تحليلات

اليمن إلى إين..؟ .. محمد سعيد عبد الله حاجب

يمنات – الشارع

خلال العقود الثلاثة الماضية تربعت أسرة عصبوية قبلية عسكرية, وهيمنت على الوطن وكل مفاصل السلطة والثورة.

أشعلت صراعات وحروبا داخلية وثارات وفسادا وتطرفا وإرهابا, مارست الاستبداد وارتكبت الخطايا والمظالم المتعددة, صادرت الحقوق ومارست الضيم والإقصاء والتهميش, غرست ثقافة الكراهية, وزادت من إفقار الشعب وتردي الخدمات وقضت على كل شيء جميل من إنجازات وقيم ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر, وفوق كل ذلك اغتالت المشروع الوطني لوحدة 22 مايو 19990م, بشنها حربا على الجنوب, وغدرت بشركاء الوحدة.

أنتجت العديد من الأزمات والحروب الداخلية, ولازالوا يعملون على عدم الاستقرار, رموز النظام وقادة حرب صيف 1994م يتهربون من تقديم الاعتذار؛ مع أن خطوة من هذا القبيل تحسب لهم فهذه الخطوة هي بداية لمصداقيتهم في الإصلاح والتغيير ودولة القانون.

استمرار نظام اللا دولة

وضع سياسي أمني واقتصادي متدهور وفي غاية التعقيد, وأزمة ثقة لا زالت تفعل فعلها, وصراعات على السلطة والنفوذ هنا وهناك بالقادم, ومؤشرات المستقبل غير واضحة المعالم حتى اللحظة, وكل شيء مرهون بنتائج مؤتمر الحوار.

لا شيء يحفز الناس اليوم, خاصة بعد أن برز شعور لديهم أن انتفاضة الشباب وثورتهم يجرى احتواؤها عن طريق المصادرة من قبل أطراف ظلت جزءا اساسيا من نظام صالح طيلة (33) عاما بكل مصالحها وفسادها, معاناة الشعب زادت سوءاً في مختلف المجالات, وفي المقدمة غياب الأمن والاستقرار, وتدهور ومعيشة الناس, وفي الخدمات الأساسية, الماء والكهرباء والنظافة والصحة والتربية والتعليم. قال أحد الشباب: "لقد تبخرت الأحلام رغم التضحيات التي قدمت, نتيجة ما هو ملموس من ممارسات في الواقع وعلى الأرض يوميا من عملية احتواء وصراعات". ما كان يؤخذ على النظام السابق ما زال قائماً ؛ السياسيات والممارسات لن تتغير, لأن الأجهزة الأدوات للنظام السابق هي نفسها, ما زالت تعطل وتقاوم أي توجه وأي تغيير, وتقوم بخلق الإرباك والمتاعب هنا وهناك, كي يقولوا إن القيادة السابقة كانت الأفضل.

فلتان أمني وغياب الاستقرار السياسي في كل البلاد, وبشكل خاص في المحافظات الجنوبية والشرقية وتعز وصنعاء والحديدة وحجة والبيضاء.

بروز ضعف شديد في الأداء الحكومي نتيجة عوامل عدة, أبرزها ان هناك طرفاً معطلاً, وغياب الكفاءة لدى البعض, والتعيينات والإقصاء التي يتم ممارستها من قبل بعض الوزراء في العديد من الوزرات والمؤسسات دون مساءلة.

إرهاب متواصل لم يتوقف ذهب بالآلاف من الضحايا يمنيين وأجانب. اختطافات متواصلة للأجانب لم تتوقف منذ 1991م, وآخرهم السويسري والكيني والمصري.

ثارات قبلية متواصلة بكل ما تسببه من إزهاق للأرواح والممتلكات وضغائن وتفكك.

استمرار تدفق الأسلحة الى اليمن, وغياب الشفافية وعدم الإعلان رسميا عمن يقف فعلياً وراء ذلك, سواء كانوا أفراداً وتنظيمات أو دولا, وتوزيع الأسلحة في المحافظات الجنوبية وتعز والبيضاء تحضيراً لجولات قادمة. كما يبدو من كل ذلك.

تقطع في معظم الطرقات, وحرب الشاحنات, كجزء من الفلتان الأمني, وتعميق لثقافة الكراهية بين أبناء المحافظات الجنوبية وبين الشمال والجنوب بكل ما تتركه من خسائر بشرية ومادية.

تدفق مستمر للاجئين الأفارقة على اليمن بكل ما يتركه ذلك من تبعات وما خطر أمنية وسياسية وأعباء اقتصادية واجتماعية على اليمن واليمنيين.

نهب متواصل الأراضي, وعمل عشوائي متواصل على قمم الجبال كما نراه بالعين المجردة في عدن.

هناك عمليات تخريب وتفريخ تجرى على قدم وساق, تقوم به بعض الأطراف لإثارة الفتن داخل عدد من المحافظات, ومنها محافظة تعز التي قدمت قوافل من الشهداء والجرحى والأموال في الانتفاضات والثورات على مر التاريخ المعاصر, ويعمل أبناؤها في كل ما هو طيب؛ بينما الآخرون يصدرون ويرسلون ما هو سيئ لها. أي ثقافة هذه؟ وأي مواطنة؟ وأي أخوة؟ أبناؤها يلاحقون, يهمشون يقتلون, من إبراهيم حاميم وعبد الحبيب سالم وعبد الرقيب عبد الوهاب وعيسى محمد سيف وعبد الوارث عبد الكريم وسلطان القرشي وعبد السلام مقبل وعبد العزيز عبد الغني والشيخ أحمد سيف والدكتور القدسي والدكتور الحمرة, وشهداء المحرقة في 29 مايو 2011م, والقائمة طويلة جدا.. لا تفسير لذلك غير أنه عقاب لها ولدورها الوطني ولمطالبتها بإسقاط النظام ودعوتها لبناء دولة المواطنة المدنية الديمقراطية الحديثة, ولتضحياتها ومن اجل السيطرة على المحافظة لحسابات حزبية انتخابية وسياسية. هذه الأوضاع, وما تعيشه كذلك مدينة عدن من أوضاع واختلالات امنية واضطرابات وتدهور في الخدمات, تضع علامة استفهام. فلا القيادة السياسية ولا مجلس الوزراء ولا المشترك ولا المجالس المحلية والأهلية وقفوا جادة ومسؤولة تجاه ما يحدث من أفعال وممارسات.

أعمال إرهابية نشطة وفعالة, وبشكل خاص في المحافظات الجنوبية, حدثت عشرات الاغتيالات طالت قيادات مدنية وعسكرية, أبرزهم الشهيد سالم قطن, دون كشف من يخطط وينفذ ذلك؛ هل القاعدة أم تجار المخدرات أم قوى متصارعة أخرى؟؟ وأخرها اغتيال مدير البحث الجنائي في وادي حضرموت, العقيد يحيى العميسي, والعقيد عبدالله الرباكي, من الأمن السياسي في حضرموت, وقبله مدير الاستخبارات العسكرية في حضرموت, واحمد سعيد بارمادة, وعمر بارشيد, ودارس في صنعاء, وثلاثة طيارين في لحج.

حوادث الطيران المتعددة خسرت من خلالها اليمن من الكوادر والطيارين والمواطنين مئات الملايين من الدولارات, إضافة الى حالة الخوف والرعب وسط السكان.

في عدن, حيث الحرارة مرتفعة والرطوبة, تنقطع الكهرباء بانقطاع وانقطاع, وبينمها انقطاع ثالث وخسائر يتحملها المواطن نتيجة خراب الأجهزة المنزلية.

وفي عدن وحدها أيضا العمل ثلاثة أيام فقط, تنقطع الكهرباء فالخميس والجمعة إجازة رسمية, والسبت والأربعاء عصيان مدني, بكل ما يتركه ذلك على الطلاب في المدراس والمرضى والمستشفيات ومرافق العمل ومصالح الناس المختلفة وتوتر وقطع الطرقات.

انتشار المخدرات بكل أنواعها بشكل واسع, وسط الشباب بدرجة أساسية. وهذا ناتج للبطالة المتفشية وسطهم, والتهريب المتواصل وغياب الرقابة الشديدة على المنافذ البرية والبحرية.

حوادث الانتحار المتكررة التي تحولت الى ظاهرة, نتيجة لعوامل عدة أبرزها البطالة والفقر ومشكلات أخرى, والخدمات السيئة وغياب النظافة وانتشار الأمراض كالسرطان وغيرها من الأمراض المستعصية.

فقدان اليمن للآلاف من أبنائها شهريا وسنويا نتيجة ضحايا الحوادث المرورية بكل ما تتركه من خسائر مادية اخرى بسبب الأوضاع المعاشة والخلل في المنظومة المرورية بشكل عام.

هيمنة إقليمية ودولية ووصاية مباشرة على اليمن دون أي تقدم أو تحسن, ودعم إيجابي اقتصادي ملموس. هناك مداهنة لأطراف معينة معيقة للاستقرار ولما تم الاتفاق عليه بموجب المبادرة الخليجية وقرارات مجلس الأمن.

أسرة حكمت اليمن فترة 33 عاما مع أسر أخرى كانت معروفة بفقرها لكل من القاصي والداني قبل حرب صيف 1994م, نهبت الثروة والمال العام وتنازعت عن الأرض, فجرت دروبا داخلية عديدة وزرعت ثقافة الكراهية والإقصاء والهيمنة وجمعت ثروات غير مشروعة تصل الى عشرات المليارات دون أي مساءلة.

بل إنهم لازالوا يعملون للعودة الى الحكم, ومعظمهم يدفع بالصراعات الداخلية لتمر الفترة الانتقالية دون تغيير جوهري.

ما حققته ثورة الشباب والمعضلات المعيقة

ما أنجزته ثورة 11 فبراير 2011م يمكن القول أنه تم إيقاف التمديد والتوريث وتصحيح لوضع غير طبيعي ظل لأكثر من قرن من الزمن.

قوى محددة ظلت ممسكة بزمام الحكم في اليمن, سواء في العهد الملكي أو في العهد الجمهوري خلال الخمسين عاما.

التغيرات الطيبة التي حدثت منذ فبراير 2012م بتشكل حكومة الوفاق, وفي المؤسسة العسكرية والجيش بشكل خاص, وانعقاد مؤتمر الحوار الوطني المؤمل منه الخروج بوضع التصورات النظرية والعملية للقضايا المنظورة أمامه, وفي المقدمة معالجة القضية الجنوبية, لأن هناك جهوداً حثيثة تبذل تهدف الى عرقلة الحوار وإيقاف ثورة الشعب في التغيير والإصلاح ووضع أسس الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة العادلة من قبل تحالف أطراف معروفة من بقايا النظام وقوى الفساد القديمة الجديدة, وتصاغ تحالفات سياسية لتكرار نفس التجربة التي حدثت مع وثيقة العهد والاتفاق.

اختيار وانتخاب الأخ عبد ربه منصور هادي رئيساً يعتبر انتخابه في نظر قوى معينة خروجا عن القاعدة التي ظل المركز المقدس ممسكا بها. فقد حظى هادي بدعم سياسي إقليمي ودولي غير محدود وبدعم شعبي عند انتخابه؛ لكنه نتيجة لتركيبة المؤسسات الأمنية والعسكرية وجهاز نظام بني طيلة 33 سنة لم يتمكن من توظيف واستثمار هذا الدعم كما ينبغي لمصلحة التغيير, نتيجة التركة الثقيلة ومراكز القوى المتعددة وتدخل أطراف سياسية عسكرية وقبلية مختلفة داخلية وخارجية, كل يريد تمرير ما يريد لتعزيز مصالحه, في الوقت الذي يفتقد الرئيس الى طاقم سياسي اقتصادي إداري يحمل رؤية متجانسة, يتمتع بقدرات وحركة وخبرة تساعده على السير باتجاه التعامل لمعالجة المشكلات الكبيرة المباشرة, كالقضية الجنوبية ومشكلات صعدة, وبناء مؤسسات عسكرية وأمنية من كل الوطن ولكل الوطن, والتأسيس لبناء دولة مدنية ديمقراطية عادلة, والعمل بشكل متناغم مع الحكومة لمعالجة الأوضاع المتعلقة بحياة الناس.

فبعد توقيع الرئيس السابق على المبادرة الخليجية والآلية التنفيذية وصدور قرارات مجلس الأمن وانتخاب هادي رئيسا بدأت اطراف عدة تناور وتشكل ضغوطا متعددة تعيق تنفيذ القرارات التي يصدرها, ودفعت بتصاعد الاختلالات الأمنية وغياب الاستقرار عن المحافظات بكاملها وتصاعد أعمال التخريب على المصالح والمؤسسات الحكومية, الكهرباء, المياه, والخدمات الأخرى وتدهور في حياة المواطن اقتصاديا زادت الحياة المعيشية سوءاً.

ظلت قوى الفساد ومراكز القوى وبقايا النظام, بما تمتلكه من أموال وإعلام ونفوذ في الأجهزة الأمنية والعسكرية والسلطة المحلية وبعض أطراف انشقت عن نظام صالح وفقا لحساباتها الخاصة, تضغط هي الأخرى بطرق شتى.

وفي ذات الوقت يبرز ضغط الأطراف المختلفة والمتباينة في الحراك الجنوبي, كل له مطالبه, إضافة الى مشكلة صعدة, وهي قضية صراع له جذوره الدينية والسياسية.

بالمقابل تقف القوى المدنية والشبابية التي قامت بثورة 11/فبراير 2011م, ولها طالبها رغم أنها غيبت وحدث الالتفاف عليها. فهي داخلة بالخسارة خارجة من الفائدة, كما يقول المثل.

استفاد أخرون منها وزمن تضحياتها, بما في ذلك الأطراف التي استخدمت القوة والعنف ضدها, لكنها ستظل هي القوى الفاعلة الحية والمؤثرة, وسيقع في الخطأ من يعمل على القفز عليها وتجاهلها.

وعلى الساحة أطراف إقليمية تفعل فعلها لتصفية حساباتها داخل اليمن, تقترب مما يحدث اليوم في العراق, فهي تتحايل وتعرقل قرارات الرئيس والحكومة بشأن هيكلة المؤسسات العسكرية وإطلاق المعتقلين ومعالجة الجرحى, تدفع بعدم الاستقرار, تخرب الكهرباء, وتعيق تنفيذ النقاط الـ"20" إنهم يريدون أن يظل اليمن مكانك سر, واليمنيون يعانون انعدام الاستقرار.

هناك تطرف وتعميق لثقافة الكراهية التي زرعها النظام, وتغذيها أطراف مختلفة اليوم بشكل ينذر بمخاطر قادمة, أكان في المحافظات الجنوبية أو في المحافظات الشمالية, وبين الشمال والجنوب من يعمل غلى تصفية الحسابات, من خلال استدعاء الماضي وتوظيف الجهوية والقبلية والمذهبية والسلالية, وشمال وجنوب, تنفق الأموال وتنشئ مكونات تحت تسميات مختلفة, وتصاغ شعارات متطرفة وتراشق بالألفاظ وتخون وتكفر, وهناك من يرفض الحوار, وأخرون يلعبون دورا في تمزيق الجنوب والجنوبيين.

لازالت بعض قيادات الأحزاب والتنظيمات السياسية في المركز مشدودة الى الماضي, لا ترغب في تقييم مكا حدث بصدق مع النفس ونقده والاعتذار ومغادرة الماضي, كما أن سيطرتها على المال والإمكانيات والعمل بعقلية وثقافة وأيديولوجية الماضي, مع بعض التغيرات الطفيفة اقتضتها طبيعة المتغيرات وما حدث من تطورات في العالم العربي ومنها اليمن. وعلى الرغم من التطور الإيجابي الذي حدث منذ تعليق وفك التحالف الثنائي عام 1997م بين الإصلاح والمؤتمر والتطورات الطبية التي حدثت منذ قيام تكتل أحزاب اللقاء المشترك في رد على السياسة الإقصائية الخاطئة والانفراد بالسلطة, وما حدث من تطور داخل الإصلاح, لكن هذا التطور اصطدم برؤوس متحجرة في القيادة, الذين مازالوا مرواحين, بثقافتهم ومشدودين الى الماضي والى الحلول التي تتفق مع قناعاتهم السياسية, وهي لا تختلف عن نفس العقلية لقيادات الأنظمة السابقة, حيث تعمل كل ما في وسعها لتحل محلها.

وهناك وضع اقتصادي ومعيشي وخدمي سيء وصعب ومتدهور للغاية؛ فالنمو السكاني وصل الى 5‚3 % وإصدار نقدي على الكشوف تجاوز الأربعين مليار ريال يمني لتسديد الرواتب, وفساد ما زال متواصلا وحياة غير مستقرة وبطالة.

اليمن وأصدقاء اليمن

مؤتمرات المانحين منذ اجتماع مارس2010م الذي عقد أصدقاء اليمن في لندن بحضور الرئيس السابق وعدد من أكان حكمه, ظل الهدف الأساسي منه الدعم المالي والاقتصادي والسياسي لليمن.

منذ ذلك الوقت وحتى اليوم عقدت العديد من اللقاءات والمؤتمرات في لندن والرياض ونيويورك وغيرها, لطن ظلت القضايا ترحل من مؤتمر لآخر.

هناك قصور وعدم بت في القضايا المطلوبة من قبل المانحين, فلم تستفد الحكومة اليمنية من التعهدات المالية المعلنة من الدول المختلفة نتيجة الانشغالات بقضايا داخلية. كل طرف يريد تثبيت مواقعه ومصالحه خلال هذه الفترة وترتيب أوضاعه, وهناك ضعف في الأداء والإدارة اليمنية والفساد فيا لجهاز الحكومي لازال على حاله, يقابله التملص وعدم الجدية من الأطراف المانحة لحساباتها السياسية الخاصة. هناك بعض الأطراف وبعض الدول المانحة تريد فقط الدعاية السياسية والإعلامية لأهداف سياسية معينة, فهي لم تعمل على تنفيذ تعهداتها المعلنة بجدية؛ بل إن البعض فيها وسع من التعقيدات المطروحة على الجانب اليمني في كل مؤتمر يعقد ويتم الاتفاق عليه, ويبدو أن ما أعلن عنه سوف تلتميه وتأكله المصرفات على الرحلات والدراسات والمؤتمرات ورواتب رواتب الخبراء والوفود, بعد ذلك كله؛ ألا يحق لنا أن نتساءل: اليمن الى أين؟

• وزير سابق, قيادي معروف في الحزب الاشتراكي اليمني.

زر الذهاب إلى الأعلى