحجار وحملها أو رعي الأغنام وأحياناً يعملون بقطع الأشجار لبيعها في سوق البرح، برغم المعاناة والفقر الشديد وأنهم مستحقون للمساعدة.. إلا أن حالات الضمان الاجتماعي نادراً ما تصل إليهم ومن يدفع مقدماً يستحق الحالة.

خدمة الكهرباء

رغم أن منطقة البرادة تقع على يمين سوق البرح الكبير، ولا يبعدها عنه سوى بضع كيلو مترات إلا أن المنطقة محرومة من خدمة الكهرباء.. أي أن أبناء المنطقة لا يزالون يعيشون على وسائل الإضاءة البدائية القديمة.

المساء..

خدمة الماء أيضاً والتي تعتبر أهم خدمة يجب أن توفرها أي دولة لشعبها غير متوفرة في منطقة البرادة، لذلك يحصل أبناء المنطقة على الماء من الآبار التقليدية.. تحتوي المنطقة على أربع آبار منها بئر البرادة، ويتم تقاسم شربة أو قطرة الماء بين السكان حسب العرف المتوارث والمتفق عليه.

التعليم والصحة

البرادة محرومة من الصحة والتعليم رغم كثافتها السكانية إلاّ أنها خالية من المبنى المدرسي، وقد تحدث بهذا الخصوص المواطن أحمد عبده غالب قائلاً: “لا يوجد لدينا لا كهرباء.. لا ماء.. لا صحة.. ولا مدرسة.. ولا حتى جامع، وكأنه لا توجد دولة.. معظم الأولاد.. كلهم.. هجروا المدرسة بسبب البعد.. أنا أب لستة أطفال.. أدرس فقط اثنين منهم.. واحد بصف ثاني وواحد بصف أول.. أقرب مدرسة لمنطقة البرادة يدرس فيها أطفالنا ملحقية تبعد مسيرة ساعات.. والله أن الأطفال يمشون رجل المسافة كلها.. يخرجون الساعة ست ويصلون المدرسة الساعة تسع.. يوصلوا وقد تطوبروا والطلاب قد دخلوا الفصول يدرسوا..”.

حرفة الرعي

يقول الطفل مختار عبده (13 عاماً): “أنا كنت أدرس وهربت.. درست إلى صف ثاني فقط ثم هربت- المسافة بعيدة- ورجعت أرعي بعدما توفى والدي.. الرعي ما يخارج.. الدنيا جحر ما في أمطار.. معي خمس أغنام حقي ارعيها وارعي مع أخي.. نرعي لوقت الظهر بالوادي وجبل (عَرَف) ثم نأتي نسقي الأغنام من هذا البئر- بئر البرادة- الناس هنا مساكين ما في معاهم حق كيس (البر).. إذا ضاق الواحد يبيع رأس بسوق البرح بزايد ناقص على شان يوفر قيمة البر وإلا شموت من الجوع..”.

الزراعة

الزراعة أيام الصيف فقط- كما أفاد أحمد عبده قائلاً: “ الأرض مش حقنا.. أنا أسكن هنا من زمان بدون أرض.. الأرض حق المشائخ.. كل البيوت حقنا بأرض المشائخ حتى المقبرة خارج القرية.. إذا في ميت نسير به ساعة.. أحياناً نقبره في أي مكان بسبب بعد المسافة”.

تحضير واعداد الفحم

بعد زيارتنا لمنطقة البرادة اتجهنا إلى منطقة (العريَّش).. المشهورة ببيع الفحم الخشبي لمعرفة الطريقة التي تحضر أو يتم بواسطتها تحويل الأخشاب إلى فحم وقد تحدث حول هذا الموضوع العمال بقولهم: “أولاً نجمع الحطب ثم نضع عليه حشيش وبعدين تراب.. يدفن كامل ونولع.. النار تمشي من العين لما الرأس وعندما يبرد نفتح المكان ونضعه بالجواني.. نبيع بالكمية إلى صنعاء- باب شعوب، القاع- وإلى تعز إلى كل مكان.. المكان هذا حق واحد، والمستأجرين أكثر من (15 واحد)، ونحن عمال.. كل المنطقة فحم.. افضل أنواع الفحم القرضي بس لا يوجد الآن.. ناخذ الزفة الحطب بـ (15 ألف) تأتي ستة أكياس ونبيعها بـ (عشرين الف).. الشغل كله على الطلب.. الجهال أمراض من الدخان لكن ماذا نعمل العيشة تحكم..هذا شغلنا.. أحياناً نبيع بالأسبوع واحيان بالاسبوعين وأحيان بالشهر..”.

الخيمة أو العشة هي البيت

بعد مسافة طويلة قطعناها ونحن خارجون من منطقة (العريِّش) باتجاه النجيبة، وأثناء السير لفت انتباهنا بعض العشش البسيطة المنصوبة في اماكن متباعدة الأمر الذي دفعنا بالاتجاه إلي إحدى تلك العشش.. قطعنا المسافة سيراً على الأقدام إلى أن وصلنا إحدى القرى أو التجمعات.. كان الوصول بعد صلاة الجمعة.. نادينا على أهل أول خيمة اقتربنا منها، فخرج أحدهم.. استقبلنا ودعانا إلى الخيمة دخلنا.. طلبوا منا أن نتناول الطعام معهم فاعتذرنا كوننا تناولنا الغداء، وهناك أدركنا البساطة بمعانيها.. لا فراش ضغط.. لا غرفة نوم.. لا حمام رخام.. لا تلفزيون أو دش ولا كهرباء.. لا.. لا.. الخ.

فقط خيمة مصنوعة من أعمدة شجرة السدر بشكل هرمي ومغطاة بسيقان الذرة اليابسة. لا أحجار ولا بلك ولا جدران مطلية بالرنج.. هي البساطة بكل ما تعنيه الكلمة سألناهم عن طبيعة الحياة في تلك العشش فردوا: “هذه الخيمة هي البيت!! هذه الاعمدة!! ننام بالخيمة واصل.. لا تتحمل لا حريق ولا مطر ولا برد.. الجهال والنساء داخل الخيام.. أكثر من ثلاث شوف هنا (20 شخص.. الخدمات نأخذها من البرح.. الحياة كلها تعب.. الزراعة على المطر.. حفرنا بئر بالأيدي.. خسرنا وتعبنا.. الماء توفر ولكننا لم نستطع نجيب المكينة.. أيش من عيشة هذه.. القرية خالية من الخدمات ومهمشة مثل قرى المهمشين وعادنا مجعجعين أزيد، الآن المهمشين يطالبوا ويحصلوا دعم ومساعدات داخلية وخارجية أفضل مننا” هذا ما صرح به صاحب العشة عبده علي، عبدالله مقبل المقطري.. والذي سكن جده الأول تلك القرية منذ عشرات السنين بعد أن هاجر إليها تاركاً مسقط رأسه قلعة المقاطرة ليستقر في هذه القرية.

زر الذهاب إلى الأعلى