أدب وفن

إبراهيم الحضراني.. الراحل الذي أختصر الزمان والمكان ليجمع الآنسي والمرشدي والقمندان..!!

يمنات – المستقلة خاص

على صوت نغمة الدان تنتعش حدائق الروح وخمائل الوجدان فيطيب جو السمر وفي محفل عرس التقاء الحبائب تعطر نشوة الفرحة صدر الأماني فيحلو ليل الوصال البهيج.. وعلى صهوات جياد المشاعر الجياشة تنطلق بنا عذوبة المفردات في غفلة الزمن لتطوف بأحلامنا المسافرة على طول وعرض الأفق اليماني الرحيب.. فمن بيحان سنجنح صوب صعدة ومن سيئون عروس الوادي سنشد الرحال باتجاه الحوطة وصنعاء ومأرب يحدو خطانا شوق السفر الجامح ورغبة المسافر في بلوغ محطة الانتظار القادمة.. ومعاً من قمم جبال ريمة الشامخة والمتشحة بسندس اللون سنطير عالياً على جناح طائر الأشواق يرافقنا شاعرنا الكبير إبراهيم أحمد الحضراني إلى الجنوب وبالتحديد إلى أعالي جبل شمسان حارس الساحل الأغر وفي الطريق سنقرأ بين ثنايا سطور الرحلة تفاصيل حكاية عشق نقشتها أحلام الملايين لوحة أنوار على  صفحة جبين الزمن لتلغي المسافات بين ذراعي الشمال والجنوب باكراً قبل أن تمتد أيدي السياسة الملوثة لتباشر أناملها الحاقدة برسم تجاعيد تبعات المراحل على محيا نقاء الطبيعة وصفاء البشر..

وبطبيعةالحال بين الأمس واليوم يختصر سجل الأسى حكايات وجع طافح ويحفظ أرشيف الذاكرة الدامي تفاصيل أحداث ومأسي واقع مضطرب أختلطت فيه الأوراق وتغيرت المفاهيم فلم يعد بمقدور الأحلام أن تجد لها حتى مساحة وكر طائر في جدب صحاريه القاحلة.. لكن ورغم الواقع التعيس لا مانع من التغني بالجمال وإن لم يكن إلا في خيال شاعر ووتر فنان كما أنه لا بأس من التأسي بنعيم الماضي وهناء خيراته ولو لم يتبق من آثارها البائدة أكثر من مجرد الذكرى وسراب الأطلال..

صفوان القباطي [email protected]

بضمير المحب المؤمن بحكمة الأقدار ومن المستهل يظهر شاعرنا الحضراني رضاه التام بالمقسوم واقتناعه بأن اللوم والعتب لا يقدمان ولا يؤخران شيئاً في مسار القضاء المكتوب شأنهما شأن الندم الذي يأتي متأخرا وبعد  فوات الأوان..

لا عتب لا عتب.. قد هو مقدَّر لمن حب..

أن ينال التعب وطول عمره معذَّب

إنه يقول هذا الكلام تأكيداً ليقينه المطلق بأن كل ما لاقاه ويلاقيه من  متاعب في سبيل الحب لا يعدو كونه أكثر من تحصيل حاصل ونتيجة طبيعية لما جناه عليه قلبه الولهان الذي يشرع في مخاطبته على عجل موجها إليه أصابع الإتهام الصريح مقسماً بأنه غريمه الوحيد وأن الحبيب لا يلام فليس له ذنب ولو  فعل ما فعل..

والنبي والنبي.. مالي غريم غير قلبي..

كم تعبَّثت بي.. يا قلب في كل مذهب

لا تطيل الكلام.. كفى وساوس وأوهام..

الحبيب لا يُلام.. أنت السبب والمسبَّب

وبعد هذا اللوم والتوبيخ لقلبه المشتاق يعود الحضراني رافعاً الراية البيضاء ليستعطف معشوقه الساحر (بدر شعبان)  بخطاب يمزج الشكوى بحتمية القبول بالواقع مرجعاً إليه أمر الخيرة في التصرف حيال ما ارتضاه لنفسه فليس هناك خيار غير الخضوع في الأول  والأخير..

الأمان الأمان.. والعفو يا بدر شعبان..

المحبة جنان.. من كذَّب القول جرَّب

والصحيح الصحيح.. الكل قابض على ريح..

والخلي مستريح.. يمرح ويأكل ويشرب

الحريق الحريق.. قد مزَّق القلب تمزيق..

وانت جازع طريق.. تلهو معاهم وتلعب

واختم القول بك.. لأن قلبي يحبك..

وانت ما يعجبك.. وكل واحد له اشعب

وإلى الوراء يرجع بنا الشاعر سنيناً ليضعنا في صورة أيام انقضت وكان يعتقد فيها بأن قلبه في مأمن من سهام المقل الناعسة التي تهوي بأفئدة العشاق في سعير الشجون ولكنه سرعان ما أفاق من وهم اعتقاده الواهي وتجلى له وجه الغرام من خلف نقاب الحاضر ليجد نفسه يرفع دعوى دحض الاعتقاد بالواقع ولكن ما الجدوى بعد أن أضاع الطريق.. وبالمناسبة هذه القصيدة كتبها الحضراني في جلسة مقيل إلى جوار الأستاذ عبد الله عبد الوهاب نعمان..

كنت اعتقد أن قلبي في ضلوعي مؤمن..

ضد التلف والحريق

وضد ما يشغل الخاطر ويقلق ويمحن..

وضد نهده وضيق

واليوم محبوب قلبي في عذابي تفنَّن..

 حقيق والله حقيق

وقد نويت ارفع الدعوى ولكن على من..

يا ناس ضاع الطريق

وكما لم  يتوقع.. ها هو يجد نفسه وحيداً ومحاطاً بأمواج العناء وسط لجة الحب فاقداً الحيلة والصواب ليضطر إلى وضع عنانه بيد من ملك زمام قلبه قسراً ليتحكم فيه كيفما شاء وبهكذا يكون الحضراني قد جنى على نفسه واحتكم لعدالة مفاتن من  طارحه غراميات البداية على شاطئ الأحلام قبيل انطلاق رحلة الغرق في محيط الأمان المجهول..

معه معه أين ما يشتي يسير بي يسير بي..

بعده سوى أو غوى

والفرق قلبه معه أما أنا شل قلبي..

أنا من اهل الهوى

والصادقة ما دريت ذنبه أو الذنب ذنبي..

 أو لا قد احنا سوى

الذنب ذنبي أنا حبَّيت ومن قال لي اركن..

والحب بحره عميق

أما بعد الوقوع في لجة الغرام فلا يتبقى في يد العاشق من حبل نجاة سوى الصبر والإمتثال لشرع المحبوب ولهذا كان من الطبيعي أن يهب الخوف من يمه نسيماً مترعاً بمشاعر الأمن وعابقاً بروائح الاطمئنان..

يا قلب يا قلب خذ لك في الهوى ما تسهَّل.. واصبر وما راح راح

شغلت نفسك بحبل الحب والحب يشغل..

يا قلب يكفي جراح

كم لُمْت قلبي على حُبِّه فما افكر ولا اعقَل.. والقلب لا طاح طاح

عاشق مولَّع وواثق إن قلبي مُضمَّن..

في أمن أحلى عشيق

وبقدر السرور والأنس بلقاء الحبيب والاستمتاع بهناء العمر في أحضانه يعلل المحب المتيم قلبه المفارق بالصبر لبلوغ المأمول وبمهارة العاشق المجرب يناغي الحضراني طفل صدره المفطوم من  حنان المحبوب متمثلاً قول الحكيم اليماني الحميد ابن منصور الشهير (الدهر هبَّة بهبَّة ليلة على بر وسمنُ وليلة ولا فقش حبَّة) والأمل عين الحق فالحياة مليئة بالمتناقضات وبقدر ما يفرح المرء بالوصل يوماً بقدر ما يذرف من دموع وداع توجبها لحظات الفراق..

يا قلب كم سرَّك لقاء الحبيب..

وكم قد استأنست قربه..

فكيف لا تصبر عليه حين يغيب..

ويجتمع باهله وصحبه

نسيت يا قلبي وأنت اللبيب..

أن الحياة هبَّة بهبَّة..

ساعة نصيب فيها وساعة نخيب..

وهكذا طبع المحبة

عاد كان يمكن رجعتك من قريب..

 إلفتهم والإلف حنبه..

واليوم تبحث بعدهم عن طبيب..

 من بعدهم ما شي أطبَّه

الصبر يا قلبي ولو هُو تعيب..

 بالصبر تجلى كل كربة..

وهم يقولوا كل شي بالنصيب..

يا بخت من خلَّى لحُبِّه

وبمختصر الحقيقة يفاتح الحضراني أحبة الدرب الطويل مسترسلاً في سرد تفاصيل ما انتهى إليه.. وبكل صراحة وندم يكشف عن رغبته في ما لو كان تجنب الدخول العميق عن جهل في بحر الحب لكن ولأن ما فات لا يعود ها هو يرجع ثانية ليقنع حاله بأن ما راح راح وأن الحياة تجارب ودروس رابطاً على قلبه المستهام ومضمداً جراحه النازفة بالصبر ولسان حاله يقول (لا بأس حصل خير)..

يا احبابنا تشتوا الحق الحقيق..

والله ما حبكم إلا رَكَنْ

قد كنت شاحبَكم جزعة طريق..

 وادِّي جزاكم سوى روحي ثمن

واسير واجي علىالدنيا طليق..

لا شوق يرهق فؤادي لا شجن

وافقت في بيع روحي يا رقيق..

في حبِّكم جهل وارخصت الثمن

أسقيتموه الضنا بعد الرحيق..

كم اشتكى صدَّكم قلبي وأَنْ

لكن حصل خير فالدنيا تضيق..

 وتنتقض بعدما تحرق غَوَن

والنار تبرد ولو شب الحريق..

 والجرح يبرأ على مر الزمن

من روائعه الشهيرة:

دان بانسمر على نغمة الدان.. عانقي يا جبال ريمة شماريخ شمسان

وانت يا وادي القرية تفسَّح ببيحان.. قالوا الأمس في صعدة حصل حفل طنَّان

والتقينا الجميع في عرس حسنا وحسَّان

***

با وزير صدَّر الحِنَّا مع غصن ريحان.. والتتن صدَّره والبن من سفح صعفان

والتقى الآنسي والمرشدي والقمندان

دان بانسمر على نغمة الدان

***

الحبايب سقى الباري ديار الحبايب.. بين سيئون والحوطة وصنعا ومارب

قد جُمِع بالهنا والسعد شمل الأقارب

***

خل بالخل يتهنَّى وصاحب لصاحب.. والأمور سابرة والخير من كل جانب

والعسل دوعني والبُرْ من قاع جهران..

دان با نسمر على نغمة الدان

***

حُبِّي الأول الغالي ولي حب ثاني.. كاذية حسنها يُسبي وها قد سباني

سحر بير العزب فيها ونفحة خُبَاني

***

نور عيني مُنى قلبي وفرحة زماني.. كل شي ما خلا جبر المحبين فاني

عانقي يا جبال ريمة شماريخ شمسان


من أغاني المرأة الريفية

مسافرين قولوا لمن هجرني*** تعبت كم شصبر وكم شتنِّي

أشل بالنهده ودمعتي سيل***مشغول به  طول النهار والليل

من يوم ما سافر حبيبي لا اليوم***يحرم على عيني ما ذاقت النوم

يا اهل الهوى أنتم شهود علينا***ما تحكموا به عالحبيب رضينا

قلبي الجريح في البعد كم تألم***وكم بكت عيني من الفراق دم

وامغترب ليتك تشوف ما بي***متى متى العودة سرح شبابي

عود يا حبيب يلعن أبو الحوالات***طز بالفلوس ولو تكون شوالات

حضني ينادي لك يقلك ارجع***يكفي بعاد العمر غلب شجزع

ما اشتيش ألوه شبعتني ألوهات***أشتيك تعود تسمر واقطف لك القات

الله معك في الطائرة وفي البر***محوطك بالله لا ترى شر

توصل لنا يا خل بالسلامة***وتأوي كالقمري حضن الحمامة


زر الذهاب إلى الأعلى