أدب وفن

حكايات شعبية: انتفاضة الرباح

المستقلة خاص ليمنات

 

أمين عبد الله راجح

كان يا ما كان في قديم الزمان مجموعة من الرباح يسكنون قرية نائية على قمة جبل.. أحب الرباح القرية كثيراً رغم وعورة جبالها وضياحها وقلة عشبها ومائها.. بقي الحال كذلك، وفي إحدى السنوات أشتد القحط على الرباح فمنهم من هاجر ومنهم من فضل البقاء والموت في تلك الضياح والجبال الشاهقة..

استمرت الأزمة لشهور فاجتمع كل رباح القرية – رجالها وأطفالها ونساؤها- لحل المشكلة.. بدءاً بالتشاور فيما بينهم وبعد جهد كبير خرجوا بقانون جديد ينص على: “ضرورة الامتثال لشيخهم الكبير ومساعدته فيما يقر من حلول لمواجهة الأزمة”..

تحمل قائد الرباح المسئولية على عاتقه وضحَّى بكل ما يملك في سبيل مواجهة الكارثة التي حلت بالقرية وبالفعل مع مساعديه تمكن من ذلك فعاشت القرية في آمان واطمئنان وحب ووئام..

بعد عدة سنوات سمع الرباح بثورة  قادمة من أعالي الضياح البعيدة فصمموا أن يقوموا بثورة لتحسين وضع القرية.. نجحت الثورة بعد أن تمرد الرباح على قائدهم الذي ضحى من أجلهم بحياته وكل ما يملك واختاروا لهم ربحاً آخر يكون قائداً جديداً للقرية.

دعا الربح الجديد كل رباح القرية بعد فوزه – وبعد الغداء- .. توسط الحشد واعتلى المنصة.. رَكَز شعر رأسه وحواجبه ثم بدأ يسرد برنامجه الإصلاحي وأمام الجميع أقسم وتعهد بتنفيذ برنامجه الانتخابي على أن:

<  يوزع خيرات القرية بالتساوي بين أبنائها.

<  يشق الطرقات إلى كل جبل يسكنه الرباح.

<  يُوصَّل الماء لجميع الرباح دون مقابل.

<  يزرع جميع الضياح قرطج- فاكهة الرباح المفضلة- صفق الجميع لقائدهم-  الجديد- تصفيقاً حاراً، وبصموا له بالسمع والطاعة باعتباره هو المنقذ الجديد لقريتهم..

استلم الربح الجديد مقاليد الحكم وما هي إلا أشهر قليلة حتى بدأ بتنفيذ برنامجه الإصلاحي ولكن بالمقلوب:

<  فبدلاً أن يقسم الخيرات بالتساوي كان يأخذ هو وأسرته النصيب الأكبر (100 حبة قرطج ولأسرته مقابل10 حبات لرب كل أسرة) بحجة أنه القائد وهو من يتعب في حل المشاكل التي تواجه القرية فوافق جميع الرباح على ذلك..

<  عرقل الطريق أمام الرباح ونصحهم بالمشي والجري لأنه مفيد للصحة.

<  أتلف آبار الماء- بعد أن أمرهم بالتبرز فيها- ونصحهم بالاعتماد على مياه الأمطار بحجة أنه عذب ولا يسبب أمراض الكلى.

< بدلاً أن يزرع لهم شجرة القرطج اللذيذة زرع لهم شجرة العبلي المرَّة معللاً أن أكل الصَّبر يساعد الربح على الصبر في مواجهة الأعداء والمشاكل.

مرت الأيام والشهور والسنون ووجد قائد الرباح من يساعده من المتملقين والجهلة من الرباح في نشر أفكاره المريضة في القرية الأمر الذي أدى إلى ظهور سلوك سلبي جديد لدى الأغلبية.. ذلك السلوك أدى إلى انتشار الفوضى بين الرباح أولها محاربة المصلحة العامة داخل القرية..

ذلك هو “شغل الرباح” والمثل القديم يقول: “إذا تضاربوا الرباح أو به جربتك” لأنهم لا يتركون شيئاً إلا وعبثوا به.

سارت الأمور إلى الأسوأ في قرية الرباح فزادت المظالم وأشتكى الجاهل بالعالم ووطأت الأقدام المحاكم وصعب التمييز بين المظلوم والظالم وعليه اشتبك الصالح بالطالح وقدمت المصالح وعجز اللبيب  في إقناع المكارح واحتار فيهم الواعظ والناصح فانتشرت الفضائح وبدأ قائد الرباح بضرب الفال والمسابح فأدرك أنه لا محالة قارح فقرر الاجتماع بالرباح طبقاً للقوانين واللوائح..

حُدد الاجتماع عصراً على قمة جبل مرتفع ومطل على ضاحة شاهقة من يسقط فيها لا يعود.. كان الغمام الكثيف يلتف حول الجبل إلى قمته ليزيده سواداً إلى سواده وبعد 3 ساعات من الخطبة الحماسية أمر الربح بقية الرباح بالسير (مارش) خلفه بعد أن ربط نفسه سراً إلى جذع شجرة (الشوحط) القوية حتى لا يسقط نحو الأسفل.

سار الرباح خلف قائدهم وهم يطبلون بحماس ويرددون بصوت واحد:

“يا قائدنا.. يا قائدنا.. يا حلال مشاكلنا”

دقائق ثم بدأوا يتهاوون من على قمة الجبل الواحد تلو الآخر باتجاه الضاحة المنحدرة.

قاد الربح المكَّار جميع الرباح من أبناء جنسه إلى الهاوية ونجا بنفسه.. لقد ضحى برعيته وشعبه حتى لا يفقد مصلحته وجاهه وحكمه.. بالحيلة تمكن من قمع الثورة والثوار رغم ذلك ستكون نهايته وخيمة جداً لأن جميع الرباح الصغار- بعد أن فقدوا اباءهم وأقاربهم- تعلموا متى وكيف تُزرع الثورة.. وكيف يحققون أهدافها دون الاستعانة بالحرس القديم.

زر الذهاب إلى الأعلى