العرض في الرئيسةفضاء حر

من أرشيف الذاكرة .. استبدال الدولة بالقبيلة

يمنات

أحمد سيف حاشد

– غيبوا العقل واستعاضوا عنه بغباء يكسر الرؤوس و الفؤوس و الحجارة .. أكثروا من الوهم الذي يسوق الرجال إلى المهالك و المنايا و المقابر .. ترّهوا بما “لا يغني و لا يسمن من جوع” و لا يسد رمق و لا يروي عطش..

– تفاخروا بالقبيلة حتى ضرط الجبل .. أعادونا إلى عصبيات يقتل بعضها بعضا حتى لا يبقى من بقايانا أثر .. وطن تلاشى في خبر كان، و صار بقاياه “أثر بعد عين” .. عصبيات تثقل الكواهل بما لا تقوى و لا تحتمل..

– زهو بالقبيلة كالطواويس .. غالوا بمدحها، و شجعوها، و تفاخروا بالمناقب المكرسة بالعرف و الخرف و الجهل المقدس .. و صار النظام و القانون و المواطنة تحت وطأتها شذر مذر .. جرّفوا الوعي و كرّسوا المزاعم و تحمسوا للجهل و بلغوا به أوجه..

و ماذا كانت النتيجة..؟!! ذهبت الدولة و حل كل هذا الخراب و الدمار الكبير..

– لا يكفي أن يكون لك عقل جيد، كما يقول رينيه ديكارت، بل المهم هو أن تستخدمه بشكل جيد .. غير أن الكارثة لدينا هو اجتماع الغباء مع البلادة مع سوء الاستخدام .. هؤلاء الذين استبدلوا الدولة بالقبيلة، انتفخوا كالبوالين، و افرغوا القوة من بأسها العاقل، و أبدلوه بالخواء و الفراغ و الغطرسة..

– حثوا الصغار و الكبار و من في بطون الأمهات على حمل السلاح، و زعموا إنه لازم للرجولة، و صانع للمجد و المآثر و البطولة، و جالب للعزة و المنعة و الكرامة و المكانة .. و مدعاة للفخر و الاعتزاز و السؤدد.. و وصموا المدني المسالم بأقذع كلمات العار و الشنار و الجبن، و جعلوه مَدعَاة للذلة و الخضوع .. و زعموا إن القبيلة هي الملاذ للباحث عن العزة، و هي النجاة لمن يريد النجاة، و قذفونا بالعار و “اللبقة” و الخطيئة..

و ماذا كانت النتيجة..؟! النتيجة موات بلا عزة و لا سؤدد و لا منعة و لا كرامة، و الواقع شاهد حال، لا يكذب و لا يخاتل..

– مجلس النواب صيروه مؤسسة للقبيلة بدلا من أن يكون مؤسسة تشريعية للشعب .. و جعلوا بينه و بين الدولة طلاق و فراق، و إلا ما مصلحته عندما يرفض مناقشة مشروع قانون ينظم حيازة السلاح..؟! كيف تجتمع رغبة و إرادة مئتين عضو بما يشبه الهبة الشعبية في المجلس عنوانها التصدي و الرفض ابتداء لمناقشة هذا المشروع..

– مائتين عضو يستنفرون قضهم و قضيضهم على نحو سريع و عاجل، و يوقُّعون مطالبة بإسقاط مشروع القانون من جدول أعمال المجلس..؟! على الرغم من أنه مشروع متواضع جدا، و سقفه متدني جدا عمّا نرجو و نأمل، أو عمّا يجب و يفترض .. إنه مجرد تنظيم حيازة للسلاح لا أكثر، و مع ذلك كانت حتى الجدولة لمناقشته في قاعة المجلس محل تعذر و استحالة..

– هل هذا المجلس يعبر عن تطلعات الشعب بالأمن و السكينة أم يعبر عن مصالح تجار الحروب، و مافيات بيع السلاح، و حماية حيازة كبار المشايخ للسلاح..؟! لماذا الحدّية في موقف ثلثي أعضاء المجلس الذين يرفضون حتى فكرة مناقشة المشروع في قاعة المجلس..؟! إنها فضيحة بكل المقاييس بحق هذا الشعب المنكوب بحكامه، و بمن يدعون إنهم يمثلوه و يعبرون عن احتياجاته و تطلعاته.

– كل يوم يتم افتتاح جلسات المجلس باسم الله العظيم و باسم الشعب، و لكن جل مخرجات هذا المجلس لا تعبر في جوهرها عن مصالح الشعب في بناء الدولة، و تطلعاته في تحقيق الرخاء و الاستقرار و الأمن و السكينة..

– إبقاء مشروع قانون تنظيم حيازة السلاح رغم تواضع مطالبة، حبيسا لأدراج و محابس مجلس النواب سنوات طوال من عمر هذا المجلس و تمديداته، يكشف جوهر و مضمون و طبيعة المجلس، و معه القوى و الأحزاب السياسية التي تتصدى لإحباط أهم القضايا و المتطلبات لبناء الدولة..

– إن مثل هذه المواقف و غيرها تكشف عورة أهم و أغلب القوى و الأحزاب السياسية الممثلة بالبرلمان، و هي تقف على الضد من مصلحة الشعب، و من قضية بناء الدولة اليمنية الحديثة .. إن كان مائتين عضو قد طالبوا بإسقاط مشروع قانون ينظم حيازة السلاح من جدول أعمال المجلس ابتداء، فعليك أن تتوقع أنه في حال التصويت عليه كان سيصوت ضده في قاعة البرلمان ثلاثة أرباع المجلس إن لم يكن أكثر..

– الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر رئيس مجلس النواب و رئيس حزب الاصلاح و شيخ الرئيس و المنتخب لرئاسة المجلس بتراضي و موافقة كتل الأحزاب، كان أحد كبار المتصديين للمشروع في إبريل 2004 و أكثر المتشددين في مواجهته و على نحو قوي و صارم..

– في إبريل 2004 أغلب غالبية الكتلة البرلمانية لحزب المؤتمر الشعبي العام، و تقريبا كل نواب كتلة الإصلاح، و نواب آخرون من كتل أخرى، كانوا من قوام المائتين نائب الذين رفضوا مشروع القانون، و طالبوا بإسقاطه من جدول أعمال المجلس..

– من النواب الذين طالبوا بإسقاط مشروع قانون تنظيم حيازة السلاح النائب فؤاد دحابة، و النائب علي عشال من حزب الإصلاح، و النائب عبده مهدي العدلة عضو اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام ـ و بعيدا عنّا ـ النائب المستقل الشيخ على عبد ربه القاضي الذي أعتبر مشروع القانون جاء نتيجة ضغوط خارجية..

– و في نفس السياق في العام 2007 أصدر مكتب الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر رئيس مجلس النواب تصريح قال فيه: “إن الهدف من المشروع الجديد هو تفجير خلافات بين الدولة و أبناء الشعب اليمني تحت ذريعة الحيازة و حصر ما لدى المواطنين في المدن و الأرياف من أسلحة دون مراعاة للواقع اليمني و إدراك للحقائق”.

– اليمن غابة أسلحة خفيفة و متوسطة تقدرها بعض المصادر بقرابة الستين مليون قطعة، فيما بعض المصادر تقدرها فقط بتسعة مليون قطعة، ثلاثة مليون منها فقط ملك الدولة و أجهزتها الأمنية و العسكرية، فيما المالكين لها من خارجها يحوزون أكثر مما تمتلكه الدولة بضعفين و أكثر على أقل الأرقام تقديرا..

– ذكرت دراسة نفذها مشروع “مسح الأسلحة الصغير” في المعهد العالي للدراسات الدولية بجنيف وجود مائة من كبار مشايخ القبائل في اليمن يتملك كل واحد منهم مخزوناً من الأسلحة الصغيرة يصل إلى ألف قطعة سلاح تقريبا.

– و أضافت الدراسة أنه يتم استخدام هذه الأسلحة في الحروب القبلية التي تندلع مرارا في بعض المناطق. و تدخل معظم هذه الأسلحة إلى اليمن عن طريق التهريب. و بعضها جاء من تم جمعه و اقتنائه عن طريق النهب و الفيد و الغنائم، خلال الحروب الداخلية التي شهدت اليمن عددا منها في العقود الماضية.

– و أشارت الدراسة إلى وجود العديد من أسواق السلاح في اليمن و التي يعتبر “سوق جحانة” بالقرب من صنعاء و “سوق الطلح” في محافظة صعدة اشهرها، و تباع فيها أنواع مختلفة من المسدسات، و الرشاشات الآلية، و القنابل، و المتفجرات، و المدافع المضادة للطائرات، و القذائف المضادة للدروع، و الصواريخ المحمولة، و الألغام..

– رفض مجلس النواب مشروع قانون تنظيم حيازة السلاح مرارا و حبسه في أدراجه إلى اليوم قرابة الخمسة عشر عام إن لم يكن أكثر، و تم ابقاء القانون النافذ الصادر في 1992م ، على حاله، و هو لا يمنع من حيازة السلاح الشخصي, و لا ينظم تلك الحيازة، بل و يعتبرها حق لمواطني الجمهورية اليمنية.

– تغنوا بالقبيلة و صيروها محاطب تأكلها الحروب الصغيرة و الكبيرة .. محارق شرهة تشتعل لا تخمد و لا تشبع، و يحصد مشايخ و سادة القوم أرصدة الدم مالا و مناصبا و مكاسبا، و حصاد النزيف الطويل و الواقع المُر..

– حروب مقدسة في حضرة الموت، يخسر فيها المواطن الوطن، و يمضي شباب بعمر الزهور إلى حتفهم، و يمضي الانتحار حتى النفس الأخير .. حروب تجهم و تتجهم و تقول هل من مزيد .. و يعلو صوت تلك المرأة التي تقول على لسان جبران: “كيف لا تكون الحرب مقدسة و قد مات فيها ابني”.

– كيف للقبيلة أن تتحرر من وهمها المسقي بالدم و الدموع، و لكم هي الصعوبة أن نخوض في المقدس، و أن يتحرر السذج كما قال فولتير من الاغلال التي يبجلونها .. لاسيما في واقعنا المر، و في ظل غياب النخبة المحترمة .. كم كان المثل اليمني صادقا و هو يقول: “القبيلي عدو نفسه” – “القبيلة ما خلّت ابن ادم يتوب”. و يتجذر السبب في انتشار الجهل لأن من يملكونه كما يقول فرانك كلارك متحمسون جدا لنشره.

***

يتبع..

حائط الكاتب على الفيسبوك انقر هنا

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى