فضاء حر

استراحة محارب

يمنات

الإهداء: إلى من أحبوني ولا زالوا ..

كم هي الإشاعة فاتنة في مجتمع معتل ومريض .. مجتمع يعتاش عليها وينتعش فيها ويتلذذ بها .. قوى مثقلة بحقد لا ينتهي وكراهية لا تطيقها الجبال .. أسهل شيء في هذه البلاد أن تتهم بالعمالة .. بلاد مملوءة بالضيق والمرض والسعار .. الإشاعة تلصق بك حتى لو كانت تلك التهم وهم وكيد وغيض .. تلصق بك حتى من الأقربين ولو كنت أكثر من نبي .. بلاد لا تغفر ولا تشفع حتى لو كنت أكثر من بريء .. تهم تنهشك كسعار الكلاب وأحشاء وحوش تقتات أحشاءها وتثأر منك على طول انتظار .. لا منطق ولا عقل .. أنت الثائر تنتهي بتهمة عميل في زمن موبوء تنتشر فيه التهم انتشار الفطر والطحالب ..

يريدونك دون صوت ودون وجود .. إذا وجدت صوت يسندك ويسند ثورتك وقضيتك والجياع .. الجرحى والشهداء والناس .. صوت ينتصر للغلابى والمقهورين وللمستقبل .. صوت يناهض الفساد ويتفانى في مقارعته من أينما جاء وأينما حل .. ذلك بالنسبة لي الجوهر والمقصد والحقيقة التي عرفتها وانتصرت لها ..

وجدت وسيلة ووجدت صوت يوصل وجعي ووجع الثورة والغلابى للعالم .. وجدت صوت يحكي للعالم ماذا يحدث في وطني المنكوب بنظامه .. وجدت صوت يقاوم هذا الفساد المنتشر في هذه البلاد كالطاعون .. وجدت صوت يقاوم الفاسدين والظالمين ولصوص الثورة وناهبيها ..

وجدت شيئا لطالما حلمت به ويمكن من خلاله أن أصنع وعيا بقدر ما يقاوم الوعي الزائف وضجيج الإعلام المشوه للوعي والحياة والإنسان .. إنها قناة الساحات .. هذا كان بالنسبة لي يكفي وزيادة ..

مع مرور الوقت وجدت نفسي أحد من يصنع سياساتها .. عملت من أجل إصلاح بعض تشوهات ونتوءات هذا الصوت الناتجة عن فساد ما وعن خلل تكويني بدأ منذ نشأتها .. خضت معركة ضروسة من أجل هذا الإصلاح ومن أجل أن يكون هذا الصوت أكثر نقاء وتعبيرا وتجسيدا للصوت الذي أريد ..

من أجل هذا الإصلاح خضت معركة ضروسة هنا وهناك حتى تخيلت أنني أخوض معركة مع الجميع وأصبت بعدد من الخيبات ولكني لم أيأس .. ولكن الخيبة الأخيرة كانت كبيرة وصادمة لأنها جاء بعضها ممن أحبهم وأعمل من أجلهم ..

أعرف أن هناك ثمن سيدفع وكل تحول أو تغيير له ثمن يجب أن يدفع .. والأهم بالنسبة لي أن لا أتيه الطريق وأن لا أخرج عن منظومة الضوابط والقيم الأخلاقية والحقوقية التي أومن بها والقناعات التي أعمل من أجلها ..

وفي غمار هذه الحرب وحروب أخرى مهمة ضد الفاسدين والمستبدين وحتى مع بعض الرفاق أيضا وجدت نفسي تحت أعباء واستحقاقات كبيرة .. وجدت نفسي كمن يريد أن يصلح نظام الكون والبشر ونواميس الطبيعة .. وجدت نفسي تحت أعباء ديون طائلة .. وجدت نفسي في رحلة بلا زاد ولا ماء .. وجدت نفسي محارب يطلق الرصاصة الأخيرة في حرب لازالت طويلة .. وجدت نفسي على الأقل أحتاج لاستراحة محارب .. سأحاول أن استريح قليلا من الوقت وهذا أظنه حق ..

زر الذهاب إلى الأعلى