العرض في الرئيسةفضاء حر

من أرشيف الذاكرة (48) .. قصتي مع القات

يمنات

أحمد سيف حاشد

(7)

في حملتي الانتخابية وأنا أستقل السيارة في طريق (المداكشة ، النويحة) وهي طريق مكسّرة وصعبة، ولا تخلوا من وعورة أمام السيارات، إلى درجة تشعر أحيانا بالنجاة بعد أن تقطع نهايتها، وعليك أن تتنفس الصعداء، وتحمد الله وتشكره عند تجاوزها، وإن كان لك عودة لها سيركبك الهم ذهابا وإيابا.. لا يخففه عنك غير أهلها الطيبين والأجياد، وقمرهم الذي شاهدته في إحدى الليالي المقمرات، وكتبتُ عنه ذات يوم، ردا على صديقي الصحفي عبد الله عبد الالة الذي كتب عن قمر “عين الريم”.

يومها كنت استقل السيارة، وبمعيتي بعض أعضاء فريقي الانتخابي.. كنتُ مخزن قات، إلا أنني شعرت بغته بالجوع يداهمني ويهد قواي.. كنت لا أريد أن أرمي بالقات من فمي، لأنه يعينني بقدر ما على منع الغثيان، أو على الأقل تأخيره بعض الوقت، بسبب السيارة والطريق.. كنا نرتطم ببعضنا تارة، وبهيكل السيارة تارة أخرى.. تتصادم أجسادنا ببعض ونترادع أحيانا بالرؤوس.. نبدو في الطريق والسيارة التي تقلنا، وكأننا راكبين على ظهر حمار.

أردت أن أحتال على الجوع، وأحافظ على بقاء القات في فمي.. أخبرت السائق بوقف السيارة عند أول دكان يبيع حلوى.. وحالما وقفت السيارة، طلبت من صديقي ردمان النماري أن ينزل يشتري لي حلوى لأسد بها رمق الجوع، وعندما عاد بالحلوى تفاجأ من كانوا معي في السيارة أنني أريد أن آكل الحلوى وفي نفس الوقت لا أخرج القات من فمي.. فحاولت إقناعهم إن القات أمضغه في جانب واحد من فمي، فيما أنا سأستغل الجانب الآخر بأكل الحلوى.. سأفعل هذا بحذر وأجعل الحلوى تتسلل إلى معدتي الجائعة بسلاسة وخفة ومهارة، ودون أن أمس القات بمس أو ضرر..

نصحني رفيقي ردمان النماري ومن كانوا برفقتي أن لا أفعل، وإن الأمور ستخلط في فمي، حابلها بنابلها، ولكن أصريت حتى صار الأمر بالنسبة لي تحديا ينبغي أن أهزمه، أو على الأقل أكون جديرا بمستواه.. إنه إصرار وتحدي لا يشبهه إلا إصرار وعناد بعض قيادات الأحزاب والجماعات على فعل الخراب، ولاسيما عندما يغامرون، ويتجاهلون الاحتمالات، ويوغلون بالعناد أو حتى الاشتهاء، ويرمون عرض الحائط بكل نصائح العقلاء وأصحاب الرأي..

حشيت الجانب الفارغ من فمي بقطعة الحلوى، وبدأت أمضغ الحلوى في الجهة المقابلة للقات، وفجأة ساح القات كقطعة ثلج على صفيح ساخن.. ذاب بطريقة عجيبة وسريعة لم أكن أتوقعها، تسلل وأنساب القات إلى معدتي قبل أن تصل قطعت الحلوى الممضوغة إليها..

أوغلت في العناد أكثر كما يفعل بعض الساسة.. قررت أن أكمل أكل الحلوى لأشبع جوع معدتي بعد أن خسرت قاتي.. لا أريد أن أخسر القات والحلوى معا ودفعة واحدة..

تركت مسرح معدتي للقات والحلوى للتفاهم أو حتى للاحتدام.. أمرت السائق بمواصلة السير.. وبعد قليل داهمني الغثيان.. بدأت جبهتي وصدغي تتفصد عرقا.. بدأت أشعر بالضيق والدوار.. بدأ فمي يمتلئ ماء ولعاب، حاولت الإمساك بما في فمي، وأمنع نفسي من التقيؤ، إلا أن دفعت القيء من معدتي إلى أعلى كانت أكبر وأقوى.. تقيأت، وأخرجت معدتي كلما كان مستقر فيها من قبل ساعات أو يوم، ظلت معدتي تنقبض وأنا أتهوع.. كنت أشعر وأنا أشهق وأتقيأ إن معدتي هي الأخرى تريد أن تغادرني، أو تخرج من جوفي.. أحسست أنها تريد أن تطلقني بالثلاثة، لولا أن العصمة كانت في يدي.

أنا قامرت ولكن كانت مقامرة لا تتعداني، فيما الأحزاب والجماعات وجل النخب اليمنية، قامرت بوطن، ولازلنا نشهد النتائج الكارثية تتوالى لهذه المقامرة المجنونة..

صرنا نعيش الحرب والمجهول ولا نعلم إلى أين؟! ومتى تنتهي هذه الكارثة التي حلت علينا ولا تريد أن تنتهي؟!!.

من حائط الكاتب على الفيسبوك

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى