العرض في الرئيسةفضاء حر

من أرشيف الذاكرة (41) .. رفيقنا هايل القاعدي

يمنات

أحمد سيف حاشد

(18)

رفيقنا هايل القاعدي

كان أكثر من شارك في الحملة الإعلامية لحركة 20 مايوا الرفيقان هايل القاعدي وياسين هاشم قبل أن ينظم إليهم متطوعون آخرين.. كانت حملة لافتة حتى ظنّها البعض مدعومة بإعلاميين كُثر، وجيش إلكتروني غالب.. ألقت الحملة الفزع لدى الأمنيين في جماعة أنصار الله إلى حد قاموا بتغييرات أمنية مهمة في العاصمة صنعاء، من بينها تغيير رئيس عمليات الأمانة، وذلك قبل 48 ساعة من موعد خرجونا المقرر في 25 مايو 2017

الرفيق هايل القاعدي معرفتي به كانت لا تزال حديثة عهد، ولم يمض عليها غير فترة قصيرة، ولكن كان مستوى حماسه عالي ولافت، ليس للخروج فحسب، بل ربما أكثر من الخروج إن جاريناه..

رفيقنا هايل هائلا كأسمه، عرفته شهماً وكريماً وجريئاً ومقداماً، غير أن ثمة حيرة طالتني حياله، ظلت تلازمني إلى يوم قريب.

ظل الرفيق هايل القاعدي من القليلين الذين يعملون بحماس، واندفاع منقطع النظير، ويريد المزيد، ويتعجله دون تمهّل، ويتعجل النتائج التي يعتقد أنها ستكون على ما يرام..

لفت نظري الحضور اللافت لبعض الصور في صفحته “الفيسبوكية” لماركس وأنجلس ولينين وستالين وماو، فيما شاهدت في وقت لاحق في بيته ثمة أوراقا تنتمي لثقافة الجماعة، وصورة لحسين بدر الدين الحوثي، وأخيه عبد الملك الحوثي، لاصقة على جدار ديوان مقيله، لم تعد موجودة اليوم..

حيرني كثيراً، وكثيراً ما كانت تداهمني الأسئلة، وأتردد في محاولة مكاشفته وسؤاله، وربما سألته دون أن أمعن الأسئلة التي تجلي ما يبدد حيرتي.. هذه الحيرة ربما ظلت ترافقني إلى عهد قريب.

هايل القاعدي تاجر عقارات ناجح وطموح، ولكنه منكوب هو والموظفين المتعاقد معهم بمبلغ 800 مليون ريال في مشروعه السكني لذوي الدخل المحدود، المتمثل في بيع أراضي بالتقسيط المريح بعد دفع 300 ألف ريال في أول دفعة، ثم قسط 10 ألف ريال شهريا يدفعها الموظف، وسبب نكبته، والموظفين المتعاقد معهم، هو قطع أو انقطاع رواتب الموظفين، وتوقف توريد 12 مليون ريال أقساط شهرية، كان يتم استقطاعها من رواتب الموظفين لصالح المشروع، وزاد الطين بله وزاد الأمر وبال التدهور الكبير لقيمة الريال.. إنها نكبة كبيرة آلت به إلى الإفلاس..

وهكذا نجد أن دوافع خروجه معنا في 25 مايو قد صار بالنسبة لي مفهوما، ولكن ظل السؤال الكبير والمحيِّر، كيف لتاجر عقارات أن ينتقل بفكره من نقطة بأقاصي البعد، ودفعة واحدة، إلى الفكر الماركسي.. إنها فجوة كبيرة يستصعب ردمها بمنطق معقول..

الحماس للماركسية دفعة واحدة، أمر كان بالنسبة لي مثيرا لحيرتي، ومثارا لتناسل الأسئلة، حتى أنني لم استطع قمعها أو حبسها وكتمانها؛ فتجاذبت الحديث، وبعض الأسئلة مع بعض الرفاق، مع حرص وحذر أن لا تذهب بهم الظنون إلى مكان بعيد، وأذكر أنني أفصحت بحقيقة حيرتي لصديق ودود وحميم يعرف هايل جيدا، فبدد مخاوفي إلى حد بعيد.

وعرفت لاحقا أن الأقدار والطموح به بلغت به الصين في العام 2011 أنبهر بنموها ونهضتها وعمرانها وبناها التحتية وانتعاشها الاقتصادي.. السفر من جبال حجة وريفها البدائي إلى عالم الصين هو اكتشاف عظيم.. اكتشاف لعالم جديد، وحضارة ضاربة الجذور، وفائقة التطور، تزدحم بالعجب.. عجب يخطف منك العقل والبصر.. تغرق في الذهول، وأنت تكتشف المسافة بين الجنة والجحيم..

من مدينة “جوانزو” الي “إيو” الي “شنزن” مدينة الإلكترونيات والتكنلوجيا.. تنتقل بين مدن الصين الكثيرة، وكأنك تجوبها ببساط الريح مكتشفا عالماً خرافياً مكتظاً بالدهشة.. عالم لا يتسع له عقلك الصغير المشدوه بالذهول والانبهار ومفاجآت الاكتشاف..

من مدينة إلى أخرى، ومن مصنع الي آخر.. من المترو الي القطار الي الطائرة الي الباص الكهربائي.. الانضباط في العمل، والالتزام بالقانون، والتعايش، والتنوع، والمثابرة.. كل الأشياء هناك لافته وتنتزع منك العجب، وتداهمك الأسئلة في كل لحظة انبهار ودهشة: كيف تم إنجاز كل هذا؟! ومتى بدأ؟!!

توقفت سيارة المرشد والمترجم الذي بمعيته امام صورة كبيرة في إحدى المقاطعات لرجل يحمل في نفوس الناس احتراما و وقارا وقداسة.. إنه الرجل العظيم المؤسس لنهضة الصين ووحدتها.. أنه ماو تسي تونغ العظيم.

شغف هايل بسيرة ماو، والرغبة للتعرف علي تفاصيل حياته.. قرأ عنه وأعجب بشخصيته وعظمته.. واستدرجته المعرفة ليعرف عن غيره، مثل ماركس وإنجلز ولينين واستالين وكاسترو وجيفارا.. وقد كان للقاضي قطران بصمته في هذا التأثير، وكانت البداية التي قادته إلى المشاركة في تأسيس حركة 20 مايو.

تحدث الرفيق هايل القاعدي عن نفسه فيقول: لقد كنت مؤيدا ومناصرا (الثورة) مع الحوثيين، بل إن الحوثي أن صح القول كان معنا، عندما أعلن رفض الجرعة والمطالبة بإسقاط الحكومة.. كنا نتوق إلى وطن خالي من الفساد، كونه جاء من خارج منظومته، كنا نتوق إلى تغيير، كنا نتوق إلى وطن خالي من الظلم والاستبداد، ولكننا صُدمنا بعدها، بما آلت إليه الأوضاع، والانقلاب على (الثورة)، والتحالف مع الفساد.. انكسرت نفوسنا، وتألمنا علي ما بذلناه، وما آل إلى غير ما تقنا إليه..

ويستطرد القول: كنت أتوق إلى يمن جديد.. كنت احلم أن نبني وطناً خالياً من الفساد، وخالي من المحاباة، والمحسوبية، ولكننا كنا نلاحظ، ونتأكد يوما بعد يوم ان لا شيء من أحلامنا سوف تتحقق..

بعت كل مقتنياتي، وبعت ذهب زوجتي، وانا أنتظر صرف الرواتب، ولكن دون جدوى، ومازالت معاناتي قائمة الي اليوم.. وبعد أن قررنا الخروج مع الرفاق في حركة العشرين من مايو قرأت أكثر، وكنت اعمل بنصيحة رفيقي قطران وهو يقول: “يجب أن تجذر ماركسيتك”، حتى وصل بي الحال أنني كرهت نفسي أنني تاجر عقارات، لأن الماركسية ضد الاقطاع والملكية الخاصة، إلا أنني سوغت ما أعمله بأنني اخذ قطعة أرض من الاقطاعي، و أوزعتها لذوي الدخل المحدود، وأبذل كثيرا من الجهد والصبر للحصول على هامش ربح معقول، بغير استغلال أو جشع..

قد لا تصدق انني رغم ذلك ما زلت مستأجر في صنعاء، لأنني كنت كلما استلم أقساط اشتغل بها في المشروع لأوفى بالتزاماتي للموظفين حتى نكبنا معا. وحتى الآن على اتم الاستعداد إذا ما تم تأميم الملكية الخاصة اسلم ما تبقي معي من قطع ارض إن ما كان هناك توجه صادق وعدالة اجتماعية حقيقية للجميع.

ثم يغرق في وصف حال ما مضى فيقول: خرجت أنا وجماعتي ثوارا مع الحوثيين.. شكلنا فريقا إعلاميا مساندا.. خيمنا معهم في “الجراف”.. اندفعنا معهم ليس باعتبارهم تيارا لم يتم تجريبه، بل أيضا باعتبارهم أصحاب مظلومية، وخرجوا من رحم المعاناة..

اندفعنا معهم بقوة، وعملنا على إقناع الناس والمجتمع بهم.. قرأنا كتبهم وملازمهم، واقتنيت كتب المذهب، وقرأنا كتب وملازم ومحاضرات جلبنهن من جامع الحشوش.. ولبست العمامة والدجلة وأطلقت اللحية..

قدمت لهم عدد من المشاريع والأفكار في الزراعة والصناعة والثقافة والوحدة التي استلهمتها من تجربة الصين ونهضتها، وموائمتها مع واقع اليمن.

تمنيت أن تكون (ثورة 21 سبتمبر) ثورة ضد الظلم والاستغلال والفساد.. ضد الفقر والجهل والبطالة.. تمنيت أن تلم الجماعة شملنا، وتوحد الكلمة، وتنشر ثقافة الأخوة والمحبة بين أبناء الوطن، وتنشر قيم التسامح والتصالح..

تمنيت أن يستغل أنصار الله التفاف الشعب حولهم من أجل الوطن والتنمية واليمن الكبير والموحد والمستقر.. لكن سرعان ما تفاجئنا بالخيبة، ويأسنا، وداهمنا الإحباط المرير، وتبددت أحلامنا، وتلاشت الآمال، وندمنا علي ما بذلناه من جهد ومساندة، وبدا لنا الأمر كله على غير الظن الحسن.

صدمتني الوقائع، وانقطعت المرتبات، وتم التحالف مع الفساد، واستمر القمع للحقوق والحريات، والانشغال بتوزيع المناصب والمكاسب..

تذكرت الصين.. وتذكرت نهضتها وسرعة النمو فيها، وشاركت في تأسيس حركة 20 مايو مع رفاقي، وخلعت خيبتي ودجلتي، ورميت من على رأسي العمامة ، وحلقت الدقن، وقلت ليس هذا المستقبل الذي نريد.

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏‏سيلفي‏ و‏لقطة قريبة‏‏‏‏

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏5‏ أشخاص‏، و‏‏أشخاص يبتسمون‏، و‏‏‏أشخاص يقفون‏ و‏منظر داخلي‏‏‏‏‏

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏‏‏وقوف‏، و‏شجرة‏‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏‏

من حائط الكاتب على الفيسبوك

‏‏‏للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى