إجتماعية

مستشارك الطبي يجيب ويتابع

 

الصومُ لا يزعج الرغبة الجنسيّة!

الغريزة البشرية واحدة في أصلها.. فغريزة الجنس ، بفلسفة مجهريّة ، هي نفسها غريزة الأكل. ومن هنا فإن فكرة “الوجاء” تقوم في الأساس على تنمية الرياضة الروحية، فيما يمكن أن يشبه اليوجا الديني أو الداينتيكس Diantexاللاهوتي. بمعنى أن السيطرة على غريزة الأكل هي تقوية لفكرة سيطرة الروح على الجسد. فالذي ينجح في السيطرة على الرغبة الجسدية الخاصة ب”الأكل” يكون قد قطع نصف المسافة في السيطرة على الجسد. الفكرة لا تقود إلى الرهبنة، بالضرورة، لكنها تنسف الإنسان السفلي لمصلحة تخليق إنسان علوي ، تحكمه القيمة،أيّاً كان لونُها. وفي الإطار ذاته يأتي الصومُ، مخلّقاً إنساناً عالي التحكم بذاتِه.. وكما درّبه الصيامُ على فض الاشتباك مع الأكل،في الأوقات التي يختارها، فإن الرياضة نفسها(أعني الصيام)ستساعده على أن يعلن فض اشتباكِه مع الجنس، في الأوقات التي يختارها أيضاً .. وهكذا كان الصيام (وجاء). وفي حديث آخر : جنُّة ، بمعنى : إخفاء .. فهو يخفي الغريزة. أي يمكّن الكائن البشري من امتلاك أدوات السيطرة على جملته الجسديّة.

قريباً من الألم البشري:

الفـــم بعـــــــيـدٌ.. جـــــــداً!

المهبل هو المنطقة التي تصِلُ عنق الرحم بالفضاء الخارجي- بالفرج ( فلسفيّاً : الرحم هو بيت الانتماء بالنسبة للمرأة وعالمها المقدّس ، ولا تشعر بالأمان ما لم يمتلئ هذا البيت بساكن واحد على الأقل)! أما الفم فهو فتحة تؤدّي إلى تجويف عام ، والتجويف يؤدي بدوره إلى ديوان كبير اسمه البلعوم، ومنه إلى المريء. بعد هذا العرض المستهتر يمكننا الآن أن نتخيل حجم الفضيحة التي أثارتها امرأة زعمت أن طبيباً أعطاها مطهّراًُ مهبليّاً ، ناصحاً إياها أن تستخدمه عبر الفم ، ثلاث مرات يوميّاً. وعلى هامش اللت والعجن في المستشفى الكبير، ومطالبة المرأة ، وذكرها البطّ النشيط ، بطرد الطبيب من المشفى، يعلّق موظف لئيم : زوجها هو المخطئ ، وليس الدكتور .. فهو على الأقل(يقصد زوجها) لم يشرح لها الفرق بين الفم والفرج!

شيخ مسنٌ تساءل خلسة : إذا كانت المريضة من الجوف فهي محقّة. أضاف على عجَل : هناك قبائل متخلّفة في محافظة الجوف تعتقد أن شكل الفم يعطي صورة أوليّة عن شكل الفرج، وعليه فهم يحرّمون أن تكشف المرأة عن فمها حتى أمام نساء جنسها، بوصف الفم عورة مغلّظة!

سامعني يا ابن علوان والا أنتَ مش واخد بالك خالص؟


 عزيزتي .. قوامُك الرشيق تنتظره الآكلة!

كان نزار قبّاني صريحاً في موعظته الشهيرة للمرأة في موسم الاستروجين العالمي، مذكّراً إياها بحتمية الضمور البشري ، متمثّلاً النهدين كأمثولة حيّة بكل تفاريعها:

مغرورةَ النهدينِ ، خلي كبرياءكِ وانعمي بزوابعي

وتفكري بمصير نهدك قبل موتِ الموسمِ!

يعتقد الأمريكان أن كل دولار ينفقونه في التأمين والسلامة الصحيّة،على مواطنيهم، يحقق 28 دولاراً أمريكياً ، كربح قوميّ .. فيما بعد.

آلام منطقة أسفل الظهر من أشهر الأعراض اليومية في العالم. يبدو أنها ضريبة العمل المكتبي ولعنة البيروقراط، والتكنوقراط معاً. يمكن تقسيم هذه الأعراض(الآلام) إلى آلام بسبب انقباضات عضلية ، وهي الأغلب.. وعلاجها لا يتجاوز إجراءات السلامة وتطبيق مبادئ الإرغونميكس( المواءمة بين مكان العمل والعامل) ومراهم موضعيّة مهدّئة بالإضافة إلى مليّنات/ مرخيات للعضلات. أما النوع الثاني فهو شائع في كبار السن، أعني هشاشة العظام (90% من مرضى هشاشة العظام من النساء ، ما بعد سن اليأس).هذه الأعراض تظهر في المنطقة القطنيّة(السفلى) من الظهر. ولشيوع هذه الآلام ،المترافقة عادةً مع زيادة في احتمالية الكسر العظمي نتيجة أي إصابة بسيطة، ولأن علاج مثل هذه الأعراض مكلف ماديّاً ، ويحقق نتائج مقبولة جزئيّاً على المدى الطويل جدّاً، فإن الدول (المحترمة) عادةً ما تخصص مبالغ ماليّة لعلاج كل مواطن تظهر عليه أعراض هذا المرض المزعج (هشاشة العظام). النوع الثالث من آلام الظهر يقف وراءه العمود الفقري بتركيبه العظمي والغضروفي والأنسجة الضامّة المرافقة (capsules, ligaments etc). فانزلاقات الغضاريف ،خاصة في المنطقة القطنيّة، أصبحت واحدة من الأمراض الأكثر شيوعاً. وفي حال الإنزلاق يخرج الغضروف الفاصل بين الفقرات من مكمنه ليضغط على العصب المجاور قبل خروجه من منطقة العمود الفقري، متسبّباً في آلام حادة في منطقة الظهر، وفي المنطقة الجسديّة التي يغذّيها هذا العصب، وباستمرار الضغط يتطوّر الألم إلى عجز وظيفي في الطرف ،أو جزء منه. تطوّرت علاجات الإنزلاقات الغضروفية بشكل دراماتيكي وحلّت جراحة المناظير الجزء الأعظم من المشكلة ،هذه. هناك أيضاً أسباب أخرى مثل اضطرابات المناعة حيث يفلت النظام المناعي من سلطة السيطرة الجسدية العليا ويبتدئ في تكوين أجسام مضادة ضد الجسم نفسه، تتسبّب في التهابات مفصلية واختلالات وظيفية عامة في كثير من المفاصل الهيكلية، ومنها العمود الفقري، وبالأخص في منطقة العنق، حيث تبرز واحدة من أهم الشكاوى المرضية : الإحساس بتخشّب الرقبة، كما يروي المرضى، عقب الإفاقة من النوم مباشرة، مع انغلاق مفاصل اليدين وتورّمها. هناك أسباب أخرى أيضاً لأوجاع الظهر، يمكن الحديث عنها بتقسيم منطقة الظهر إلى مناطق تشريحيّة، ومنها الدخول في تفاصيل التفاصيل المرضيّة المسبّبة ، غير أنّها ليست موضوع حديثنا هنا. وتلعب الاعتلالات المناعيّة واحداً من أهم فصول هذا المرض الشائع(آلام الظهر =back pain) فيما يسمى في الطب إجمالاً :Connective tissue diseases. .. أو أمراض الأنسجة الضامّة.

 فعلها  الفقيه!

صيدلاني (خايب) يتدخل في تفسير روشته كتبها طبيب في العيادة المجاورة. هذا الصيدلاني (واقعيّاً : موظف الصيدليّة الأمّي) يسأل المريض بكثير من اللامبالاة بينما هو يحاول فك حروف الروشتة اللاتينيّة : هل تعاني من زحار ودم في البُرَاز؟.إن هذا الفقير  إلى المعرفة ، قلّ شأنُه، قرأ اسم الفلاجيل فنطّ إلى ذهنه مرض الزحار الأميبي. وبالطبع، فلأن المريض الماثل بين يديه كان لتوّه خارجاً من عيادة أسنان، حيث سجّل شكواه الوحيدة (تقرّحات في اللثّة، التهابات في جذور الأسنان) فإنه لم يتساهل مطلَقاً مع مثل هذه الجريمة الطبية (وفق تحريض الصيدلاني الخايب).. من حقّه الآن، وهو ما فعله بالضبط ، أن يعود إلى عيادة طبيب الأسنان ليقلب العيادة (عاليها سافلها) أمام المرضى، ووسط دهشة بالغة الأثر من طبيبه الذكي. بكل تأكيد، فإننا لن نلوم المريض على جهله بحقيقة علميّة تنص على أن الفلاجيل علاج ناجع ضد البكتيريا غير الهوائية، وهي الجنس البكتيري المسؤول، في أحايين كثيرة، عن تقرّحات تجويف الفم ومحيط الأسنان .. هذا،بالإضافة إلى فاعلية الفلاجيل في القضاء على الأميبا والجيارديا، وهي طفيليّات معوية محضة.

هذا الحدث يُسجّل في الذاكرة الشعبية واحداً من فضائح الأطبّاء، يظل يدحرجه المخزّنون في مجالسهم الخاصة، مضافاً إليه تفاصيل حكواتية هي من مستلزمات ذيوع الرواية الشعبيّة .. مخلّقين قصّة خالدة أشبه بأسطورة (ضرطة الفقيه) وفقاً للموروث الشعبي نفسه.. والطبيب بريء تماماً من دم هذه الخطيئة!

 الرأس يهزّ رأسه!

الصداع هو إحساس بألم في الرأس. وبحسب المنطقة المتألمة يمكن التنبؤ ، أوليّاً، بالعامل المرضي. هناك أسباب عدّة تقف خلف الصدّاع،أشهرها اضطرابات النظر، ومشاكل الجيوب الأنفية، والأسنان، وارتفاع ضغط الدم … أيضاً يتورّط انحراف الحاجز الأنفي في أكثر أنواع الصداع عنفاً (أطباء كثيرون يشككون في هذه الفرضيّة). لا ننسى أيضاً أن نشير إلى أن الإمساك المتكرر(اليُبس) يعطي الأمعاء فرصة غير ذهبية لامتصاص نواتج الأيض والسموم من الأمعاء متسبّباً في إحداث نوع شهير من الصداع. كما أن هناك أسباباً داخلَ – دماغية تسبب صداعاً حادّاً، مثل ارتفاع ضغط داخل الجمجمة( في حالات الأورام أو التهابات النسيج الدماغي أو السحائيّات، .. ) ومثل هذه الموجودات المرضيّة تكون مصحوبة بحالة من القيء القذفي غير المصحوب بإحساس بالغثيان. ويبقى أكثر أنواع الصداعات شيوعاً هو ذلك المصاحب للإرهاق والتعب، حيث يشكل الصّداع حزاماً من الألم يحيط بكامل محيط الرأس.. ويبقى الصداع النصفي(Migraine) متسيّداً قائمة الصداعات الأكثر قسوة، في انتظار غودو، كما في المسرحية الفرنسية الشهيرة، ليفسّر هذا النوع من الاعتلالات الجسديّة. وللصداع النصفي قصة مرضيّة، قد نتحدّث عنها في أعداد قادمة إن شاء الله.

 المعدة تبكي، أحياناً..

   يبدو أن آلام المعدة(الحموضة، بالتحديد) ترتبط بشكل وثيق بما يمكن أن نسميه : ضريبة الحضارة. فمع ارتقاء ثقافة الضغط من أجل النجاحstress for successيدفع الكائن البشري من جملته الآدمية ألماً جديداً. وكما تبكي العينان حين الألم النفسي، يبكي الجسم أيضاً، ولكن بطرائقه الخاصة. فألم المعدة الناشئ عن زيادة إفراز الحمضي المعدي HCLهو تبعير سوماتيكي(جسدي) عن ضغط سيكولوجي(نفسي). وإمعاناً في تعظيم حالة البكاء، يبحث الكائن البشري عن عوامل الراحة في مضنّات الألم، فهو يدخن ليفرّغ ضغطه النفسي. كذلك يلجأ إلى القهوة والبيبسي والمشروبات السوداء، مضافاً إليها قلّة النوم .. وهذه السلسلة من الفعل النفسي العنيف وتفريغه تصبّ في الأخير في بكاء المعدة، أوstress hyperacidity. اسأل صديقَك، ستجده يشكو بكل تأكيد من أعراض ارتجاع الحامض المعدي إلى المريء. وستكون الصورة كالتالي : حموضة شديدة، تزداد عند تناول مواد مفلفلة(بهارات). ولكي يبدو الأمر أكثر بشاعةً، فإن كثيرين يشتكون من حموضة شديدة مصحوبة بسعال جاف. ولك أن تتخيل كمية الحامض الصاعد من المعدة حتى الحنجرة، وهو السبب المباشر للسعال الجاف والإحساس بالاختناق. فليس مفترضاً طبيّاً أن يصل إلى المريء ، ناهيك عن البلعوم أو الحنجرة ، هذا الحامض المعدي ، الموجود أساساً كمطهّر بكتيري ، وكمحلل عضوي لجملة غذائية عالية تبتدئ من تفكيك مركبات الحديد حتى تحليل المركبات الأولية للبروتينات إلى مركبات بروتينيّة أصغر  حتى يسهل التعامل معها ،فيما بعد، في الأمعاء الدقيقة.

   بإمكان المريض أن يراجع اختصاصي أمراض باطنة عامّة. وقبل ذلك سيكون عليه أن يعدل من نظام حياته، إجمالاً. علماً بأن المضاعفات السالبة للارتجاع المزمن قد تكون أكثر سوءً مما يمكن أن يتخيّله المريض، وليس ابتداءً بمريء (باريت – barrette، وهو تحويرات مرضيّة في بطانة المريء بدلائل خطيرة) كما ليس انتهاءً بأورام أسفل المريء. شيء آخر: تنتج آلام المعدة، في أحايين كثيرة، من كثرة استخدام المهدّئات.. حيث تقضي الأقراص المهدئة على المواد الكيميائيّة المنوط بها حماية المعدة(بالتحديد: البروستاكلاندين).

 المرحوم كان غلطان!

كان المجتمع المدني اليمني شبيهاً بخيمة بدائيّة؛ في لحظة فارقة من تاريخ اليمن(منذ ثلاثين عاماً، بالتحديد) كانت صنعاء تملكُ في ترسانتها الطبيّة تسعة أطبّاء يمنيّين فقط. ويلعب الحظ لعبته الساخرة فتزدان صنعاء كل عامٍ بجماعة جدد من الخرّيجين اليمنيين القادمين من وراء الحدود. شارك هؤلاء الخرّيجون في تخفيف الألم اليمني بدرجة لا تكاد تذكر، في حين انشغلوا بشكل حقيقي في تكريس أنفسهم بوصفهم يسوعات( جمع يسوع) جديدة ، عاكفين على بناء أضرحة ومزارات خاصة بهم، تنافس ضريح الشبزي ومزار ابن علوان. حدث تغيّر عميق لدور الطبيب، فيما بعد ، من نبيّ مفترض وشامان(كاهن) يقصده الناس للاستشفاء، إلى شيخ قبيلة .. يحمل على عاتقه عبارة : يا أرض انهدي مفيش قدّي!

هؤلاء المحاربون العماليق(الأطباء القُدامى) سفخوا مرضى الشعب اليمني يمنةً ويسرة، وخلفوا لنا تركة سوداء تتعلّق بعقيدة يمنية سالبة تجاه الطبيب اليمني..مهما كان انتماؤه الجغرافي ومهاراته العلميّة. عمل الحرس القديم بلغة الفارس المغولي الذي لا يقهر .. سيد  كل شيء الصالح لكل شيء. وتجاهلوا القاعدة الذهنية : A master of all is a master of none.. أو : بطل كل الأدوار هو الممثل الفاشل.

راهناً .. نما وعي المجتمع الطبّي بشكل دراماتيكي، وانتشرت مدارس الطب والقانون معاً .. وهكذا، انطلق الأطبّاء إلى المشافي في حين رابط المحامون أمام بوّابات الخطإ ، في انتظار قضية يقفز بها مريض إليهم ليجرجروا الطبيب على فصول الخطيئة والتكفير! بافتراض سالب ينص على أننا نملك في اليمن نيابات وأقضية محترمة وقانون لا يأكله العسكر عند منتصف كل يوم!

المرحوم أصبح ، غالباً، محقّاً على طول الطريق .. غفر الله له..  خذ حذرك أيها الطبيب!

زر الذهاب إلى الأعلى