فضاء حر

ارشيف الذاكرة .. محاولاتي الفاشلة في الشعر

يمنات

أحمد سيف حاشد

– فشلي في كتابة القصة القصيرة، كان يعني أن لا أبقى مراوحا في نفس المكان، بل يجب أن أغادره إلى مكان آخر، أو أغير المسار الذي أنا فيه، أو أبحث عن مرسى آخر أكثر ملائمة، و المثل الإنجليزي يقول: “لن تستطيع اكتشاف محيطات جديدة إذا لم تكن لديك الجرأة لمغادرة الشاطئ” يجب أن أغير وجهتي، و الفشل كما يقول المحاضر في التنمية البشرية “زيغ زيغلر”: “هو منعطف توجيه إجباري، وليس نهاية طريق مسدود.” أو بتعبير أحمد الشقيري: “لا يعني أنك فاشل ، بل يعني أنك لم تنجح بعد.” ربما جميعهم محقّون فيما ذهبوا إليه.

– سأحاول أطرق باب الشعر، أو لعلي أجده مفتوحا و مرحبا بي .. ولكن تقاطيع العروض صعبة و مرهقة .. هذا ما كشفته لي تجربتي معه في المرحلة الثانوية .. بيني و بين الشعر ستة عشر بحرا و ليس ساقية..!! لماذا اسموها بحور و فيها أيضا اسم المديد و الطويل، و هي في الحقيقة قيود و موانع و كوابح تضيق بي، و أنا أضيق بها حتى ينقطع النفس .. كيف أبحر فيها و أنا دون قارب أو مجاذيف..!! كيف أبدأ رحلتي مع الشعر الذي يطربني، و أستحسن سماعه، و لا احسن كتابته..!!

– كيف لرحلتي أن تمضي في الشعر، و أنا لا زاد و لا ماء و لا راحلة .. درست العروض في الثانوية و استصعبتها، و لا أظن أن يوما سيأتي و قد لانت معي، و من أين ستلين..؟! لا أظنها تلين و أنا أشعر بتصحر واسع في الذاكرة .. الشعر العمودي المقفى و الموزون فوق ضوابطه الفنية الكثيرة يحتاج إلى حافظة من حديد، و ثراء لغوي كبير، لا يفقد فيها الشاعر حيلته، و هما غير متوفرين لدي، ثم أنا أتوق إلى فضاءات واسعة من الحرية، و كثرة الضوابط و المعايير تصيبني بالخبل .. و لكن هناك الشعر الحر، و هو متحرر من القيود الكثيرة التي يفرضها الشعر العمودي، و مع ذلك أنا لا اتذوق هذا الشعر، و لا استحسنه، و لا أميل إليه .. هكذا كنت أحدث نفسي، ثم اقنعها بالمحاولة التي استحضر فيها الايقاع الموسيقي، و أتجاوز القافية دون ابتذال أو اسراف .. لا بأس من المحاولة..

– شرعت فيما انتويت، و كانت أول محاولة طويلة نسبيا، أخترت لها عنوان “بلقيس” و تعني اليمن .. ارسلتها إلى صحيفة 14 اكتوبر، فنشرت مقتطف منها في 24 مايو 1985، و كان مستهلها:

بلقيس وجه قسمته

أخاديد الحدود

وغضنته

عثرات واسفار

واقتات الغازي

من حشاشته

أطباقا

وأحتسى من نظارتها

أقداح واقدار

***

مدنفون في هواها

والهوى جحيم

فلتكن أفئدتنا

للجحيم ديار

– كتبت محاولة شعرية أخرى مهداه إلى المهرجان العالمي للشبيبة الــ12 المنعقد في موسكو نشرت كاملة في 14 اكتوبر بتاريخ 26 يوليو 1985، تحت عنوان “إلى الشبيبة” و سبق أن نشرتها صحيفة الراية بتاريخ 9 يونيو 1985، تحت عنوان “بشائر أحلامنا الخضراء” جاء في مطلعها:

مرحى بعيدكم .. عيد تتوجه

شموس في سماء الغد

تعلو وتبتسم

شباب من عموم الأرض

اتحدت روافدهم

من أجل افاق

تصبو لها الأمم

شباب بالعزم تفتل سواعدهم

وفي حصون العلم تُحمى وتعتصم

– و في 2 يوليو 1985، كتبت قصيدة لرندة التي أحببتها لسنوات طوال، و هي لم تحبنِ، لأنها ببساطة لا تعلم بحبي لها، و استهللت المحاولة:

لقد أشعلت يا رندة

عمري في مدى عينيك

وجولت في الآفاق

تواقا إلى الآتي

أرسلتها لصحيفة 14 اكتوبر و صحيفة الراية للنشر، و لكن لم يتم النشر لا في هذه و لا في تلك .. فعزيت نفسي مفترضا موت “رندة” التي أحببتها بمحاولة شعرية عمودية كتبتها في 30 ابريل 1985، جاء في مطلعها:

في هواك انفق العمر وفاء فكيف اليوم ينقطع الرجاء

فليس الصبر قد صار نعيم وليس البين قد صار لقاء

فإن الصبر قد صار جحيم وإن البين قد صار شقاء

هي الأخرى لم يتم نشرها..

– كتبت محاولة جديدة تحت عنوان “صنعاء أمي الثكلى” مستهلا بهذه الأبيات:

صنعاء تعاني وتقاسي

من ثالوث النفق المظلم

تقتات لسعات السوط

وتتجرع أقداح العلقم

هي أيضا لم تجد طريقها للنشر..

– محاولات شعرية عديدة جلها لم ينشر، القليل الذي نشر كان لا يخرج عن صفحة القراء، و بعضها تم نشر مقاطع صغيرة منها، و كثير من انتظار النشر كان عبث أو مجرد سراب .. أحسست إن الشعر عصي عليّ أكثر من محاولاتي في كتابة القصة، و عرفت أنني لست موهوبا فيه و لا آهلا له، و لا تتوفر لدي الموهبة حتى في حدودها الأدنى .. اقتنعت أنه لا يمكن أن أكون يوما بشاعر، رغم أنني كنت أطمح أن أكون كذلك، و لكن (ليس كل ما يطلبه المرء يدركه) فكفّيت عن المحاولة..

– و رغم أنني ألقيت في أكثر من مناسبة شيئا من تلك القصائد، و شعرت أنها تحظى ببعض القبول عند السامعين لها، و لكن كنت أدرك في نفس الوقت أن تلك المحاولات هي مخرجات مجهود، لا مخرجات موهوب..

– أدركني اليأس، و أصابتني الخيبة في محاولاتي الشعرية، و لكنها كانت الحقيقة المُرّة .. أنني لست موهوبا و لن أكون، و الشعر أكثر ما يحتاجه في المقام الأول هو الموهبة، إنها ليست متوفرة لدي، و لن تتوفر أيضا .. و بت على قناعة أكبر أن ليس لي في الشعر فرس و لا ميدان..

***

يتبع..

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى