أخبار وتقاريرأسرار ووثائقالعرض في الرئيسة

رواية سفير الأردن السابق حول حرب صيف 94 واغلاق ملف نجران وجيزان وعسير

يمنات – صنعاء

كشف سفير الأردن لدى اليمن خلال الفترة من ١٩٩٢ – ١٩٩٥ شهادته على تلك المرحلة، خصوصا الأحداث التي افضت إلى حرب صيف ١٩٩٤.

ونشر السفير الدكتور فايز الربيع روايته لتلك الأحداث في سلسلة مقالات نشرتها صحيفة الرأي الأردنية مؤخرا..

يمنات يعيد نشر الرواية..

عينت سفيراً في اليمن عام ١٩٩٢م وما أن وصلت إلى هناك، حتى وجدت مهمة صعبة تنتظرني، لم أزود في حينها بأية تعليمات، وإنما عاينت الواقع فبعد تقديم أوراق الاعتماد، ومقابلة الرئيس اليمني في حينه، وجدت مجلس رئاسة مكوناً من ثلاثة أشخاص علي عبد االله صالح، علي سالم البيض، الشيخ عبد المجيد الزنداني، كان هناك توقيع طوعي على وحدة اليمن الشمالي والجنوبي، كان يمثل الجنوب علي سالم البيض، ولكن مجلس الرئاسة لا يجتمع، والبيض معتكف في عدن، والوحدة مهددة بالانفراط.

جرت مراسلات على أعلى مستوى، وكلفت أن أبدأ مهمة الوساطة أنا في اليمن، ومن الأردن المرحوم الأمير زيد بن شاكر، والدكتور خالد الكركي، وعلى اطلاع مروان القاسم، تحسست الأمر فوجدت أن الشرخ كبير، ربما لم يكن هناك شراكة حقيقية، الرئيس اليمني في حينه، يريد المجلس شكلاً، وعلي سالم البيض يريده حقيقة، كان هناك رغبة لا توصف من المرحوم جلالة الملك الحسين بالحفاظ على وحدة اليمن، حتى ولو وقف الأردن لوحده في هذا المجال، وهذا ما حدث فعلاً إذ أن جميع الدول العربية باستثناء السودان وقطر والعراق وعُمان لم تكن ترغب في التوسط لنجاح الوحدة.

شروط البيض

بدأت بجّس النبض مع القوى السياسية بدءاً بالرئيس، ومن يحيط به، ومع بعض شيوخ القبائل النافذين، فوجدت تشجيعاً للمهمة، فانتقلت إلى عدن، وبدأت المباحثات مع علي سالم البيض، كانت شروطه واضحة شراكة حقيقية وتنمية وتوزيع مكاسب الثروة، وهي شروط محقة، بدأت الزيارات المكوكية وكانت بعض الشخصيات الجنوبية تدعمني في هذا الاتجاه، ومنهم المرحوم جار االله عمر، الذي كان يأتيني لوحده ليلاً، لنتباحث كيف يمكن تذليل الصعاب وكان وزيراً للثقافة في الحكومة، وقد جرى الاتفاق في ما بعد هذه الزيارات المكوكية أن تستضيف الأردن مؤتمراً في عمّان، أطلقنا عليه في ما بعد مؤتمر (العهد والاتفاق) لأن الوثيقة التي وقعت كانت تحمل هذا المعنى.

وثيقة العهد والاتفاق

كنا بصدد التحضير لمؤتمر يجمع الشمال مع الجنوب في عمان، بلغ عدد الأشخاص من الرسميين وشيوخ القبائل الذين سيحضرون الى عمان حوالي ٥٠٠ شخصية، كل ذلك أخذ منا وقتاً وجهداً، كان التنسيق مع الجنوب اسهل لأن علي سالم البيض كان هو الشخص المعني وصاحب القرار بعكس الشمال، الذي وان كان الرئيس يمثل الدولة الا ان الشيخ عبد االله الأحمر وكان رئيساً لمجلس النواب، هو الشخصية الأكثر تأثيراً في المشهد العشائري إضافة إلى كونه رئيساً لحزب الإصلاح المشارك في الحكومة.

رفض زوجة البيض

يوم توقيع وثيقة العهد والاتفاق، كان الزمان رمضاناً وكانت التشريفات الملكية تستعد لاستقبال الوفود على مائدة الإفطار، هناك احياء لا زالوا من الاردن شاهدين على هذا الجهد، ونادى احمد العفيف على الاسماء للتوقيع ووقع الجميع، وحدها كانت زوجة البيض في الطائرة ترفض النزول، وبما لانها تعلم ماذا سيحدث بعد، ولكن إنسانية المرحوم الملك الحسين أبت إلا السؤال عنها وإرسال الإفطار لها على متن الطائرة.

أرجع إلى فترة السحور على مائدة جلالته، قال الشيخ سنان ابو لحوم يا جلالة الملك نحن لدينا مشكلة مع شخصين الرئيس والبيض، وانت عندك البحر الميت خذهم واغسلهم فيه لأن ملحه كثير لعلهم يتفقون.

رفض علي ناصر

وفي صبيحة تلك الليلة كنت في قصر الضيافة بعمان وفي غرفة الرئيس السابق، وأجرى مكالمة هاتفية بعد سماعه اخبار ببدء خرق الاتفاق على الأرض، مع علي ناصر، والذى كان رئيساً لليمن الجنوبي قبل الوحدة، يعرض عليه رئيسا للحكومة، فاعتذر، سافر الرئيس والبيض، عرج البيض على السعودية ثم عدن بدلاً من أن يأتي إلى صنعاء، معتكفاً هناك.

لاحقا بدت المناوشات بشكل جزئي، عندها قرر الملك حسين طيب االله ثراه إرسال بعثه عسكرية تقوم بفض الاشتباكات، وحذت عُمان حذو الأردن فأرسلت هي الأخرى بعثه عسكرية بنفس العدد، وبدأت البعثتان تنسقان فيما بينهما، ولكن الهدف هو تجنب الحرب والحرص على وحدة اليمن.

القات والاشتباكات

بدأت المفاوضات مرة أخرى مع البيض في عدن، بعضها كنت اذهب فيها منفرداً والأخرى مع اللواء عيد كامل، كنا نستقل طائرة أنتينوف فقط نحن الاثنين نذهب صباحاً ونعود مساءً، كانت البعثة العسكرية تتساءل ان كان هناك وقت خلال النهار، تنقطع فيه الاشتباكات، فأجبتهم ان هذا هو وقت تخزين القات عند الطرفين، كنت أتدخل في صياغة الرسالة التى يرسلها الرئيس اليمني إلى البيض، وأقول له مادمت سأتولى التفاوض فهذه الفقرة غير مقبولة، كان احياناً يتصل بي بعد منتصف الليل لأحمل الرسالة في اليوم التالي إلى عدن، كان واضحاً أن الأمور تسير نحو الاسوأ وأن قرار الانفصال والحرب ينتظر الوقت المناسب.

كنت التقى المسؤولين اليمنين المدنيين والعسكريين غالبا في بيتي، كان الإرياني وزيرا للخارجية، كان الرئيس اليمني يطلب من الارياني ان يجمع عددا من الوزراء اليمنين ويقول له دع الأخ فايز يلتقى بهم ويشرح لهم ما يفيدهم ويفيد اليمن، كان كل طرف يستعد للمواجهة الشاملة، وواضح ان القوة العددية كانت في اليمن الشمالي، ولكن تسليح الجنوب كان قويا كانت هناك قاعدة العند، وهي قاعدة ضخمة أنشأها السوفيات.

الشرارة الأولى للحرب

انطلقت الحرب بقصف مدفعي وجوّي وكان نصيب مطار صنعاء احد الصواريخ، ووقع بجانب الطائرة الاردنية الرابضة في المطار، فعقدت عدة اجتماعات في منزلي وبحضور مدير الملكية استطعت ان أوقف المناوشات للفترة التى تسمح للطائرة بالإقلاع، في هذا الأثناء كان المرحوم الملك الحسين أرسل لي سيارة مصفّحة ساعدني ذلك على التنقل في شوارع صنعاء بالرغم من ان الرصاص كان يمر من امامي ومن خلفي.

ثم بدأت الدول تتحرك في اتجاه الوساطة، كنت أقابل يوسف بن علوي في المطار، وانتدبت الأمم المتحدة الاخضر الإبراهيمي، أما الدول العربية باستثناء الاردن والسودان والعراق وقطر وعمان فقد كانت مع استمرار الحرب وتكريس الانفصال وهذه حقيقة عشتها.

الموقف الأمريكي

بدأت الحرب تأخذ مجراها بالتقدم العسكري، وكنا نتألم كما نتألم الآن أن الحرب هي بين الأخوة، يظهر أن هذه هي اليمن، لا تصحو من جراح الا وتثخن بجراح جديدة، كان الموقف الأميركي غير المعلن والذي عرفته بطريقتي الخاصة، هو مع الحرب، لكنهم كانوا يريدون ان تنتهي بسرعة حتى لا يكون هناك إيقاف من مجلس الأمن، وهذا الموقف مخالف في حينه لمواقف معظم الدول العربية، قالها الرئيس مبارك في حينه، الوحدة مش بالعافية يا جماعة.

تم شراء اثنتي عشر طائرة ميغ ٢٧ من روسيا وصلت منها أربع لمطار حضرموت، تمت الاستفادة من اثنتين ورأيت اثنتين فيما بعد بصناديقهما.

قاعدة العند العسكرية

بدأت الحرب تقترب من نهايتها، كانت قاعدة العند عائقاً كبيراً وهي قاعدة بناها السوفيات كأكبر قاعدة في الخليج ربما لكن ليس بنفس الضخامة والتكنولوجيا تعادل قاعدة العيديد، ولكنها كانت قاعدة تحت الأرض كان واضحاً أن الكفة تسير في اتجاه الشمال، حضر مندوب الأمم المتحدة الأخضر الابراهيمي وكان جزء من التنسيق أن يمر بالأردن وبعدها يمر الى اليمن وزودت الديوان بكل التفاصيل، كانت نصيحتي دائماً لمن أقابل من أهل الشمال من المسؤولين، هؤلاء يبقون يمنين وأخوة المعاملة الطيبة وعدم التصرف كمنتصر في الحرب، لأن الجروح لا تنسى والمعاملة الحسنة تبقى في الذهن ربما تحتاجونها يوماً لا شك ان كثيراً من أهل الجنوب طيبون وحضاريون واحتكاكهم على الموانئ في عدن وحضرموت والمخا قد صقل كثيراً من الطباع الخشنة للبادية.

انتهاء الحرب وملف الحدود

بسقوط قاعدة العند والاقتراب من عدن وإخماد السفن التي كانت تقصف تعز، أصبحت الحرب في حكم المنتهية ومن ثم انتهت وسافرت كثير من قيادات الجنوب وعلى رأسهم البيض إلى عُمان التي تمثل دائماً صوتاً هادئاً وعاقلاً ومتوازناً في الأزمات كوسيط أو ملاذ نحن الان أمام وضع جديد كانت وحدة بالرضا واقتسام السلطة الآن الوحدة كأمر واقع–كانت هناك قيادات كثيرة من الجنوب في الحكم كان رئيس الوزراء سابقاً أبو بكر العطاس من الجنوب والرئيس الحالي عبدربه منصور هادي كان نائباً للرئيس اليمني وعبد القادر باجمال نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للتخطيط وكان رئيس وفد المفاوضات من اليمن لحل مشكلة الحدود كنت التقي معه بعد كل عودة من المباحثات وأطلع على كل التفاصيل بما فيها التي تخص الأردن ومن هنا كنت اؤكد وفي رسائل مشفّرة لجلالته أن العلاقة بين الرئيس اليمني والسعودية ستنتهي بتوقيع اتفاق طالما انتظرته السعودية لإغلاق ملف نجران وجيزان وعسير، وكان ذلك مقابل مليارات تدفع لليمن وهكذا تم إغلاق الملف التاريخي المقلق للسعودية ملف الحدود.

حضرموت

قال جلالته- ان اليمن ليس لديها فضائية إعلامية- وإعلامها مخنوق سأطلب من مروان القاسم والدكتور خالد الكركي ومدير عام التلفزيون ان تجتمعوا لتقديم خطة لمساعدة اليمن في إنشاء قناة فضائية، وهكذا كان، ثم طلب مني ان احمل رسالة شفوية الى الرئيس اليمني- وأن أقوم بزيارة حضرموت- لماذا اختار حضرموت لم اسأل- وتقدم لي تقريراً عن احتياجاتهم- فاضطررت الى قطع إجازتي والعودة الى اليمن- ومقابلة الرئيس اليمني ومن ثم قمت بزيارة حضرموت- واجتمعت مع المحافظ- وعدت وقدمت تقريراً عن الاحتياجات الضرورية والأساسية للمحافظة. بدأ كثير من أصحاب المصالح الذين غادروا اليمن- العودة- لان الأوضاع بدأت تتسق بصورة طبيعية.

زر الذهاب إلى الأعلى