فضاء حر

عن خطاب الحوثي

يمنات
لم يتعرض عبد الملك الحوثي في خطابه أمس، وللمرة الأولى في خطاباته الأخيرة، للتجمع اليمني للإصلاح من قريب أوبعيد.
كما لم يشر لعلي محسن ولا لأولاد الأحمر.
الحوثي بدا نزّاعاً هذه المرة لطمأنة الجميع وعلى رأسهم خصومه الذين يخوضون معه معركة مسلحة على جبهة أخرى هي الجوف.
ورغم أن الإصلاح أصدر بياناً شديد اللهجة ضده وضد تصعيده المطلبي الأخير؛ كال له ولتياره صنوف الاتهامات السياسية المألوفة، بل واستدعا البيان الخارج والدول العشر ومجلس الأمن للتحرك ضداً عليه؛ إلا أن زعيم الحوثيين بدا متعالياً على الرد ليوجه بذلك، برأيي، رسالته الداعمة لما يحاول التأكيد عليه من أن تحركه بمطالب شعبية تبحث عن “شراكة وطنية” وتعديل السياسات الاقتصادية الضارة باليمنيين، وليست استمرارا أو امتدادا لمعارك عمران والجوف.
اكتفى الحوثي بالإشارة إلى “القوى”، هكذا بصيغة عامة، والتي احتفت بالرسالة الصادرة عن الدول العشر، ولم يتحدث عن هذه القوى إلا في سياق تطمين جماهيره إزاء الرسالة الدولية التي تحولت لورقة إعلامية لإرهاب المحتجين.
عبد الملك الحوثي استمر أيضاً في تحييد الرئيس هادي وخاطبه بمايحفظ مقامه الرئاسي، برغم أن خطابات الرئيس الأخيرة كانت قاسية بشأن الحوثي وتياره.
أنا أقرأ كل هذا باعتباره مؤشرات جادة لدى زعيم أنصار الله على رغبته في تجنب التصعيد نحو العنف وهو التصعيد الذي يمكن أن يتسارع في حال بدا في خطابه مستهدفا بشكل مباشر للإصلاح ومحسن، أو متجاوزا لحدود اللياقة في مهاجمة الرئيس، أو متعمدا حشرهم جميعا في “زاوية” معركةٍ للكرامة.
غير هؤلاء أشار الرجل الى القاعدة في سياق محاولته القول إنه أيضا يقدر حساسية الوضع الأمني في العاصمة وأن أحد أسباب تحركه “الشعبي” هو الوضع الأمني المنفلت.
لقد كان موفقا في اعتقادي بتطمينه سكان صنعاء وأعتقد أن رسالته وصلت فهدأت الكثير من المخاوف، لكن الطرف المقابل مستمر في تخويف السكان وبطاقات إعلامية هائلة، وإذ ينجح هؤلاء في ذلك فإن سحب الاعتصامات على مداخل العاصمة سيفقد هذا النجاح المضاد كامل مفاعيله، فمايثير الرعب هو وجود القبائل على الأبواب سواء كانوا بالسلاح أو بدون السلاح.
عدا ذلك؛ لقد قدم الحوثي في خطابه دروسا بليغة في الوطنية موجهةً لخصومه الذين لم يوفروا حتى اللحظة ورقةً تحت وطنية (طائفية مذهبية مناطقية) إلا واستخدموها بشكل فج وبائس.
بالنسبة لي، واستناداً لخطاب الأمس، فإن الساعة التاسعة من مساء الخميس 21 أغسطس 2014 هو تاريخ ولادة “عبد الملك الحوثي” ك”زعامة وطنية”.. وقبل هذا التاريخ كان فقط قائد تياره وسيد جماعته، وتلك رتبةٌ لا تنال منه شيئا؛ والزعامات الوطنية الفذة، في العالم وفي التاريخ، هي التي تجعل من زعامتها ل”الجماعة” درجةً في سلم الوصول ل”الوطن” الأكبر والانتماء لناسه والولاء لهمومهم ومصالحهم.
وأن يكون لديك خطاب بهذا الاستيعاب كله لكل المفردات الوطنية، فإن ذلك أول استحقاق ينبغي أن يصل إلى الناس منك، حين تكون القوة الأكبر في الساحة، التي لديها أقوى سلاح منظم.
إن “الزعامة الوطنية” ليست منصبا شرفيا، بل هي عبء كبير، وإن كنت لم أخش على الحوثيين يوما وهم في موقع من يبحث عن اعتراف الآخرين به كشريك لهم في الوطن، واثقاً أنهم سيحصلون على الاعتراف الذي يستحقونه؛ فإني منذ الآن فقط بدأت الخشية عليهم.. فأن تتحدث باسم كل اليمتيين وتحمل على عاتقك مطالب “وطن”؛ فإن تلك مهمة سحقت تحت كَلْكَلها زعاماتٍ وهاماتٍ وتيارات.. وإلا لما كان اليمن طوال قرون من الزمن ، إلا من استثناءات نادرة وخاطفة؛ خلواً من كل القيادات الوطنية القوية والقادرة على الفعل.
لقد كان السيد بشخصيته التي أطل بها على اليمنيين أمس ذكيا ووطنيا بمايكفي للقول: اخلع الآن الكوت يا سيد وارم العسيب جانبا واطوِ أكمام قميصك فوقت العمل الحقيقي قد بدأ.. والناس ينتظرون المزيد من وصولك بالطمأنينة إليهم.
من حائط الكاتب على الفيس بوك

زر الذهاب إلى الأعلى