العرض في الرئيسةفضاء حر

من ارشيف الذاكرة .. بعض من تفاصيل حياتي

يمنات

أحمد سيف حاشد

(1)

استهلال .. حيرة وأسئلة..

لا أدري كيف كان مجيئي إلى هذا العالم الصاخب بالجلبة و الضوضاء..! المزدحم و المحتدم بالصراع و الغضب و الجنون .. المليء بالقتل و المظالم و البشاعات .. عالم يُنحر فيه حق الحياة باسم الحياة، و تُصلب فيه العدالة باسم العدالة، و تغيب عنه المساواة في تكافؤ الفرص حد العدم أغلب الأحيان!!

جبابرة و طغاة حكموا العالم و لا زالوا، بصيغة أو بأخرى يحكمونه إلى اليوم .. بنوا مجدهم الذي يتغنون به، على حساب دماء الشعوب المنهوبة، و استباحه كرامة الإنسان، و جوعه و وجعه و تبديد أحلامه و رجائه..

فقراء و بسطاء و محرومين .. مخدوعين و مبتليين بلعنات الأقدار و سوء الطالع و عاثر الحظ.

الحياة في البر و البحر و الجو كاسرة و متوحشة، و ممتلئة بالظلم و الألم و الجنون..

عالم تم حكمه و لا زال محكوما في الغالب بشريعة الغاب، و شروط البقاء فيه، لازال للأقوى و الأدهى و الأمكر، و كثيرون ممن يسفكون الدم باسم الله، أو من أجل السلطة، أو من أجل أنانية مفرطة و مستبدة، و جشع يزداد و يستمر و لا يتوقف.

***

كيف جئنا..؟! هل وجدنا صدفة أم ضرورة، أم هناك جواب آخر، أم أن الجواب سر عصي في عالم الغيب..؟!

سؤال يمكن أن يُكلفك حياتك و تُزهق روحك باسم الله و الذود عنه .. هناك اسئلة كثيرة منطقية و معرفية الإعلان عنها، أو البحث عن إجابة لها، ربما تزج بك في صدام محتدم مع واقعك الثقيل و القاسي، أو تدفعك إلى المعتقل، أو تودي بك إلى حتفك الأكيد، أو تصيرك قربانا، و جسر عبور لجاهل، يبحث عن الجنة و الغفران بإزهاق روحك..؟!

يرى البعض أن الحياة هي شقاء و تعاسة و عذاب للنفس .. و أن الفوز بها إنما هو فوزا بالألم و الندم و الوهم، و ما يتصوره البعض خسرانا، يراه البعض الآخر تحرراً مسبقاً من آلام الحياة و أوجاعها و مشقاتها التي لا تنتهي إلاّ بالموت.

فمثلما هي الحياة عند “راسل” هي المنافسة، و عند “نيتشه” هي القوة، و عند “بيكاسو” هي الفن، و عند “غاندي” هي الحب، و عند “اينشتاين” هي المعرفة، و عند “ستيفن هوپكنز” هي الامل .. فإنها عن “دوستويفسكي” هي الجحيم، و عند “سقراط”  الابتلاء، و عند “شوبنهاور” هي المعاناة..

***

في سباق الـ 300 مليون حيوان منوي، واحد فقط من يلقِّح البويضة، و يتخلق في رحم الأم، و ما عدى ذلك يفنى و يموت. فأيهما المحظوظ، هل من ظفر بالحياة أم من أدركه الموت و الفناء..؟!

الفيلسوف إميل سيوران  يرى إن المحظوظين هم أولئك الذين لم يوصلوا إلى البويضة، أما التعساء فهم من وصلوا إليها..

و يرى البعض أن ارتقاءك بوعيك، و تراكم معرفتك، يزيد من جحيمك، و معاناتك في الحياة.. فكافكا يقول: أول علامات بداية الفهم أن ترغب في الموت، و أن الإفراط في الوعي و إدراك الأشياء اشدُ خطورة من المخدرات .. و يرى سيوران أن الوعي لعنة مزمنة، و كارِثة مهُولة، و يؤكد دوستويفسكي  إن الأفراط في امتلاك الوعي علة مرضية حقيقية و تامة..

***

نجاح الواحد في سباق الـ 300 مليون، هو الواحد الذي كان سبباً لوجود كل واحد منّا..؟! وجود لو حاكيناه ربما أختاره البعض على أمل، و ربما رأى البعض في المجهول شك، و لا أمل في عالم مملوء بالوهم و الأكاذيب..

ربما رفض البعض هذا الوجود لو أتيح له الحرية و الإرادة في الاختيار .. الاختيار الذي يقوم بحسب فلسفة و رأي هؤلاء على إدراك عميق و معرفة مستفيضة..

الأديب و الكاتب الروسي الشهير “فيودور دوستويفسكي ” يقول: لو كانت ولادتي مرهونة بإرادتي لرفضت الوجود في ظل ظروف ساخرة إلى هذا الحد.” و في موضع آخر يقول: “أوليس من الجنون أن نأتي بأطفال في ظل هذه الظروف الحقيرة.”

الفيلسوف اميل سيوران يقول: “مِن أجل نشوة لا تتعدى تسع ثوان ، يُولد إنسان يشقى سبعين عاماً”.. «اقترفت كل الجرائم باستثناء أن أكون أباً».

و الشاعر و الفيلسوف أبو العلاء المعري أوصى أن يكتبوا على قبره:

“هذا ما جناه عليَّ أبي … و ما جنيت على أحدِ”

فيما تبدو الحياة في نظر فرانس كافكا حرب: “حرب مع نفسك .. و حرب مع ظروفك .. و حرب مع الحمقى الذين خلقوا هذه الظروف”.

فيما يرى أنطون تشيخوف أنه مع الموت ستكون انت الرابح الأكبر، فلا حاجة للهث وراء الطعام و لا الشراب و لا حاجة لدفع الضرائب و لا حاجة أبدا للجدال مع الآخرين..

أما الكاتب و الأديب الأمريكي الساخر مارك توين فيقول: “يولد الناس ليؤلم بعضهم بعضا، ثم يموتون”.

و سخر بعضهم من عبثية الحياة أو منطقها بقوله: خُلقت القطط لتأكل الفئران، و خُلقت الفئران لتأكلها القطط.

و تسأل آخرون: إذا كنا نعرف أنّ من يولد الآن، سيموت فيما بعد .. فلماذا تتركنا الطبيعة نواصل ارتكاب هذه الخطيئة..؟!!..

***

كم هي الصدف التي أنتجتها أو حركَتها الضرورات في عملية طويلة و معقَدة و ربما محيَرة حداً يفوق الخيال..؟!

سلسلة طويلة من الصدف و الضرورات لا تكف و لا تتوقف، لا ندري بدايتها الأولى، و لا ندري إلى أين تسير، و لا ندري أين ستنتهي إن وجد للأمر نهاية..!

المكان لا يكف عن السير، و الزمن يتسرمد إلى الأبد، و مألات الكون غامضة و مجهولة.

و لكن لماذا من علِق منّا في رحم الأم، و تخلَّق تسعة أشهر، يخرج إلى واجهة الكون صارخا بالبكاء..؟! هل هذا البكاء أو الصراخ إعلان وجود، أم هو رفض و احتجاج على هكذا وجود..؟! هل هو فزع من العالم أم خوف من المجهول..؟!

لماذا لا نخرج إلى واجهة الكون فرحين أو مقهقهين، أو حتى مبتسمين..؟! لماذا المولود من بني البشر لا يستهل حياته إلاّ بصرخة بكاء حادة..؟! هل صرخة البكاء هذه هي تعبيراً عن رفض لقدر لم يختاره هذا المولود، أو لم يكن لإرادته فيه شأنا أو خيارا..؟!

يحاول أن يجيب الشاعر و الكاتب المسرحي الإنجليزي وليام شكسبير بقوله ساخرا: “في لحظة الولادة  نبكي لأننا قادمون إلى مسرح مكتظ بالحمقى”.

بين صرخة الولادة و شهقة الموت عمر مثقل بالمعاناة و عالم من المتاعب و الأحزان و الأشياء و التفاصيل.

عندما تتعثر خطاك على الدوام، و يلحق السوء بحظك كلعنة لا تفارقك، و تخيب أمنيات حياتك، و تبطش بك الأقدار يميناً و شمالاً، و تصير فريسة للحرمان و المتاعب .. هل تكفر بنعمة من كان سببا و معجزة في وجودك، أم تلعن تلك الصُدفة التي جلبت لك كل ما هو تعيس و خائب..؟!

***

أبي و أمي .. جدي و جدتي .. لولا هؤلاء لما أتيت إلى هذا الوجود، و كنت في حكم العدم .. و ينطبق هذه على التراتُبيات كلّها .. إلى كل الأجيال .. إلى الجذر الأول .. إلى الإنسان البدائي الأول على أي نحو كان.

ماذا لو أجهضتني أمي في بطنها، حالما كنت لا أعي، و لا أفقه شيئا و لا أبالي بألم..؟!

ماذا لو انتحرت يوما، أسحق فيه أنانيتي، و غريزة تتشبث بحياة من جحيم، أبقتني مثقل بمعاناة مؤلمة، و آلام عمر مُجهد، أمتد طويلا حتى شارف على بلوغ كهولته..؟!!

و ماذا نقول عمّا أسموه قتل الرحمة إشفاقا بصاحبه، و خلاص من مرض أدركه اليأس، و ألم يلسع كالنار، لا يُوقفه إلا عتق النفس و تحريرها من محبسها الجسدي الضيّق، و الأشد من محبس الحديد..؟!!

***

يتبع..

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى