العرض في الرئيسةفضاء حر

تغاريد غير مشفرة (148) ترييف صنعاء وعدن

يمنات

أحمد سيف حاشد

(1)

مكة وقريش ريّفت أو بالأحرى صحّرت المدن والحواضر العربية، أو أخّرت نموها الطبيعي، وشوهت كثير من مخرجات ذلك النمو على كل المستويات، ونقلت ثارات وصراعات وخلافات أقطابها وأفخاذها إلى الحواضر في الشام والعراق ومصر واليمن.

التريِف أو التصحُّر يؤدي إلى قطع أو هدم التراكم المعرفي والإداري والتمدن الحضاري، واستبداله بثقافة بدوية تتسم بالقسوة والعنف والجلافة وضرب الاستقرار فيها، وربما الاضطراب والخراب في بعض الأحيان.

وبالتالي تحتاج المدن لإعادة إصلاح شأنها العشرات أو المئات من السنيين لتتعافى مما أصابها، ويبدأ تطورها مجددا بالانتظام.

(2)

صنعاء مدينة قديمة تعرضت خلال تاريخها الطويل لكثير من الاضطراب و الخراب، حيث كانت كلما بدأت تستقر وتتعافى جاءتها موجة جديدة من الاجتياح والسلب والنهب والخراب..

وساعد في خراب صنعاء وتكرار هذا الخراب احاطة خاصرتها بالقبائل، أو غزوها من قبائل بعيدة تحت مبررات و مسميات شتى.

وكلما تعافت صنعاء أو حاولت التعافي، تعرضت للغزو والاجتياح مرة أخرى من خارجها، ودور أقطاب الحكم الذي ناخ بثقله عليها، فيما تشهده من اضطراب وعدم استقرار، وأيضا استعانة تلك المراكز والأقطاب بالقبائل من حولها ومن خارجها..

تعرضت صنعاء في تاريخها وحتى اليوم لكثير من أعمال السلب والنهب والفوضى والتخريب، وحتى الهدم على مستوى الثقافة والوعي، وتقويض التراكم المعرفي والفعلي في الإدارة والحكم والحقوق والحريات..

(3)

تعرضت صنعاء خلال العقود الأخيرة للتآكل بسبب تأثير القبيلة وحضورها في نسيج وبنية ومفاصل الدولة، وإعاقة تطورها اللاحق..

و تتعرض صنعاء اليوم إلى تقويض أسس الدولة وتجريف بنيتها، وإقامة المقاصل والمجازر لشروط الوظيفة العامة، أو قل إن شئت هدم بقايا الدولة، ولاسيما على مستوى الإدارة والبناء المؤسسي، وبناء الدولة عموما، حتى في حدودها البسيطة والمتواضعة.

صحب ذلك تراجع كبير على مستوى الوعي والثقافة والتعليم والمعرفة عموما.. ولن تتعافى صنعاء مما أصابها ولا زال يصيبها إلا بمرور عقود من السنين، مقرونا بعمل مثابر باتجاه اعادة بناء الدولة من جديد، وإعادة الاعتبار لشروط الوظيفة العامة، فضلا عن إعمال معايير الحكم الرشيد في بناءها.

(4)

عدن هي الأخرى تعرضت لهجرة ريفية متواصلة، أثرت في تركيب وتكوين المجتمع فيها، ولا سيما عندما استحوذت المناطقية والقبلية والجهوية على مفاصل الحكم ومؤسساته، بعيدا عن البعد الوطني والشروط العامة للوظيفة العامة، والتي أثرت سلبا على تحضرها، وعملت على تقويض أسس وبنية الدولة فيها.

إن انتقال العصبيات القبلية والمناطقية إلى عدن، ووجود صراعات مسلحة محتدمة ودامية عبر محطاتها المختلفة، ومن أبرزها أحداث 13 يناير 86 ثم حرب 1994 وأخير حرب 2015 وما تلاها من انحدار وتردي وفوضى وتغيير لغير صالح بناء الدولة والتمدن، بل أن ما أصاب المدينة بات كارثيا، وتداعياته لا زالت تتوالى إلى اليوم في مسار بات ملغوما ومجهولا، ومدعوما من دول النفط الخليجية التي باتت تذكي الصراعات المحلية، وتصفي حسابتها وخلافاتها البينية في المسرح والمشهد اليمني المنهك بالحرب والصراعات بأبعادها المحلية والاقليمية والدولية.

حائط الكاتب على الفيسبوك

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى