العرض في الرئيسةفضاء حر

حسرة وألم على ضمارنا الوطني الكبير

يمنات

فكري قاسم

أتذكر الآن أغنية «جيشنا يا جيشنا» التي كانت تبثها قناة «صنعاء» زمان واحنا صغار، وأشعر بالحسرة على لحظات الزهو القديم التي كانت ترافقنا أثناء مشاهدتنا لأي عرض عسكري لـ«جيشنا» وفي عيوننا أحلام بأن نصبح ذات يوم عندما نكبر فتياناً بين تلك الصفوف.

أتذكر أيضاً كيف كنا واحنا صغار نختار لأنديتنا الرياضية في الحارات أسماء من ألوية الجيش كـ«العمالقة» و«الصاعقة» و«المغاوير»، وكانت فرحتي بمشاهدة أي ضابط يرتدي البزة العسكرية الخاصة بلواء «الصاعقة» أكثر ألف مرة من فرحتي بمشاهدة أفلام «رامبو» في سينما الجحملية.

أتذكر أيضاً أنه كان يوجد لدينا في الجنوب، قبل الوحدة، جيش مُهاب، ويتمتع بعقيدة قتالية محترمة، وبانضباط عسكري غير ملطخ بنهب أراض أو تباب. يخالط ذلك الجيش المهاب وحدات قتالية من النساء، وهن في تشكيلات عسكرية يرتدين «ميري» أنيق. وأزداد حسرة وأنا أتأمل الآن كيف ضاع منا كل ذلك البهاء، وكيف أصبحت البدلة «الميري» الآن بسبب ممارسات ثلة من القادة «السخاف» حاجة مش ولابد. ذلك لأنك لم تعد تنظر إلى جيش وطني بقدر ما تنظر إلى كيان متعب وممزق، وإلى مؤسسة عسكرية تناتفوها الجن من كل شق ليصبح لدينا الآن أكثر من جيش وأكثر من عقيدة قتالية وأكثر من «معرص» يتحدث باسم الولاء للوطن، بينما الوطن قد ذهب إلى خراب كبير نتيجة اللعب بأهم مؤسسة وطنية يعول عليها دائماً في بناء الأوطان المتعافية. وطننا اليوم عليل وحالته حاله.

أتذكر الآن صور الرئيس السلال وهو يرتدي البزة العسكرية وعلى رأسه «بُرَيه» عسكري صاروخي الشكل. كانت مشاهدته تشعرني وأنا صغير بأنني أشاهد رأس مكوك فضاء مش مجرد راس آدمي كان له فضل البدايات الأولى في تأسيس جيش نظامي باسم اليمن.

أتذكر أيضاً كيف أن أمي رعاها الله اشترت لأخواتي الثنتين ذات عيد قديم منتصف الثمانينيات بزتين عسكريتين مع قبعتين عريضتين، كتلك التي كان يظهر الشهيد إبراهيم الحمدي وهو يرتديها واقفاً كالطود وكفه ممدودة على جبهته مؤدياً تحية عسكرية دخلت إلى كل بيت آنذاك، وأصبحت – في ما بعد – هواية لدى جيل من البنين والبنات الذين كانوا يقلدون بملابس الأعياد بزة الرئيس الحمدي الذي اغتيل نهاية العام 1977، فيما ظلت صورته ببزته العسكرية حاضرة مع الناس إلى اليوم.

أتذكر كيف كنا صغاراً نرتدي مثل تلك البزة العكسرية، ونحرص على التقاط صور لنا ونحن نؤدي ذات التحية الخاصة برئيس نزيه أوصل اليمن خلال أقل من أربع سنوات إلى ما يشبه الحلم.

أتذكر البطل علي عبد المغني، والفريق العمري، وعبد الرقيب عبد الوهاب نعمان، والوحش، وحسين السكري، وعبد الله جزيلان، وعبد الله عبد العالم، وعلي عنتر، وهيثم قاسم، ومحمد علي هيثم، وماجد مرشد، وحسن الملصي، والشدادي، وسالم قطن، والقشيبي، واليافعي، وآخرين كثر، من أولئك القادة العسكريين العظام الذين خسرتهم اليمن، وتخسرهم دائماً وبشكل مستمر في مطاحن متكاثرة، وأشعر بمرارة الفقدان… لقد كانت الكلفة كبيرة.

أتذكر بأنه كان لدينا وحتى وقت قريب «حرس جمهوري» مُهاب ومرتب ومؤهل، ويقوم على عمل مؤسسي بالغ الدقة، ولكنه تعرض إلى هيكلة لئيمة لم تكن عينها مركزة على أحمد علي بوصفه قائداً لقوات الحرس، بقدر ما كانت مركزة على تفكيك تلك القوة تحت دواع سمجة، أقلها أن بقاء قوات الحرس الجمهوري يعني بقاء الرئيس صالح في سدة الحكم. وأشعر بالحسرة وبالألم على ضمارنا الوطني الكبير.

المصدر: العربي

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى