العرض في الرئيسةفضاء حر

“التحالف” الذي لم تخجله عروبته ليكف عن ارتكاب المجازر بحق الأبرياء من جيرانه

يمنات

لطف الصراري

“نَقتُل ونُقتَلْ ونتباهى بسفك الدمْ …. وشمسنا باردةْ والريحْ مجنونةْ”.

المدى الذي يبلغه تأثير هذا البيت الشعبي، يتعدى الإعجاب ببراعته الشعرية إلى فرض تصوُّر ذهني لانقباضات قلب الشاعر التي دفعت هذا الكم الهائل من التجرّد في تشخيص الشقاء المزمن.

لا يستطيع أحدنا، وهو يقرأ هذا الاختزال الثاقب، سوى أن يفكر بكمية الأسى الطافحة من عيني محمد ناصر العنسي، على إثر كتابته هذا البيت.

رغم كونه شاعراً مقتدراً، لم يُعرف محمد ناصر العنسي، على نطاق واسع كشاعر. كان القليل من مجتمع الأدب يعرفونه كموسوعة أصيلة لتراث اليمن الشفاهي، وعلى رأسهم شاعرا اليمن الكبيرين عبدالله البردوني، وعبد العزيز المقالح.

و لأنه تغلغل في روح الإنسان اليمني عبر العصور، تمكن من تتبع صوت أنين القتلى وصيحات الحروب منذ آخر موسم للرياح الهادئة. الرياح التي كانت تحمل قوافل اليمنيين وسفنهم المحملة بالبخور واللبان وأنواع العطور الفاخرة، إلى كل بلدان العالم، هي نفسها الرياح التي كانت تغدق عليهم خير الأرض والبحر، وهي التي دفعت سهامهم دائماً بقوة جنونية لصد حملات الغزاة القادمين من خلف البحار.

بحسب ما تفيد كتب ومصادر التاريخ، لم يحدث أن جهّز اليمنيون، عبر تاريخهم الممتد لأكثر من ثلاثة آلاف سنة، حملات عسكرية لاستعمار بلد آخر، بل للدفاع عن مصالحهم التجارية على طرق القوافل البرية والبحرية. حتى الاستثناء الوحيد الذي يمكن الحديث عنه في هذا السياق، كان يتم على إثر الصراع بين أكبر قوتين عالميتين حينها؛ روما وفارس.

و أعني به ذلك الغزو المتبادل بين اليمن وبلاد الحبشة، ووقوف الرومان في صف الأحباش مقابل وقوف الفرس في صف اليمنيين. ‏عدا ذلك، طالما احتفظ اليمنيون لاحقاً بعلاقات ممتازة مع الحضارات الأخرى، على أساس المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل، حتى جاء البرتغاليون ورفعوا راية “الاستكشاف الرومانسي” بتعبير سيّد مصطفى سالم، بحثاً عن الكنوز الغارقة والشطآن الساحرة. ليس في بحار اليمنيين وحسب، بل في بلاد العرب وأفريقيا عموماً. لكن هذا ليس كل كانت ما تحتويه بحار العرب والأفارقة؛ إذ كانت “الرياح المجنونة” قد أصابتهم بلعنة “التباهي بسفك الدم”.

اللعنة التي كانت تبدأ بعد رحيل الغزاة في العصور القديمة، وصارت الآن تمهّد لقدومهم ببحيرات من الدماء. أي شمس ستجفّف بحيرات الدماء التي تكوّنت فقط، منذ ثلاث سنوات!

“شمسنا باردة”، وليس بمقدورها أن تجفّف برك المستنقعات التي تكوّنت في الحفر العميقة التي تخلفها صواريخ طائرات “التحالف العربي”. “التحالف” الذي لم تخجله عروبته حتى الآن ليكف عن ارتكاب المزيد من المجازر بحق الأبرياء من جيرانه.

وإذا كانت لعنة الثأر هي التي أثارت قريحة محمد ناصر العنسي، ليختزل الشقاء اليمني المزمن في بيت شعر شعبي، فما الذي سيقوله شعراء العرب وهم يرون التباهي السعودي في تدمير اليمن حتى العظم..؟

إنها اللعنة التي باتت تتناسل كالجراثيم والفيروسات الناقلة لأوبئة الكوليرا والتهاب السحايا وحمى الضنك.‏

المصدر: العربي‏

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى