قضية اسمها اليمن

د/ ياسين القباطي.في ذكرى محرقة ساحة الحرية بتعز

 يمنات – خاص



قصر الشعب في تعز هدية مقدمة للشهيد إبراهيم الحمدي من المرحوم الشيخ زايد بن سلطان، لم يشاهد الشهيد قصر الشعب فقد تمت المؤامرة واغتيل الرئيس وتحول اسم القصر الى الجمهوري ولم يعد قصرآ  للشعب ولا قصرا للجمهور بل أصبح مسكنآ لأعوان الطاغية لايدخله إلا كل من يعمل على خدمته وعبادة طغيانه.. تحاك به المؤامرات ضد أبناء الشعب وخاصة أبناء محافظة تعز التي وقع القصر على ربوة في قلب مدينتها .


ها هي احدى المؤامرات تحاك الليلة في ديوان واسع نقشت على حوائطه وعلى سقفه نقوش تجسد الفن اليمني الرفيع وترك حائطه المطل على وادي صالة وجبال الحوبان بدون بناء بل نافذة واسعة من زجاج شفاف يعمل العاملون ليل نهار على بقائها شفافة لا تؤذي عين الناظر من خلالها  أي شوائب ويرى من خلالها جمال الطبيعة التي أكرم بها الله مدينة العز التي طال إذلالها من جنود دخلاء لا ينتمون الى أصولها أو فروعها بل هي بالنسبة لهم مدينة كسب القوت الحرام وهي مهجر من يسعى الى الغنى والعز عن طريق نهب سكان هذه المدينة الوديعة وأهلها المسالمين .

في هذا الديوان الفخم يجتمع الطاغية بالفاسدين الذي يغدق فيه عليهم من الأموال والهبات من أراض واموال الشعب ويغرقهم بالمال والمصالح والسلطة الذين هم ليسوا أهلا لها ليصيروا خداما له يدافعون عن مصالحهم المنهوبة من مال الشعب فيصير دفاعهم عن ولي نعمتهم مدعما بدفاعهم عن مصالحهم من المال الحرام .


اليوم 29/05/2011 يشهد ديوان القات الفخم في قصر الشعب اجتماعا استثنائيا هاما لقادة المعسكرات والأولوية التي تحيط بمدينة تعز وتحتل هذه المعسكرات اهم واجمل مرتفعاتها وتباع أراضيها لمصلحة الضباط , يشاركهم في الاجتماع بعض القادة  من ابناء تعز الذين جعلوا من انفسهم عبيدا وخدما طائعين للطاغية .

 بعد ان تناول المجتمعون الغداء الدسم المتنوع بما  تشتهيه الأنفس وتطيب له الأذواق، تنوعت أصنافه وأجتهد في إعداده طهاة ماهرون في مطبخ قصر الشعب  هاهم يستديرون حول اكوام  من القات احضر لهم من اغنى حقول جبل صبر ودفعت قيمته الباهضة من صندوق تحسين المدينة الذي يساهم في ملء خزانته كل ابناء تعز الذين لم يرو أي تحسين في مدينتهم بل خراباً وتدميراً مستمراً منذ ان تولى احد المهربين القتلة المغامرين امر قيادة محافظتهم،  كان الضباط وقادة الأولوية في حالة هائجة تسيطر عليهم مظاهر الجد والتصميم كلهم ينفعلون ويتشنجون عندما تزأر التلفونات الخمسة بالرنين الحاد الذي تحمله الخطوط الساخنة قادما على عجل من العاصمة صنعاء يحمل اصواتا آمرة من سيد لا يرد له قول ولا يعصى له أمر تزجر بالتهديد والوعيد ان لم تنجز المهمة الهامة والخطيرة التي اجتمعوا من اجلها اليوم كلهم جادون، تعلو سماتهم علامات التصميم والغضب ماعدا احدهم كان كثير المزاج والضحك يترنح يمينا وشمالا وتبدو من تصرفاته ورائحته المثيرة للإشمئزاز آثار تناول المشروبات الفاتحة للشهية قبل الغداء الدسم .

كانت الأوامر القادمة من قائد الحرس الجمهوري ابن الطاغية وأوامر وكيل جهاز الأمن القومي ابن اخ الطاغية وأوامر قائد الأمن المركزي إبن أخ الطاغية واضحة ومشددة بإنهاء الثورة التي انطلقت من مدينة تعز يوم 11/02/2011 وإطفاء جذوة اشتعالها المنطلقة من ساحة الحرية بتعز.

كانوا يعتقدون جازمين بأن انطفاء تلك الشعلة سيطفئ النار التي اشتعلت في كل مديرية من مديريات محافظة تعز بل قد يطفئ مشاعل الثورة التي اشتعلت في كل ساحات االحرية والتغيير في جميع انحاء الجمهورية .

كان للقادة المجتمعين في صالة القات الفخمة في قصر الشعب في تعز قلوب من نار تشتعل وكان حماسهم متوقداً تنصهر منه الصخور كانوا مصممين على أنه لابد لهم من أن يظهروا كل مهاراتهم القتالية ولابد ان تستخدم كل معداتهم العسكرية لإخماد الثورة االمنطلقة من ساحة الحرية … اربعة الوية عسكرية بدباباتها ومصفحاتها ستنطلق اليوم الى ساحة الحرية تساندها كل قوات الأمن المركزي والأمن العام وقوات النجدة المتواجدة في مدينة تعز، تسبقها قوات التحري السرية من امن قومي وامن سياسي للاستطلاع وللاكتشاف والتأكد من أن هؤلاء الشباب المتمرد على الزعيم الرمز لا يستطيعون الصمود في المعركة التي استعد لها القادة وكأنهم سيغزون بلداً مجاوراً.

الوقت يمر والقادة والزعماء المدنيون يحشون أفواههم بقات صبر الذي يرفع الضغط ويهيج المشاعر, يثير الجنون والحقد المتأصل فعلا في قادة اقتحام اعتصام الشباب السلمي في ساحة الحرية بتعز.

قائد الإجتماع متهم هارب من العدالة بعد أن قتل طفلا في مدينة عدن تبحث عنه محكمة صيرة الإبتدائية التي أصدرت أمرا إلى جميع المنافذ بعدم السماح له بالسفر والقبض عليه وإحضاره إلى حرم المحكمة لمواجهة التهمة بالقتل. لكن الدكتاتور الطاغية الزعيم الرمز أول من يتمرد على القضاء ويتجاهله ويعين الفار من العدالة مديراً عاماً لأمن تعز أثناء انطلاق ثورتها اعتقاداً منه بأن مجرماً هارباً من وجه العدالة هو الأجدر والأقدر على إنهاء ثورتها .

الساعة الخامسة عصراً ينفد صبر القادة بعد أن وصل تأثير القات الصبري أقصى مدى له وترتفع أصوات القادة عبر التلفونات المحمولة بأوامر قاطعة حازمة إلى القادة الميدانيين بأن انطلقوا إلى ساحة الحرية فقد حان بدأ المعركة فقد كان مدير أمن مديرية القاهرة المتواجد في الاجتماع يزيد من هيجانهم بعد أن أبلغهم أن الشباب العزل من السلاح قد اخترقوا مبنى إدارته وقبضوا على جندي كان في برندة مكتبه يطلق النار على الشباب في الساحة واقتادوه ليسجن في خيمة في الساحة وبدون إصدار أي أمر مكتوب ، تحرك الضباط التابعون لسبعة ألوية في الجيش اليمني الذي أقسم قادته على حماية الشعب تساندهم فرق الشرطة السرية من أمن قومي وسياسي بملابس مدنية، وبدأ  اقتحام الساحة في الخامسة من عصر يوم السبت 29-5-2011.

وبدأ الجنود الأشاوس برش البترول على الخيام وإشعال النار فيها والشباب يجلبون المياه بالأواني البسيطة التي لا تطفئ غير الشمع فما بالك بخيام تشتعل بعد أن أغرقها الجنود بالبترول .

النيران تشتعل في ساحة الحرية والجنود يحاصرون الساحة والشوارع المجاورة، لا دخول إليها ولا خروج منها.. الكل يجب أن يذهب إلى سجون فاتحة ثغورها لاستقبالهم بل وإلى قبور لا يعرف لها مكان فتحت لاستقبال قتلاهم .

 وقاعة القات الفخمة في قصر الشعب صارت معتمة من كثر الدخان والقائد الحازم الفار من وجه العدالة يتلقى الأوامر من قادته في صنعاء ويبلغها للقادة العسكريين والمدنيين في الصالة أمامه والضابط الضاحك المترنح اختفى من الصالة أين ذهب ؟؟ سأل القائد الفار من وجه العدالة ؟ أجابه كبير القادة المدنيين المنتخب زيفاً وكذباً من أبناء تعز ؟ إنه رجل شهم شجاع لقد فضل الذهاب بنفسه لتصفية المتمردين من الساحة .

تنطلق الأسلحة الخفيفة من قرب وتصوب على الشباب في ساحة الحرية والأسلحة الثقيلة تنطلق من بعد لتدك المباني المحيطة بالساحة، بدأ إعدام الشباب (( كل هؤلاء الشباب خونة يحركهم ابن الأحمر وحزب الأصلاح والمشترك الخونة )) ، هكذا كان يقول الجنود أثناء إعدام الشباب، من تريدون أن يرحل يا …………. (كلام بذيئ) والله لا نرحلكم إلى جهنم ، القتل والحرق والنهب مستمر كل ما في المستشفى الميداني وملحقاته نهب، المسجد الذي تحول إلى مستشفى ميداني نهب، الجرحى يمسكون بالمصاحف  يقرؤن القرآن عسى أن يرحمهم الجنود وبدلاً من الرحمة يركل الجنود المصاحف من أيدي الجرحى يقتلون بعضهم ويسحبون الآخرين  إلى المصفحات التي تقودهم إلى أماكن غير معلومة والقائد المترنح في صالة القات يظهر على مصفحة في ساحة الحرية يسب ويلعن ويطلق الرصاص في كل اتجاه  وخيمة تحترق يهرع إليها الشباب من كل صوب الخيمة يقطنها أربعة شبان من ذوي الاحتياجات الخاصة تنبه الشباب لوجودهم بعد فوات الأوان وعندما وصلوا الى الخيمة وجدوا اربع جثث متفحمة .

شابة تدافع عن والدها الذي كان يعاني سكرات الموت في  غرفة الإنعاش تتصل أوردته وشرايينه ورئته بأجهزة الإفاقة والإنعاش وثلاثة من الجنود يحاولون نهب الأجهزة وبلهجة تعزية تقول الفتاة ((أنا فدى لكم أتركوا الأجهزة سيموت والدي إن أخذتوها.. فرد قائدهم (( يابنت ال…. هاتي مامعك!! أخرجت ساعتها وتلفونها السيار وسوار ذهب كان في معصمها ودبلة خطيبها وسلمتها للـقائد الشهم فأمر عصابته أن يغادروا الغرفة .

في الصالة الفخمة في قصر الشعب  يواصل القادة العسكريون إدرارة العمليات في ساحة الحرية، منتصف الليل يقترب.. غرفة القيادة الميدانية وتوحيد السيطرة على الوحدات المهاجمة للساحة أفادت القادة بأن العملية ناجحة وأن السيطرة على الساحة أوشكت على الإنتهاء وبقي قليل من الخيام سيتم حرقها الآن . قتل كثير من المتمردين على الزعيم الرمز وتم نقل الجرحى إلى المستشفى العسكري ومستشفى الثورة والجمهوري وكل تلك المستشفيات تحت سيطرة مدراء يمجدون الزعيم الرمز ويحتقرون هؤلاء الشبان المتمردين.

الليل ينتصف وتمضي الساعات الأولى من صباح يوم الاثنين 30/5/2011م والاجتماع مستمر في الصالة الفخمة في قصر الشعب.. قادة عسكريون ومدنيون يحشون بقات صبر افواههم فلا يكادون ينطقون من أفواه كأفواه الغنم يسدها القات وفجأة يتنبه أحد القادة وتبدو عليه دماثة الأخلاق والتواضع ويقول " سيدي القائد" (يقصد ذلك الفار من وجه العدالة – قائد الاجتماع).

لقد أبلغني القائد الميداني للواء 33 بأنه يجب علينا إصدار أمر كتابي لقادة الألوية يشرع للهجوم !! يرد الضابط الفار من العدالة " نعم معاهم حق في هذا لا بد من إحترام القانون  فلنكتب أمراً قيادياً بتاريخ متأخر " ما أخبثك يافندم " يقاطعه الضابط المترنح بقهقة عالية تشبه التشنج .

" إذا هو التطهير لقد طهرنا تعز من هؤلاء الخبثاء"  يرد القائد المهذب

وبخط يد رديئ وأخطاء إملائية ولغوية يتفق القادة الشجعان عبيد الطاغية على كتابة هذا التعميم أورده كما نصت عليه الوثيقة بجميع أخطائها اللغوية والإملائية والتي أشتراها الثوار من مكتب الضابط الفار من العدالة..



وتبزغ شمس الاثنين 30/ مايو 2011م على ساحة نفذ فيها حكم الاعدام لم تعد ساحة الحرية كما كانت أصبحت مع بزوغ الشمس ساحة الفناء.. ساحة محروقة تنتشر منها رائحة البارود والغاز المسيل للدموع ورائحة الجثث المحروقة، لم يعد هناك ثوار يعتصمون بالساحة بل جنود ولصوص ينهبون الدكاكين والمستشفيات الميدانية والفنادق المجاورة.

انتهى النهب مع مساء الأثنين وتلقى القادة المتشنجون  في صالة القات في قصر الشعب الشكر والتقدير من قادتهم وزعمائهم من أفراد العائلة المالكة في القصر الجمهوري في صنعاء وظن الخائبون أنهم أخمدوا الثورة

وينشط الأمين العام لمحافظة تعز في تنظيف ساحة الحرية وإعادة المرور إليها.

غير أن الجمعة الرهيبة 3/ يونيو/2011م فاجأت أنصار الطاغية القادة الأشاوس في تعز بمفاجئتين عظيمتين أولاهما أن الساحة التي أعدمت أنبثقت من جديد في ساحة مجاورة وقريبة منها وعاد الثوار ليعتصموا في ساحة جديدة في ميدان عصيفرة على بعد 200 متر من ساحة الحرية ويعلو الصوت مرة أخرى ((إرحل الشعب يريد محاكمة الطاغية))

 جن جنون الضابط الفار من العدالة فأرسل جنوده إلى الساحة الجديدة ولكن كانت في انتظارهم مفاجأة لم يتوقعوها .

 لقد تحول الشباب المثقف المسالم إلى جنود مسلحين أحرقت.. سيارة مصفحة وناقلة جنود وفر المهاجمون كالنعاج وتحولت مدينة تعز الثقافة والغناء والسلام  كلها إلى جماعات مسلحة تدافع عن شرف المدينة الذي انتهكه عبيد الطاغية الثلاثة القائد الفار من العدالة والقائد المترنح والقائد المهذب.

وكانت المفاجأة الثانية أكبر وأعظم من مفاجأة انبعاث ساحة الحرية التي ظن الخائبون أنهم قد أعدموها انطلق صاروخ مزمجر أحرق زعيمهم الطاغية في قصره المنهوب من أموال الشعب في صنعاء واحترق الطاغية مع جميع عبيده وذهب مذلولا محسورا  إلى غرفة الإنعاش عند أسياده السعوديين.

 وعادت ساحة الحرية إلى مقرها الذي انبعثت منه شعلة الثورة اليمنية و استمرت الثورة وانتهى الطاغية إلى الأبد وفقد عرشه الذي ظن أنه سيورثه لأولاده من بعده واولادهم من بعدهم ومازالت الثورة مستمرة بعد مرور سنة من محرقة ساحة الحرية وطرد الضابط المترنح والضابط الفار من وجه العدالة وبقي الضابط اللئيم يغش الناس بابتساماته الصفراء ولن تتوقف الثورة حتى تتخلص تعز واليمن من بقايا الطاغية، وترد حقوق المحرومين والمظلومين ويدفع كل مذنب تبعات  ذنبه وتبقى اليمن حرة لن يعود إليها طاغية، فقد خرجت بلد بأكملها وشعب بجميع فئاته من غرفة إنعاش إسمها ساحة الحرية.

نص الوثيقة 

( بسم الله الرحمن الرحيم 30-5-2011

تعليمات قتالية أمنية لتطهير الساحة بعد قيام المعتصمين بالإعتداء على مديرية القاهرة ثلاثة عسكريين منها

إلى الإخوة قائد ل / 37 ، قائد ل / 33 ، قائد ل /170 ، قائد ل /17 ، قائد الأمن المركزي ، قائد النجدة ، مدير الأمن العام ، مدير الأمن القومي ، مدير الأمن السياسي، عليكم :-

 1) وضع خطة على ثلاثة مراحل .

 2) احتلال أهم المباني المسيطرة على الساحة .

3) تطويق الساحة.

4) إغلاق كل الطرق المؤدية إلى الساحة.

5) إغلاق مدينة تعز وعدم الدخول إليها .

6) متابعة العناصر القيادية وضبطهم .

7) وضع خطة تواصل و اتصال لتوحيد السيطرة على جميع الوحدات المهاجمة للساحة .

8) تكليف القادة كلاً في قطاع مسئوليته واتخاذ الإجراءات اللازمة وعدم السماح بوضع خيام أو تجمعات جديدة .

9) على القادة الالتزام بالتوقيت وعند الطلب لأي تعزيز في أي اتجاه أو موقع القوة في وقت قصير والإبلاغ عن الحالة الأمنية في أي قطاع إلى اللجنة إدارة المعركة .

10) مطلوب وضع الخطط واتخاذ الإجراءات الكفيلة بعدم تواجد عناصر داخل المحافظة تسعى إلى الانتشار مرة أخرى داخل المدينة .

توقيع

عميد ركن / عبدالله قيران – مدير أمن المحافظة

عميد ركن/ علي مسعد – نائب قائد محور تعز


زر الذهاب إلى الأعلى