العرض في الرئيسةفضاء حر

ارشيف الذاكرة .. وعد وتميز .. وشعار “انتخبوا من يمثلكم لا من يمثل عليكم”

يمنات

أحمد سيف حاشد

حرصتُ و بذلت ما في الوسع من جهد أن لا أكون حالة مكررة .. الكاذبون و التافهون كثيرون، و هم مكررون و يتكاثرون كالفطر في ظروف و بيئة داعية إلى تكاثرهم حد التزاحم و الاكتظاظ … واجهة المسرح يستأثر به الكاذبون .. يستولون على المنابر و يستأثرون بالخطابة و يستولون على وسائل الإعلام التي تصنع نجوميتهم الكاذبة في إطار أجندات تغتال أحلام شعبهم..

و في المقابل يتم وأد الصادقين قبل أن يبدؤون شق طريقهم الشاق و الطويل و الملغوم بالاحتمالات السيئة، و النحوس التي تلاحقهم أينما سلكوا .. إنهم متعبين و منحوسين الطالع أكثر من غيرهم .. يصلون إلى القليل بمشقة بالغة .. يتم إثقالهم بكل ثقيل حتى تُقطع أنفاسهم في أول خطوة من مشوار الألف ميل .. تنعدم أمامهم الفرص المتساوية بغيرهم ممن لا يستحقونها .. و عند وقوعهم أو فشلهم لظروف أكبر منهم تتم المسارعة إلى إهالة التراب عليهم، لتغيب وجودهم حتى يستسلمون أو يرحلون إلى النهاية بحزن ثقيل، و ميتم فينا يطول..

أنا حالم إلى أقصى مدى .. متمرد على هذا الواقع السيء الذي يريد أن يفرض شروطه الثقيلة على إرادتي و أحلامي الندية .. لا أرغب في إعادة إنتاج نفس المشهد المكرر و المٌستهلك، أو أكون بعض منه لا حول له و لا قوة .. لا يروقني استجرار الماضي و قولبة الحاضر بالماضي المهترئ و المتهالك .. أسأم التكرار و محاكات ما صار مملا، أو متأكلا، أو ما “أكل عليه الدهر و شرب”..

منذ البداية تقتُ إلى التميّز و التفرد ، و قول الذي قال:”لا في وجه من قالوا نعم” .. أردت أن أكون مستقل بحق و حقيقة، وعيا و وجودا.. عقلا و وجدانا، أو هذا على الأقل ما بحثت عنه، و تطلّعت إليه في واقع فاسد و مفسد .. ترشحت ووعدت إنني سأترشح للبرلمان لمرة واحدة لن أكررها، و قررتها لكسر احتكار طال .. و أكثر من هذا حرصت أن أكون صادقا في واقع كذوب..

***

حملتي الانتخابية و الإعلامية أريدها أن تتميز .. أريد شيء مختلف عن الجميع .. التكرار يصيبني بالملل و السأم و فقدان الذات المتميزة .. نعم .. أريد التفرد و التميز في كل شيء، و لكن ما هو متاح و ممكن محدود، و لا يوفر شروط ما أروم .. العين بصيرة و اليد قصيرة، و المتاح محدود .. و لكن لا بأس .. لدي ما يفتقده الكثير ممن يتسابقون .. لدي ما ليس لدى الآخرين..

لدى الصدق و الوفاء و الانتماء للناس .. أتطلع إلى ما هو إنساني، و ما ينسجم مع المستقيل الذي أنشده .. و لدي القدرة على أن أوظف القليل لتحقيق الكثير .. سأبذل جهدي و أستفيد من القليل و أوظفه إلى أقصى حدود الممكن .. هكذا حدثت نفسي و هكذا كان التحدّي.

أريد أن أصل بكثافة إلى عقول و وجدان الناس .. أريد أن أكسب حبهم إلى أقصى مدى ممكن .. أريد أن أشعرهم بحقيقة انتمائي لهم .. لن أتنكر لهم ما حييت .. أريد أن يشعروا أنني واحد منهم، و سأكون دوما منحازا لهم و لقضاياهم العادلة .. منحازا للفقراء و الغلابى و المكدودين .. مناهضا للفساد و الإفساد، و لانتهاكات الحقوق، و مدفعا عن الحريات، و قد كانت تلك القضايا من أهم وأبرز ما تضمنه برنامجي الانتخابي المعلن للناخبين..

ترشحت بنية خالصة، و بحب جارف للناس، أريد أن أكون صادقا معهم من البداية .. لا أخدعهم و لا أكذب عليهم، و لا أجازف في كيل الوعود، و لا أوزع لهم الوهم، كما يفعل الكثيرون..

في حملتي الانتخابية، كنت صادقا مع الناخبين، و حريصا أن أقول لهم: أنني لا أوعدكم بشيء، و لكني سأبذل قصار جهدي .. و أستدرك: لا أريد أن أكذب عليكم، و لكني أوعدكم ببذل ما في الوسع من جهد و قدرة..

وعدتهم أني سأخوض المنافسة للمقعد البرلماني مرة واحدة فقط، و أن لا أترشح لهذا المقعد مرة ثانية و أنا جديرا بوعد كهذا .. أريد أن أكسر احتكار تمثيل دام ثلاث دورات نيابية متلاحقة .. لا أريد أن أصل إلى البرلمان لتكوين ثروة، أو ملك عقار، أو امتلاك المال الوفير يخلعني عن الناس و يلهيني عن معاناتهم .. بل سأكون مديونا يقضي ديونه خلال فترة دورته الانتخابية تلك .. و قد كان هذا ما حدث بالفعل..

وعدتهم أن لا أعاود الترشيح لمجلس النواب مرة ثانية، و هو التزام اخلاقي ثقيل، أعرف تماما ضرورة الالتزام به .. إنه تحدي كبير أدرك معناه، و أهمية الوفاء به .. لا أظن أن هناك نائبا قدم هكذا وعدا، و استعد لخلع نفسه قبل الوصول و بعد الوصول، و لكن كانت للأيام أقدارها..

أما شعاري الانتخابي فكان ملخص و مكثف في عبارة “انتخبوا من يمثلكم لا من يمثل عليكم” و هو على الأرجح عنوان مقالة كتبها صديقي الصحافي عبدالله عبد الإله في عان 2003، و الذي عودني الالتقاط الجاذب، و القدرة على مخاطبة وجدان الناس و عقولهم، و الغوص في أعماقهم و معرفة ما يدور في خلدهم .. لقد أخترت هذا الشعار اللافت دون سواه..

“انتخبوا من يمثلكم لا من يمثل عليكم” وعدا لم أستسهله، و كنت أعلم كلفته، و لن أتهاون في تحقيقه، و لن أتراجع عنه مهما كانت متاعبه و كلفته التي قد تصل إلى دفع الروح بسخاء و امتنان .. إنه شعار وجدته بعض مني ينبض فيني، و ينسجم مع موقفي الإنساني و الحقوقي و الضوابط الأخلاقية التي أعتنقها، و أنحاز إليها و بما يتماشى مع المستقبل الذي أنشده..

تم توزيع الشعار مقرونا بصورتي التي تحمل المعاناة كلها .. حتى “الكوت” و “الكرفتة” التي خنقتني أستعرتها .. أما الشعار فوجدته كثيف المعنى طغى على ما عداه .. لقد كان شعارا آسرا إلى حد بعيد .. أحسست أنني أتنفسه، و أنه يعبر عما يجيش في أعماقي، و ما ينبض به قلبي، و يستحق الوفاء حد الموت..

***

يتبع

زر الذهاب إلى الأعلى