العرض في الرئيسةفضاء حر

ارشيف الذاكرة .. قصتي مع القات .. عندما ضبطني متلبسا

يمنات

أحمد سيف حاشد

كان مجلسي “ديواني” يكتظ بالرفاق والثوار والأصدقاء بل وبالمخبرين أيضا.. أسماه عبد الهادي العزعزي في الأيام الأولى من شهر يناير ومطلع فبراير 2011 بـ “دار الأمة” عندما كنا نجتمع أو نلتقي فيه، أو ننطلق منه أحيانا للتظاهر..

ثم صار مجلسي في عام 2012 – 2013 ملتقى لجرحى الاحتجاجات السلمية في عام 2011 وهم الجرحى الذين خانهم من تشاركوا بتقاسم السلطة، فيما سميت بـ “حكومة الوفاق”، وقلبوا للجرحى المجن، وتنكروا لتضحياتهم بقباحة، ولاسيما الذين رفضوا علاجهم أو اهملوهم حتى تعفنت جراحهم، وأكلت الجراح أعضائهم، أو جعلتهم ذو إعاقات وعاهات دائمة، تستمر معهم إلى آخر العمر، إن لم تضع تلك العاهات حدا لحياتهم قبل ذلك الأوان..

جلس إلى جانبي أحد الجرحى المعوزين.. يبدو إنه كان مُعدما، أو أن قدرته على شراء القات كانت محدودة للغاية.. كان واضحا إن الطفر يأكل عيونه ووجهه.. ملابسه وقاته وجسمه النحيل تحكي جانبا من طَفرِه وشدة حاجته، ومعاناته اليومية..

تركت قاتي على الجانب الأيسر بمحاذاة المتكأ، وخرجت عن وعيي، ومددت يدي إلى علاقي ذلك الجريح الموجوع الموجود على يميني .. مددت يدي إلى كيس قاته، وأخذت بعض وريقاته، وبصورة يبدو إنها كانت صادمة لصاحبها.. ثم فعلتها مرة ثانية، وعلى نحو يبدو إنها كانت مستفزة، ربما بسبب ظنه إنها تنم عن استهتار أو عدم مبالاة أو خطاء فاحش يرتكب ضده ويكلّفه قاته ومقيله..

يبدو إن تكرار فعلي ونبش وريقات قاته أكثر من المرة الأولى كان أمر أكثر استفزازا، غير أن صاحبنا “الضحية” حاول كتم غيضه، وكبح ردة فعله، وفضل أن يبعد علاقية قاته قليلا عني نحو الجهة الأخرى، غير أنني مددت يدي مدا، وسحبت العلاقي إلى جهتي، وغرزت يدي كغراف “الشيول” داخل الكيس؛ لأهبش وريقات أكثر، فيما كان قات “الضحية” قليل وحزين، ولا يحتمل غرافا، بل ولا يستحمل حتى “ملعقة”..

لم يتحمل صاحبنا الغلطة الثالثة، فسرعان ما تحرر من حيائه وحرجه، وقبض على يدي كما يقبض أحد رجال “الجندرمة” على لص.. قبض على يدي متلبسة، وقبل أن تخرج من علاقية قاته..

يده النحيلة وهي تقبض على يدي أحسست بها وكأنها قبضة من حديد.. لم أكن أعرف أن هذه اليد النحيلة لذلك الجسد النحيل والمنهك تستجمع كل هذه القوة الجريئة.. لحظتها لم أدرك حقيقة ما حدث، ولا سبب القبض على يدي إلا حالما قال:
– هذا قاتي بثلاثمائة ريال.. سامحتك بالأولى والثانية .. أين قاتك؟!!

عندها أدركت أن ما فعلته ليس بقليل، وخصوصا عندما لمحت أن قاته كان قليلا ويثير حزن من يراه.. قاته القليل لم يكن يستحمل التغاضي عن الهبش، ولا يتحمل دقائق قليلة من الفتك فيه.. تفهمت مشاعر صاحبه.. سحبت يدي من العلاقي ببطء ومن غير قات، بعد أن خفّت قبضة يده، وبعد أن أوصل رسالته كقذيفة مدفعية..

الواقع إن الموقف كان مربك.. وقهقهتي العفوية كانت ترفع عنّي كل مأخذ، وخصوصا بعد أن وجدت قاتي في الجانب الآخر هو من يبحث عني في غفلة عنه عشتها لدقائق.

يتبع.

زر الذهاب إلى الأعلى