العرض في الرئيسةفضاء حر

تغاريد غير مشفرة .. للمرة الرابعة .. قرارات خطيرة

يمنات

أحمد سيف حاشد

(1)

سلطة صنعاء لا تهتم ولا تكترث بخطورة القرارات التي تتخذها وتنفذها، مهما بلغت تلك المخاطر من استهداف مكين للقطاع العام والاقتصاد الوطني، وتدمير المؤسسات والوحدات الاقتصادية، ونسف ما بقي لنا من دولة وصالح عام .. هي لا تكترث ولا تفكر إلا بشهية مرعبة لكل ممكن وقع تحت يدها، وجني العوائد الفورية حتى تصحره، وتصيّره مفقرا أجردا، ثم تنتقل إلى البحث عن غيره؛ لتفعل الشيء ذاته.

(2)

إنها سلطة نفعية إلى حد فظيع؛ فهي لا تدرس المخاطر المحتملة لقراراتها على الشعب، ولا على شرائح العمال والموظفين الذين سيتم إفقارهم، ولا تمعن في قراءة تلك القرارات ومصدرها وأبعاد تأثيرها، ولا عن كلفتها الاقتصادية والاجتماعية الفادحة على المجتمع في المدى المنظور والبعيد، بل أكثر ما يهمها هو أنه سيعود عليها كجماعة بالمال الوفير، والثراء السريع، بعيدا عن حسابات الاستراتيجيات، والمصالح العليا للشعب.

(3)

البنك الدولي يساند هذا المشروع، والوكالة الممولة هي وكالة التنمية الامريكية، والتي كانت قد أعدّت مشروع تحديث المالية العامة بوزارة المالية بصنعاء، فيما الذراع الفني لها هي شركة “براجما” وتبدو هذه الأخيرة من خلال ملفها انها شركة “اسرائيلية”.

وكانت قد اوردت وكالة التنمية الأمريكية في تقريرها، والمكون من ٤٧٠ صفحة انها ستقوم بتثبيت نظام في بنك عدن، واشارت الى ان النظام مثبت في صنعاء، ويمكن الاطلاع عليه كصفحة ويب وخاصة ان قاعدة البيانات من شركة “اوراكل”.

(4)

أحد المشاريع التي يدعمها البنك الدولي في البلدان النامية ومعه وكالة التنمية الأمريكية، هي تحديث مالية الدول، ودعم الخصخصة، وخصخصة القطاع العام، ورفع دعم الدول عن السلع الضرورية. هذا ما عرفناه مليا خلال عهد مضى، وهو ما نعيش بعض منه اليوم في صنعاء وعدن، والربط الشبكي وتحديث المالية العامة هو أحد مفردات تلك السياسات التي يجري اليوم الاستعجال بتنفيذها في صنعاء.

البنك الدولي يقدم القروض والدعم المشروط، ويدعم في المقابل فساد السلطات الذي يعتاش جزء من فسادها على هذه المنح والقروض..

في اليمن ضغط البنك الدولي لرفع الدعم عن المشتقات النفطية، وفي المقابل لم يضغط باتجاه مناهضة الفساد الذي كان بإمكانه يعافي اليمن..

سياسات البنك الدولي وفساد السلطة، ينتهي به الحال إلى فقدان تلك الدول لاستقلال قرارها الاقتصادي والسياسي ثم السيادي.

(5)

ورد في بيان وزارة مالية عدن أن جهات دولية منظمة للعملية، وهي الوكالة الامريكية للتنمية، وشركة “براجما”.

وفي صنعاء تم بتوجيه رئيس المجلس السياسي وتعميم وتنفيذ وزير المالية .. ويبقى ما خفي أعظم.

ما يجري تنفيذه في صنعاء وعدن ليس صدفة، وهذا الايقاع المتسارع في صنعاء لما يسمى بالربط الشبكي، وتحديث المالية العامة، وإلحاق الوحدات الاقتصادية المستقلة ومركزتها بوزارة المالية، والمتعارضة مع القوانين السارية، والمنشئة لتلك الوحدات الاقتصادية المستقلة، والتي لا تتم وفق أجندات وطنية، ولكن وفق رغبة ومصالح خارجية تقف على الضد من المصالح الوطنية.

(6)

أمر دبر في ليل .. قرار يتعارض مع الدستور والقوانين السارية، بل ومع المرونة في الإدارة، ولا يتوخى منه نجاحها وتحقيق أهدافها..

ارسل للتنفيذ بحزم، ومطلوب من الجهات والوحدات الاقتصادية المستقلة سرعة التنفيذ دون تغيير.

في صنعاء بدأ وكأنه قرار تسلل همسا ومخاتلة، وليبدأ التنفيذ مباغتة، ويطبق بحزم وتنمر سلطوي .. يريدون تنفيذه بسرعة بعيداً عن البرلمان وعن السلطات ذات العلاقة، ومحاط بمخاوف من أي جدل أو نقاش يمكنه أن يفضي إلى أي تعديل.

(7)

لم يتم اشراك المعنيين في الإدارة، ولم يتم التشاور فيه مع النقابات المعنية، ولا الموظفين والعاملين الذين سيطالهم تعسف القرار بالضرر الوخيم.

قرار مريب اتخذ دون مراعاة للوحدة الوطنية، والمصلحة العليا للوطن، ومستقبل شعبنا..

قرار مدمر يستهدف القطاع العام برمته، وفي المقابل هو نفعي بامتياز لأصحابه، حتى وإن اتى هذا التدمير ليس فقط على تلك الوحدات الاقتصادية المستقلة، بل وعلى الاقتصاد الوطني، وعلى الوطن ومستقبله .. المهم مصالحهم، ومصالح من يدفعهم ويقف ورائهم ومن يدير المشهد من بعيد.

(8)

الربط الشبكي مفهوم مظلل، يتم استخدامه بمزيد من التضليل، وله مسمى ناعم آخر هو نظام إدارة المعلومات المالية، كذا استراتيجية إصلاح المالية العامة، ويتم تنفيذها على مراحل، والمتضمن توسيع نطاق نظام إدارة المعلومات المالي والمحاسبي “افميس” ليشمل الوزارات والجهات على مستوى السلطتين المركزية والمحلية، واستكمال الربط الشبكي والربط الآلي مع البنك المركزي اليمني .. وهو مشروع مدعوم وممول من البنك الدولي ومن الوكالة الأمريكية للتنمية، وكان قد توقف نشاط هذا المشروع إثر التطورات والتداعيات التي حصلت بعد العام 2011

(9)

المشروع الذي يجري تنفيذه في صنعاء يستهدف القطاع العام، ممثلاً بتلك الوحدات الاقتصادية المستقلة؛ فبدلاً من المرونة في الإدارة، وسرعة اتخاذ القرار وتنفيذه، وقدرتها على تحقيق المبادرة والنجاح والإنجاز، وما يوفره لها استقلالها المالي والإداري من قدرة على تحقيق أهدافها التي أنشأت من أجلها، سنجدها بوضع الملحق والتابع لوزارة المالية، تعاني من روتينها القاتل، وفقدانها للسيطرة على قرارها المستقل، وغيرها من فقدان مزاياها التي كانت تتمتع بها، ليحل محلها كثير من البيروقراطية والتعقيد، وتدخلات السلطة التي لا تنتهي في أكثر التفاصيل خصوصية، لينتهي بها الحال إلى الفشل، والبيع والخصخصة.

(10)

هناك اجراء مالي يتم الآن، ويتمثل بتوجه وزارة المالية في صنعاء إلى نقل حسابات جهات الدولة إليها، وفتح حسابات لها في البنك المركزي، وكذا ادخال بيانات الجهات كاملة، بما فيها الوحدات الاقتصادية المستقلة التي تعد أهم الجهات الإيرادية للدولة، وادخالها في انظمة وزارة المالية تحت مبرر ضبط النفقات.

وزامن هذا الاجراء اجراء مشابه من وزارة مالية حكومة عدن بمبرر الموائمة بين النفقات والايرادات للجهات الحكومية، وهو هدف مشابه لهدف وزير مالية حكومة صنعاء.

فيما الحقيقة تقول إن وراء الأكمة ما وراءها، والاتفاق والاختلاف بين أطراف الصراع محكوم بمصالح وأجندات خارجية، فيما الأطراف اليمنية تنفذ تلك الأجندات، مقابل ما يُمنح لها من فتات قليل، ومصالح ضيقة تأتي على حساب مصالح الوطن ومستقبله.

(11)

على الصعيد السياسي تم استكمال تشكيل كيانين منفصلين..

مجلس سياسي أعلى في صنعاء ومجلس قيادة في عدن
حكومتين ومجلسين للشورى..
برلمانيين غير أن سلطة الأمر الواقع في صنعاء أضافت إليه 24 عضو في انتخابات تم وصفها بالأحادية والصورية..

وعلى الصعيد الاقتصادي والإداري والقانوني يجري في الواقع تدعيم الكيان الانفصالي شمالا أكثر منه جنوبا..

من نقل البنك إلى تغيير قانون البنوك
من التاريخ الميلادي إلى اعتماد التاريخ الهجري..

من تعديل قانون المرافعات إلى إحداث تغيير نوعي في منظومة القوانين..

(12)

تنفيذ هذا المشروع اليوم في صنعاء يستهدف في وجه منه حقوق ومستحقات العاملين في الوحدات الاقتصادية المستقلة، وإعاقة وإلغاء مرونة هذه الوحدات، وإثقالها بروتين قاتل، وإدارة بيروقراطية، وسلطة مستبدة همها الأول كيف تجني الغنيمة على نحو سريع، وكيف يتم اضعاف أداء تلك الوحدات، والاستيلاء على أصولها وموجداتها؛ لينتهي بها المقام إلى إفشالها، وبيعها وخصخصتها، أو تدميرها وتضيع حقوق موظفيها والعاملين فيها.

إليكم هذا المثال:

سعر المياه حالياً في حدها الأدنى بسبب توفير المنظمات للديزل لا يتجاوز ٥٠٠ ريال للوحدة، وفي حال انقطاع الديزل لأي طارئ أو ضغط، وللحيلولة دون ارتفاع سعر المياه إلى اضعاف مضاعفة، قامت إدارة هيئة مؤسسة المياه بتوفير مبلغ خمسة مليار ريال، غير أن وزارة المالية سحبت هذا المبلغ على مؤسسة المياه في العاصمة والمحافظات والمخصصة لشراء الديزل، والمودعة كاحتياط في حال انقطاع تمويل المنظمات..؟!!

ولن تبقى حقوق العمال والموظفين بعيدا عن هذا النيل والغنيمة.

لقد تم إخبارنا أن مليار وأربعمائة مليون ريال من مستحقات موظفي مؤسسة المياه كانت موجودة من قبل، ولم يتم اعتمادها ضمن الموازنة الحالية..؟!!

أين سيذهب هذا المبلغ..؟

ربما يذهب إلى جهة أخرى غير مستحقيها، أو تصير بعض من غنيمة، أو مما تم توفيره من مشروع الربط الشبكي وتحديث المالية العامة، على حساب حقوق ومستحقات العاملين والموظفين في الوحدات الاقتصادية المستقلة.

ويقال أيضا بصدد الاستيلاء على حقوق ومستحقات الموظفين أن الخطوة الأولى سيتم تجنيب البدلات في كشف، والراتب في كشف أخر. فيما ستكون الخطوة الثانية ابعاد البدلات وتنزيلها، والاكتفاء ببقاء ما يرد في كشف الراتب.

هكذا ربما ستمر أو تمرر استهداف جزء من استحقاقات العامل أو الموظف في تلك الوحدات.

ومن يعلم ربما يتم قطع راتب موظفي تلك الوحدات الاقتصادية التابعة لصنعاء ليجري تعويضها من غنيمة النفط المنهوب المطالب أن يتم منه تغطية رواتب الموظفين المقطوعة، وربما تلك التي سيتم وقفها أو قطعها.

لم يعد هناك مستحيلا، لاسيما ان الاستيلاء على حقوق ومرتبات الموظفين والعاملين قد بلغت أماديها، وقد عاش الكثير محنتها ومأساتها سبع سنوات طوال.

زر الذهاب إلى الأعلى