فضاء حر

قراءة هذه الحرب من زاوية سيسيولوجية

يمنات
آلاف المنازل والمباني دمرتها السعودية حتى الآن بعمليات جوية ممنهجة ومركزة.
بعض تلك المنازل، بل وأبرزها، استهدفت مباشرة وباعتبارها مجرد “مباني” لا بهدف اصطياد هدف عسكري بشري أو غير بشري بداخلها.
ماهي الحكاية بالضبط؟
هل يتعلق الأمر بمجرد “العقاب”
كما تفعل قبائل اليمن في حروبها فيما يخص منازل قيادات الخصوم؟!
إطلاقاً..
وإلا لماذا تدمير كل المعاهد التقنية في كل محافظات اليمن؟
لماذا قصف مباني رمزية مثل القصر الحمهوري بتعز؟
لدي مقاربة صغيرة قد تكون مهمة:
ثمة مشكلة أزلية بين “الصحراء” وبين “العمران”..
هؤلاء، ورغم أنهم صارت لديهم مدن وناطحات سحاب، إلا أن وعيهم “الصحراوي” تجاه “العمران” لا يزال قائماً..
لايزالون يرون أي مبنى “مرتفع” عن الأرض جزءا من “هوية” الآخر؛ الآخر المختلف، الآخر غير البدوي..
ولذلك طبيعي أن تكون “المباني”، مجرد المباني، هدفاً رئيسياً للحرب مادامت اختزالاً مكثفا ل”هوية” العدو أو الخصم المستهدف بالحرب.
————–
هل هذه قراءة بعيدة؟!
هل تعرفون أن جذر عمليات القاعدة، التي تدمر خلالها القباب والأضرحة في حضرموت هذه الأيام؛ يعود في الأصل إلى حكاية التنافس بين “الصحراء” و “العمران”؟!!
لقد دمر محمد بن عبد الوهاب، مؤسس الوهابية، حوالي ثلاثة آلاف قبة في الجزيرة العربية، في واحدة من أسوأ عمليات انتقام “الصحراء” لنفسها من “العمران”، ولكن مع اصطناع مبررات دينية نصية لذلك.
لم يكن بن عبد الوهاب، في لاوعيه إن لم يكن في وعيه، إلا بدوي مخلص لبدويته، مخلص لقيم الصحراء وأنماط الحياة فيها، وهي الأنماط المعادية لكل ما يرتفع عن الأرض “المستوية” من المباني (بل وحتى الجبال)، لذلك كان هدم الأضرحة والقباب هدفا أولا لحركته في مسعاه لإعادة الأرض إلى “استوائها” الصحرواي (واستهدف الأضرحة والقباب تحديدا لأنها كانت الوحيدة المشيدة في الجزيرة العربية، إذ لم يكن هناك، حتى اكتشاف النفط، لا قصور ولا بنيان إلا في جنوب الجزيرة: اليمن، حتى أن لقصر “غمدان” في صنعاء شهرة في تاريخ العرب تساوي شهرة “سور الصين” في الصين)
————-
من ناحية ما، عموماً، فإن الحرب الدائرة الآن هي كما لفت الزميل علي الضبيبي، حرب “الصحراء” على “المرتفعات”.
الصحراء الخليجية تزحف على جبال اليمن..
تأملوا حتى ألوان مدرعاتهم وآلياتهم وأزياء جنودهم: لون الصحراء، مقابل لون “التوشكا” الأخضر الزيتي وهو لون زي المقاتل اليمني أيضاً، لون الطبيعة المستقرة.
——–
ليس هذا فحسب، فقد لفتني أمس فقط أمر ذو دلالة:
ماقصة كل هذا الاهتمام والاعتناء والاحتفاء بالوصول إلى “سد مأرب”؟!!
الجواب:
وهل كانت كل حروب البدو وسكان الصحراء في غابر الزمن وقريبه؛ إلا صراعاً على الماء والمرعى؟!!
رغم أنهم باتت لديهم آبار نفط وغاز، ومحطات تحلية عملاقة تحول ماء البحر إلى ماء للشراب؛ إلا أنهم يبتهجون بالوصول إلى سد مأرب ابتهاج جدهم الأعرابي حين يصل بناقته إلى واحةٍ من نخلة وبئر ماء!
قراءة هذه الحرب من زاوية سيسيولوجية (إجتماعية أو بأدوات علم الاجتماع) ليست أبداً ترفاً، بل بإمكانها أن تمنحنا الكثير من المفاتيح لفهم مايحدث والتعامل معه.
من حائط الكاتب على الفيسبوك

زر الذهاب إلى الأعلى