العرض في الرئيسةفضاء حر

ارشيف الذاكرة .. بين رهابي وجنوني..!

يمنات

أحمد سيف حاشد

و رغم هذه المشاهد العاصفة التي أعيشها و تكتظ داخلي، إلا أنني كما أظن كنت حريصا على مصداقية ما أقول، و أن ما أقوله من وجع هو نابع من أعماق روحي التي تشتعل بضمير حي لا يهدأ و لا يستكين في مواجهة الظلم أي كان وتحت أي مسمى أو لباس أو عنوان .. أعبّر عن أوجاع الناس و أوجاعي بتلقائية بعيدا عن الحسابات السياسية التي لا تقول الحقيقة في أغلب الأحيان، أو تلك التي تعمد إلى استلاب الوعي، و مصادرة الإرادة، و النيل من الحرية، و العمل على تدجين ما أمكن ضمن القطيع..

عندما افتري عليّ نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع و الأمن آنذاك في قاعة البرلمان برواية ملفقة و كاذبة؛ أقسمت في المجلس بشرفي أن هذا الوزير كاذب بعد أن أنتهى من روايته الملفقة .. فطالب بعض النواب في الجلسة سحب كلامي و تقديم الاعتذار لمعاليه، فيما هدد البعض و طالب البعض بسحب حصانتي لأنني أسأت لمعالي الوزير، و الحقيقة أنني كنت صادقا جدا و كان كاذبا جدا، بل و متعمدا الكذب و الافتراء و الزور .. رفضت الاعتذار و كنت الجدار القصير لزملائي الوثابين في الانحياز للحكومة و معالي الوزير..

كنت اغالب المشاعر و الأحاسيس المحبطة و أسحق رهابي المكوم داخلي بمزيد من التحدي و الإرادة على الاستمرار بالمضي فيما أنا عليه من دفاع و انحياز لحقوق الشعب و لحقوقي النيابية المنتهكة، و بإدراك عميق أن هناك متسعا لأن أحوّل ما أعانيه من إعاقة نفسية اسمها “الرهاب” إلى قوة أكبر منها .. و الأهم من المهم أن لا أذعن و لا أستسلم لهذه الإعاقة التي أشعر بها و هي تتغلغل إلى أعماق روحي التي تكره الظلم و تقاوم الظالمين أي كانوا و تحت أي شعار أو مقدّس..

كنت أضيق بمن يتصنعون الكلام أمام الشاشات لمغالطة مواطنيهم، و الكذب عليهم، و تزييف وعيهم، و هم خلف الكواليس و في الغرف المغلقة يثقلون الشعب بكل ما هو ثقيل .. ينحرون حقوق المواطن، و يصنعون الظلم الكبير، أو يتواطؤون معه، أو يتآمرون مع الأشرار في صناعته و إخراجه على نحو فيه كثير من الخداع و تسويق الوهم و خيانة الضمير..

كان يستفزني أن يحدث هذا، و يستفزني أكثر من يحترفون ألحان الحجج لتبرير الظلم أو الكيد به كحق يراد به باطل، أو الذين يتواطؤون مع الظالمين بصمت الخيانة و العار .. من تتلاشى خطبهم الفجاج و تنتهي مواقفهم إلى عدم و سراب و أحمال كاذبة .. من يستلمون الرشوات بعد تمرير كل قانون أو اتفاقية مملوءة بالثقوب و أبواب الفساد المريع..

كنت و لازلت أضيق بمن يفتقدون للمصداقية و الضمير أو يقفون على الضد من مصالح الفقراء المكدودين و المُعدمين و قضاياهم العادلة .. كنت و لازالت أتحدث بتلقائية لا تتقن ما يسمونه “فن الخطابة و الكلام” و ما يأتي في جله على حساب الوطن و العدالة، و أحلام الحالمين بمستقبل وطن كبير أكثر حُلما و فضلا..

و عندما وجدت البرلمان لا يتسع لما أحمله من قضايا و مظالم و هموم، بل و بعد قناعة أن ليس بمقدور هذا المجلس حتى رفع اليسير منها، و قد ضاق عن التعبير عما أريد التعبير عنه، و تيقنت أن كل مخاض فيه لا ينتهي إلى ولادة أو حتى إلى موقف واحد بإمكانه أن يقلب الطاولة أو يغير الحال أو ينتج تحول متواضع، اتجهت بحماس نحو الكتابة و النشر و العمل الاحتجاجي و الميداني..

كتبت و نشرت عبر الصحف تقارير موازية لتقارير لجنة الحريات و حقوق الإنسان في مجلس النواب .. كشفت كثير من الانتهاكات التي وجدتها من خلال نشاطي الإعلامي و الحقوقي الذي أعتمد فيها على النفس الدؤوبة و الباحثة عن العدالة، أو من خلال منظمة التغيير التي تشرفت برئاستها..

 كشفت أيضا من خلال صحيفة “المستقلة” التي أملكها ما يتنامى إلى مسامعي مما هو غير معلن، و عمّا يجري خلف كوليس المجلس، و ما يجري من حبكات و همس و مواقف في الغرف المغلقة، و ما يتم تمريره من جور عبر المجلس بحق الناس و الوطن، بل و كشفت فيها عن موقف كل نائب و تصويته من قرارات المجلس في الشؤون العامة و الهامة..

احتجيت و اعتصمت و تمردت و نجحت في تجاوز كثير من خجلي و رهابي، ازدحمت حياتي بالمحاولات دون يأس أو سقوط … اكتظت بالمواجهات و الضجيج و التمرد و الصخب .. و بقي الأهم هو أنني لا أستسلم و لا أستكين و لا أذعن لظلم..

كثير هي المواقف الاحتجاجية التي قمت بها في البرلمان و سحقت فيها كثير من خجلي و رهابي .. بدأت من الاعتصام إلى الإضراب عن الطعام لأكثر من مرة و مناسبة إلى الوقوف على الطاولة، إلى الجلوس و إدارة ظهري لوجه الرئاسة، إلى لف السلاسل و الأقفال على عنقي و صدري و حتى خلس قميصي و المكوث دون قميص، بل وصل الحال حد محاولة اغلاق البرلمان مع الجرحى، و الشروع في التعرّي أكثر من مرة في قاعة هذا المجلس المتعرّي جداً..

***

يتبع..

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى