إختيار المحررالعرض في الرئيسةفضاء حر

من أرشيف الذاكرة (14) .. فرح جارف ومخاوف فازعة

يمنات

أحمد سيف حاشد

فرح جارف ومخاوف فازعة

(28)

• كانت الوحدة اليمنية حلماً كبيراً، بل كانت حلم بطول وعرض اليمن الطبيعية.. كان حلم يبدو عصياً على التحقيق، ولكن كان اصرارانا بالتعلق به قويا ومتيناً.. كانت الوحدة خيارا لا نحيد عنه.. كانت شعاراً جاذباً لا نملُّه ولا نتراخى في الدفاع عنه.

• كانت الوحدة هاجسنا وحلمنا وشعارنا.. كان شعار “لندافع عن الثورة اليمنية وتنفيذ الخطة الخمسية وتحقيق الوحدة اليمنية.” هو الشعار الذي لطالما رفعناه وردّدناه في كل مراحل التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي والكلية العسكرية.. كما كان هذا الشعار يكتب في ترويسة أو رأس صفحة كل المراسلات الرسمية والحزبية مثل ما تكتب وتتصدر البسملة سور القرآن.. ، كانت الرسالة التي بلا شعار تبدو مبتورة بدونه، شأنها شأن البسملة في سور “القرآن الكريم”.

• كنت أشعر أن الوحدة اليمنية لازالت حلماً باكراً وأن تحوله إلى واقع ربما يحتاج إلى فترة غير قصيرة، ويلزمها تغيير أحد النظامين.. وعندما تحققت فرحت بها جدا غير أني كنت متوجسا وخائفا من المجهول؛ لأن علي سالم البيض صار الرجل الثاني وليس الأول في نظام ما بعد الوحدة، ولأن العملة صارت الريال لا الدينار، ولأن العاصمة صارت صنعاء لا عدن، وأن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع .. شعرت أن تنازلات الوحدة من الجنوب كانت جمة وكبيرة وكان بعضها فادحاً، وأحسست أن المستقبل غير واضح إن لم يكن مجهول ومخيف.

• لازلت أذكر أنني ألقيت محاضرة في معسكر عشرين في المليشيا الشعبية في كرتير قبل الوحدة أشرت فيها إلى سلبيات وإيجابيات دستور الوحدة، وأشرت إلى المخاوف والمحاذير.. وانتقدت المادة 3 من دستور الوحدة والتي شعرت أنها تهدد ما تم إنجازه وما يفترض أن يُنجز في المستقبل.

• لا زلت أذكر كيف جُرفنا إلى صنعاء وسقط كثير من القادة الجنوبين أمام المغريات وتخلّوا عن المبادئ وذهبوا يتابعون الحصول على الأراضي والامتيازات والمواد الغذائية، ووجدنا أنفسنا (نحن الصغار ذوي الرتب الصغيرة) نعاني ونكابد، وبدأت المماطلات وتأخير نيل حقوقنا واستحقاقاتنا حتى انتهى الأمر بتقليصها أو تعطيلها عنّا ومصادرتها، وبدينا أمام أنفسنا كمتسولين عند السلطات من أجل هذه الحقوق والمستحقات.

• ليس القادة الشمالين فقط من كان ينهب حقوقنا بل أذكر أن بعض القادة الجنوبيين كانوا يقلِّصون بعض من حقوقنا أو ينهوها عنّا ليعيدوها وفرا ويحصلون على نسبة منها من رب النعمة.

• أذكر أن بعض القادة الجنوبيين الذين كنّا نقصدهم من أجل حقنا في إيجار السكن وغيره لم نعد نتمكن من الوصول إليهم أو اللقاء بهم .. أذكر أحدهم جلسنا منتظرين له ساعات في غرفة حراسته لنقابله ولم نتمكن، فيما كان هو في مقيل مع قادة الشمال يجاملون بعض ويمزحون ويتبادلون ود المقيل، بينما كنا نحن في بوابته نقتلي ونغتلي.. لازلت أذكر وأنا أقول لمن حولي في غرفة الحراسة: “سيأتي لهم يوما يخرجون من بيوتهم مذعورين أو كبّا على الأنوف.. هؤلاء الذين يتنكرون لنا ويتعالون علينا ولم نعد نستطيع أن نصل لهم بشكوى أو مظلمة..

زر الذهاب إلى الأعلى