العرض في الرئيسةفضاء حر

هراء الوعظ متلبسا بالإفلاس الأخلاقي

يمنات

فارس العليي

“عقدة التقصير” مرض من الأمراض النفسية ناتج عن تأثير خطاب الوعظ خصوصا الديني الذي يحاول أن يصور الأنسان بعيدا عن الشهوات والحسد في حين أن هاتين الصفتين طبيعة بشرية تتفاوت من شخص لآخر لكن نوعها لا يختلف .

الوعظ ، سلوك افلاطوني أيضا حينما تصور الأنسان عبارة عن مثل عليا ودأبوا بعد ذلك لمئات السنين يحاولون ايجاد الأنسان الفاضل في صورته النقية الخالصة، وفي صدر التاريخ الاسلامي اكتضت عتبات الحكام والخلفاء بالواعظين ممتشقين للأحاديث والحكم وعملوا على موالفة الأقوال من هنا وهناك لينهالوا بها على مجتمع يقارب “المثل” بغياب رغيف الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية والسياسية والخروج من دائرة الجهل والأمية ، الا أن ذلك ظل بعيدا عن متناول الوعاظ لأنها اشياء في متناول الخليفة او الحاكم الذي يعيشون من فتات موائده .

اربعة الف جارية اشتراهن الخليفة المتوكل و وطئهن جميعا ! أين كان الوعظ نائما ؟

الوعظ ، استهدف الفقراء والمساكين جعلوا من المجتمع واعظ لبعضه فعاث الحاكم فسادا في غفلة اجتماعية ساذجة ، تنافحوا الوعظ وظهرت اشكال واساليب وسلوكيات مختلفة للخطابة ، و بينما كانت الفتوحات تتوسع بأتجاه أوروبا حيث الحسناوات الشُقراوات والزرقاوت، كان الواعظون يوهمون الناس أن كل ذلك من أجل الاسلام والمسلمين ! وبينما يعود غالبية المقاتلين الفقراء الى بيوتهم خالين الوفاض من أي شقراوات كان الخليفة ينكح كل ليلة حسناء جديدة ، بل كان يجازي من ينظر لجارية الملوك والأغنياء شر جزاء، قبل أن يخلصوا الى حل أن أقاموا أسوار حول منازلهم وقصورهم كي لا يراهن من الرعية أحد ، وكان أن بارك الوعاظ هذا، و ينصحون الناس بغض الطرف من النظرة الأولى”ففيها الشيطان”

تطور الوعظ أكثر في ابتكار لغته الخاصة وتألفت فيه المجلدات بألآف الأحاديث والتفاسير والمقاربات النصية المقدسة، في حين جاء الاسلام لتحرير الأنسان من مغبة الاستغلال ، و جميعها لو راجعناها لوجدنا الأثاثي والموبقات ولا تحتوي سوى خلاصة واحدة تتلخص في أن الفرق بين الحلال والحرام من الصعلوك الفقير الذي يريد اشباع رغبة فطرية، وبين الغني والحاكم هو امتلاك المال لشراء الجواري والاستمتاع بما لذ وطاب وقس باقي الأشياء على ذلك ! و تطورت لغة الوعظ في اشكالا عديدة تتحكم بها رغبة أن يعش رجل الدين والسياسي والمثقف الأجير بهذا الخطاب المسترزق المبني على استغلال الناس بأدعاءات القيم المثلى، في حين يصرفون معالجة أسباب نوازع الفطرة وحقها في الامتلاك والاشتهاء والاستمتاع والعيش الكريم ، هنا الوعظ يلبس قناع تمريري مراوغ كاذب يخدم مصالح خاصة لا علاقة لها لا بالدين ولا بالوطن او بالثورة ، وببساطة اذا ذهبنا الى السجون واستمعنا للقضايا التي تورط فيها المتهمين لوجدنا غرائب وعجائب غلاظ ، ستجد أن واحد سرق عشرة الف ريال ومسجون منذ 11 عام وهذه قصة أطلعت شخصيا عليها وقمت بنشرها في صحيفة الشارع ، وآخر في السجن منذ سبع سنوات لأن المسكين عليه ديون ما مقداره 350 الف ريال، وفي سجن النساء امرأة في ثلاثينها ارملة هزتها فطرتها الإنسانية فقامت الدنيا في مجتمعها ولم تقعد فكان “بيت الزوقبي” دارها منذ ست سنوات ! ثلاث قصص فقط يحدث مثلها الاف القصص بل عشرات الآلاف، وان لم يدخلوا السجن فستتولى الخطابة أمرها تشويها وتسفيها، وعليهم ان يتقوا الله ويغضون من ابصارهم و يحصنوا فروجهم، وأن يكبت السارق جوعه ويحتمل برد الأرصفة من أجل فاعلية منهج الخطابة المرصع بالآلاف من الأحاديث والحكم والمساند التهريجية، في حين لا يقدموا حلولا عملية لمعالجة الأسباب في حين يمتلكون خيرات كل البلد..

الآن ما اشبه الليلة بالبارحة .. كل على هواه السياسي والمثقف ورجل الدين المحترفين، يقتلون الناس بإسم الوطن والوطنية وبأسم الدين والمعتقد، وبأسم الكرامة والعزة، ينامون في عسل مباهج الحياة، والضحية من عامة الشعب الجوعى والمتعبين “يركضون في سريرهم الأخير” الى أقرب مقبرة ومنهم من تاكلهم في الشوارع الكلاب والقطط!

وفي الحالة السياسية أكثر من يجيد الوعظ تيارات الاسلام السياسي واليساريين ، لأنهم ورثوا لَكنة عالية مؤسسة على دغدغة العاطفة ومقاربة ” الجماهيرية ” التي ابتعثت الحمية الدينية والقومية، والاشتراكية في الحالة العربية بالذات ماركسيين كانوا أو قوميين استغلوا الآم الناس ومعاناتهم تأسيسا على جذور منهجية لطبقة العمال والفلاحين والمظلومين عموما أولوية في هذا الخطاب الواعظ.

زر الذهاب إلى الأعلى