أخبار وتقارير

محافظة الرئيس في قبضة رجال العصابات

يمنات – الديار – سياف الغربان

في اليوم التالي لخروج مسلحي" أنصار الشريعة" من مدينتي زنجبار وجعار؛ زرت أبين في مهمة صحفية, وهناك كانت المفاجأة, ذلك أن المواطنين يصفون "اللجان الشعبية" بأنها مجاميع من اللصوص, بسبب النهب الكامل للمرافق الحكومية غيا لمدين.

تعترف قيادات هذه المجاميع المليشاوية  بأن أفرادها  نف1وا أوسع عملية نهب للمقار الحكومية, في وقت ارتكبوا جرائم عديدة حد قيامهم بتنفيذ إعدامات وتصفيات جسدية بطريقة متوحشة, دون إدانات محددة تصدر بحق الأشخاص الذين تم إعدامهم, ومن غير تقديمهم, للمحاكمة.

تأسست ميليشيا اللجان الشعبية في خضم سيطرة أنصار الشريعة على مدينتي جعار وزنجبار, بيد ان ولادتها الحقيقية كانت بعد انسحاب مقاتلو القاعدة منتصف يونيو من العام 2012, لعدم تحرك أجهزة الدولة الرسمية لسد الفراغ الذي خلفه انسحابه أنصار الشريعة.

منذ اللحظات التالية لخروج ما عرف بمجاهدي أنصار الشريعة, بدأت اللجان الشعبية تمارس دور الحاكم الفعلي لمحافظتي أبين وشبوة المجاورة, إثر غياب الدولة وانعدام مؤسسات السلطة في مدن أبين ومنها لودر الاستراتيجية التي تربط بين ست محافظات من الشرق الى الغرب والجنوب والشمال, ومن يسيطر على لودر يمكنه التحكم بكل تلك المحافظات.

كان من غير المتاح لهذه المجاميع القبلية المسلحة أن تفرض وجودها كسلطة بحد ذاتها- على حساب المؤسسات النظامية بالمحافظة- الجيش- الأمن- السلطة المحلية- لولا الدعم المادي واللوجستي الذي حظيت به قيادات عسكرية عليا بوزارة الدفاع اليمني, تصنف جغرافيا على "الجنوب" وفئويا على تيار "الزمرة" وبالتنسيق مع قيادات أخرى سياسية واجتماعية في الحراك الجنوبي.

فيما تتأكل مؤسسات الدولة في محافظة أبين جنوبا ومحافظات مجاورة, وتنحسر كافة أشكال الحضور الفعلي والرمزي لأجهزة السلطة, وتتهتك ادوات القبضة العسكرية الأمنية, النظامية.. تهرول الدولة "المليشيا" الى السوع بسرعة قصوى لم يعد ينفع معها الحديث عن إمكانية تدارك واحتواء نزعها البدائية للجريمة- بمختلف أشكالها- وكبح اندفاع عجلة الشذوذ الشامل. إذ أن الدولة الضاربة في أفولها بأبين, قد أفسحت موقع الصدارة لعصابات مسلحة منحت الجريمة تأشيرة الإقامة المستدامة في سلوكها.

بالنظر الى انتشار الفوضى والانفلات الأمني الشامل والاضطراب العارم الذي شهدته أبين وما جاورها, فقد كان ظهور "اللجان الشعبية" بمثابة استجابة لنداء انتهاز الفرصة لسحب البساط من تحت أقدام المؤسسات العسكرية والأمنية النظامية, وتمكين المليشيا من زمام السيطرة بما يضمن للجهات التي تقف خلفها ممارسة نشاطها المشبوه, خصوصا ً وان بعض القيادات العسكرية حالت دون أن تملأ السلطات الرسمية الفراغ الأمني الذي ترتب على انسحاب, "أنصار الشريعة" وعمدت الى تقوية ودعم الميلشيا غير النظامية في الجنوب, بالتوازي مع فكفكة وتمزيق الجيش النظامي في الشمال.

الحراك يلمح الى استنساخ "اللجان" لا يستبعد محللون إمكانية اتساع دائرة تسلح اللجان الشعبية في محافظات الجنوب, خصوصا بعد دعوة قيادات بارزة بالحراك الى تشكيل لجان شعبية مسلحة. وهذا ما فتح الباب أما ميلشيا تدعم مطالب الحراك الجنوبي بالانفصال.

تشير الشواهد الى ان نموذج أبين "العصاباتي" وما حدث هناك من تجييش لقطاع الطرق واللصوص في شكل مجاميع مسلحة؛ صار يتكرر بكارثية في محافظات جنوبية مجاورة؛ انخرطت في ماراثون الخروج السريع عن كافة التحكم والسيطرة الى الشكل العسكري الأمني العصابي البربري.

يمثل انحسار سلطة الدولة هذه المحافظات الفرصة المواتية لانفلات عقال العصابات المسلحة والمتطرفين والقتلة ليحيلوها, فيما بعد, الى ساحة للاحتراب والانتهاب والاستباحة, والى مسرح لعواء وعربدة الأشباح والمنحرفين.

تشير بعض التقارير الى وجود نزعة كامنة لدى قيادات عسكرية وسياسية خلف الإبقاء على اللجان الشعبية باي ثمن؛ مع إمكانية تحويلها لجماعات عنيفة تنفذ ادوار محددة في المستقبل, أو متى اقتضت المصلحة والحاجة ذلك. وهذا سيجر البلاد لمنزلق خطير ما لم يتم التنبه إليه.

ويلاحظ من خلال التجاوزات التي تحيط بعمل "اللجان الشعبية" أنها خطر حقيقي ثمة من يحاول استنساخه في مناطق ومحافظات مجاورة- لحج تحديدا- الأمر الذي يعني أنها تستعجل الانحدار لبى غياهب انهيار لا رجعة عنه, وإن من باب الإقرار بفشل الدولة وغيابها, انهيار لا رجعة عنه, وأن من باب الإقرار بفشل الدولة وغيابها, وتعفن وتفسخ جل أجهزة ومؤسسات وادوات السلطة المستنفدة الصلاحية.

وبحسب بعض المحللين فإن هناك الكثير من الأسباب التي تدعو للتخوف من تحول اللجان الشعبية الى جيش وذراع عسكري لدعاة الانفصال, ذلك أن حالة الشتات السياسي واحتمال انهيارها في أي وقت, يجعل من هذه المخاوف مبررة.

وعند هذه الجزئية تحديدا لا يمكن فهم- تأكيد قائد عسكري جنوبي أن مليشيا اللجان الشعبية كان لها الدور في حسم المعركة مع مسلحي القاعدة بأبين, منتقصا من دور الحيش- خارج سياق استراتيجية خطيرة تعمل على جعل هذه المجاميع المسلحة قوة رديفة وربما بديلة للجيش النظامي.

تسويق هذا القائد العسكري للجان الشعبية لم يتوقف عند هذه النقطة الفاضحة والباس مليشيا اللجان رداء بطولي زائف, خاصة وأن ما يعرف الجميع هو ان "القاعدة" انسحب من مدن أبين بموجب صفقة مع النظام الحالي وليس نتيجة مواجهات فضلا عن كون عناصر "انصار الشريعة" يشكلون ما نسبة 60% من قوام اللجان الشعبية والنسبة المتبقية للصوص وقطاع الطرق ومدمني العقاقير والمخدرات وأصحاب السوابق.

بالنسبة لهذا القائد العسكري فإن الخطر الرئيسي يكمن في محاولة التشكيك بدور اللجان, على اعتبار أن الخطر الحقيقي- من وجهه نظره- يكمن في بقاء محافظا أخرى مثل الضالع ولحج وعدن بدون عصابات مسلحة شبيهة بتلك الموجودة حالياً في أبين.

وبالمناسبة هذا القائد العسكري ينتمي لمحافظة أبين ويشغل حاليا ً منصباً عسكرياً رفيعاً بوزارة الدفاع.

ويدور جدل واسع بشأن طبيعة دور مقاتلي اللجان الشعبية بعد تورط العشرات منهم في أعمال قتل وسطو مسلح وحرابة, فيما يرى محللون سياسيون أن دورها قد انتهى بخروج القاعدة من أبين, وأن استمرارها يهدد بتحويل مسارها إلى العنف خاصة وأنها تملك السلاح.

كان يفترض أن لا تستمر تلك الجماعات المسلحة في  العمل, بعيدا عن قوانين وسلطة الدولة, الى ما لانهاية, إذ سيكون من الضروري بعدئذ البحث عن دور آخر لها بهد انتهاء جورها الأول, وقد بدأت في ذلك بالفعل.

زر الذهاب إلى الأعلى