أخبار وتقارير

الحراك الجنوبي في متاهة الانقسام

 

أثارت القرارات التي اتخذتها اللجنة التحضيرية العليا للمؤتمر الوطني الأول للمجلس الأعلى للحراك السلمي، برئاسة رئيس المجلس، حسن باعوم، ردود فعل واسعة داخل الحراك الجنوبي؛ إذ أقرت اللجنة عقد المؤتمر الجنوبي نهاية الشهر الجاري، كما أقرت "إلغاء هيئات مجلس الحراك الأخرى"، واعتبرت نفسها "الهيئة الشرعية العليا المؤقتة للمجلس الأعلى حتى انعقاد المؤتمر".

وأقرت اللجنة التحضيرية، في الاجتماع الذي "كرس لمناقشة ما تم إنجازه خلال الفترة المنصرمة"، "تحديد موعد لانعقاد المؤتمر الوطني الأول للمجلس الأعلى للحراك السلمي لتحرير الجنوب من تاريخ 30/ 9/ 2012 إلى 2/ 10/ 2012" في عدن، "وشددت اللجنة على اللجان العاملة لإنجاز مهامها المحددة بما يضمن انعقاد المؤتمر ونجاحه".

كما أقر الاجتماع تكليف النائب الأول صلاح الشنفرة، والنائب الثاني الدكتور صالح يحيى سعيد، وعلي هيثم، والدكتور عبده المعطري، وفؤاد راشد، بصياغة التقرير السياسي الذي سيقدم إلى المؤتمر، على أن يكلف الدكتور صالح بكتابة مسودته. وألزمت اللجنة، في اجتماعها، الهيئات القيادية للحراك في المحافظات، وعبر التنسيق مع المديريات، بتجهيز بقية كشوفات المندوبين خلال فترة أسبوع وتسليمها إلى سكرتارية رئيس المجلس الأعلى للحراك.

وأقرت اللجنة "عدم شرعية أي بيانات أو لقاءات تصدر باسم المجلس الأعلى ما لم تكن برئاسة رئيس المجلس أو بتوجيهاته"، داعية "كافة الوسائل الإعلامية إلى الالتزام بذالك". 

وقال لـ "الشارع" معارضون للاجتماع وما صدر عنه إنه عقد برئاسة رئيس المجلس، حسن باعوم، ونجليه فادي وفواز، وكلٍّ من علي هيثم الغريب وصلاح الشنفرة وعبده المعطري وفؤاد راشد وآخرين، وكرس لمناقشة التحضيرات المنجزة على طريق عقد مؤتمر مجلس الحراك.

وقوبل اجتماع اللجنة، وما خرج به (عقد الاجتماع الخميس الماضي)، برفض واسع النطاق من قبل قادة ونشطاء في الحراك اعتبروا مخرجات الاجتماع "عودة مبطنة للتمسك بلقاء المكلا وأهدافه رغم فشله حينها".

وكان  لقاء المكلا، الذي عقد في 11 يوليو الماضي، تمخض عن قرارات لاقت رفضاً واسعاً من قبل أعضاء القيادة العليا للحراك، وهيئات الحراك في المحافظات والمديريات، بما فيها حضرموت التي عقد فيها اللقاء.

ومنع حينها رئيس الحراك في محافظة حضرموت، احمد بامعلم، من المشاركة في لقاء المكلا، وأجبر على مغادرة مكان انعقاد اللقاء من قبل مرافقي باعوم ونجله فواز، بطريقة وصفت بغير اللائقة، حسب تعبير مشاركين في اللقاء قالوا إن باعوم طلب من مرافقيه طرد بامعلم من الاجتماع، عندما طالب الأخير السماح للحاضرين بنقاش آلية الاجتماع. 

وأكد بيان لقاء المكلا على عقد المؤتمر الجنوبي في 1 سبتمبر 2012، على أن يحدد رئيس المجلس (باعوم) مكان انعقاده. وتم، حينها، رفض ما خرج به اللقاء؛ كونه ركز جميع الصلاحيات السياسية والتنفيذية والتنظيمية بيد باعوم، ابتداء بالقرارات السياسية الاستراتيجية وصولا إلى ترتيبات عقد مؤتمر الحراك وحتى اختيار المشاركين فيه من جميع المحافظات.

ويعتبر نشطاء الحراك أن قرارات لقاء المكلا هي السبب الأكبر في إنتاج أكبر منعطف تنظيمي سياسي للمجلس الأعلى للحراك يهدد بانقسامه.

نتج عن ذلك استياء شعبي وتنظيمي واسع النطاق، وأبدى معظم المشاركين في اللقاء رفضاً كبيراً لتلك القرارات والطريقة التي أديرت بها.

وقال لـ "الشارع" مشاركون في ذلك اللقاء إن مخرجاته "رُتبت مسبقاً في إطار دائرة ضيقة محيطة برئيس  مجلس الحراك وقائده الأبرز حسن باعوم، دون علم معظم المشاركين، ما دفع معظم المشاركين، وهم من قيادات الصف الأول في مجلس الحراك والحركة الشبابية والطلابية، إلى الانسحاب من اللقاء، وإصدار بيان أوضحوا فيه موقفهم الرافض لآلية اللقاء، ومخرجاته التي قالوا إنها أعدت سلفاً".


لجنة لحل الخلاف تفشل نفسها

بعد لقاء المكلا وما نتج عنه من تداعيات ورفض شعبي واسع متزامن مع رفض هيئات الحراك في المديريات والمحافظات لتلك القرارات التي وصفت بالانفرادية والإقصائية، تم تشكيل لجنة من قبل عدد من قادة مجلس الحراك وهيئاته وعدد من الشخصيات الجنوبية والأكاديميين، لحل الخلاف الذي أنتجته قرارات المكلا.

وبعد بفترة وجيزة من تواصل اللجنة وبذلها جهوداً كبيرة، حسب بيان اللجنة، لحلحلة الوضع الجديد داخل المجلس الأعلى للحراك، أكبر مكونات الحراك الجنوبي السلمي، أعلنت اللجنة "انتهاء الخلاف"، مؤكدة "وحدة المجلس الأعلى"، حسب بيان صدر عنها في 15/ 8/ 2012، وذيل باسم المجلس الأعلى للحراك السلمي الجنوبي.

وأشير في البيان إلى أن الحلول التي وضعتها اللجنة هي حلول توافقية أنهت الخلاف بين الطرفين في المجلس الأعلى للحراك.

 ويتمثل طرفا الخلاف في: رئيس المجلس حسن باعوم ونجليه وعلي الغريب، والتحق بهم الشنفرة والمعطري، طرفا أول، وبقية قيادات الحراك وهيئاته في المحافظات والمديريات والمراكز طرفا ثانيا.

وامتد الانقسام بين فادي باعوم إلى جانب الطرف الأول (والده) وبقية هيئات وأطر ما يعرف بالحركة الشبابية والطلابية، التي تعد الرافد الجماهيري الأكبر للحراك الجنوبي، التي تقف في صف الطرف الثاني (قيادة الحراك وهيئات المحافظات).

وكانت الهيئة القيادية في الحركة الشبابية والطلابية أصدرت بياناً، في اجتماع لها عقب لقاء المكلا، أعلنت فيه رفضها لمخرجات لقاء المكلا. وكان موقف الحركة بالإجماع، باستثناء رئيس الحركة فادي باعوم.

ومن النقاط التي وردت في بيان لجنة حل الخلاف، واعتبرت أنها قوضت قرارات المكلا: تأكيد أهمية تخصيص 50% من قوام المشاركين في المؤتمر للشباب، على أن يتم تحديد واختيار المشاركين ضمن هذه النسبة من قبل قيادة الحركة الشبابية بكل قواها وبالتنسيق مع رؤساء مجالس الحراك بالمحافظات، على عكس ما ورد في قرارات لقاء المكلا الذي قصر مهمة اختيار المشاركين في المؤتمر ضمن هذه النسبة على فادي باعوم وحده، ونص لقاء المكلا على أن الـ50% "في يد فادي باعوم".

وأكد لقاء المكلا على تشكيل لجنة تنفيذية من 51 عضواً, ثمانية منهم يختارهم رئيس المجلس الأعلى (حسن أحمد باعوم)، من قوام اللجنة التنفيذية، التي تعد، حسب بيان المكلا، أعلى سلطة سياسية في الحراك الجنوبي.

كما أكد لقاء المكلا أن يختار حسن باعوم وحده قائمة وطنية مكونة من 100 شخصية يختارها من جميع المحافظات، وهذا العدد هو من أصل 501 عضواً هم قوام اللجنة الوطنية للحراك. وجاء في بيان المكلا بالنص: "100 شخصية بيد باعوم".

كما أقر اللقاء أن يختار حسن باعوم 10% من قوام اللجنة الوطنية، المحددة بـ501 شخصاً، وهي النسبة الخاصة بالنساء (10 %).

ويقول المعارضون إن هذه المساعي الحثيثة يقوم بها أشخاص محيطون بحسن باعوم يسعون إلى تركيز جميع القرارات السياسية والتنظيمية في أيديهم، وليس في يد باعوم الأب، لاسيما ووضعه الصحي حرج للغاية، كما هو معروف للجميع، وهو أصبح لا يقوى أن يكون أكثر من شخصية رمزية سياسية ومعنوية لحراك الجنوب.

اللجنة التوافقية لحل الخلاف وضعت، هي الأخرى، معظم صلاحيات الإعداد السياسي والتنظيمي للمؤتمر الجنوبي في يد باعوم، رفقة 69 اسماً سبق وتم اختيارهم أيضاً من قبل معدي لقاء المكلا دون الرجوع إلى هيئات الحراك القائمة منذ سنوات. 

واكتفت لجنة حل الخلاف بإضافة عدد من قيادات المجلس الأعلى وقيادات هيئات المحافظات إلى 69 اسما بهدف احتوائهم، ما أثبت فشله. وحتى هؤلاء الذين تم إضافتهم تم الاشتراط أن يكونوا من الذين قدموا استقالاتهم من عضوية الأحزاب السياسية.

 قد يحسب البعض للجنة في حل الخلاف دورا ضئيلا في وضع بعض النقاط التوافقية السطحية؛ لكنها لم تحسم أيّاً من نقاط الخلاف الرئيسة كما ادعت في بيانها، الذي استرسل معدوه في إبراز دورهم مع ذكر بعض الأسماء، ووصفت دورها بـ"التاريخي والكبير"، في حل الخلاف بين صفوف المجلس الأعلى للحراك السلمي الجنوبي.

وبالمقابل كشفت حلول اللجنة عن سطحية وتناقض كبيرين في عدد من النقاط التي تضمنها بيانها الذي زعمت فيه "انتهاء الخلاف"، منها إقرارها بأهمية الحوار الجنوبي الجنوبي، من جهة، واختزال الحوار، من جهة أخرى، في ما أسمته بالقوى المؤمنة بالتحرير والاستقلال. بذلك، أخذت اللجنة على عاتقها تصنيف القوى الجنوبية، وحددت أي القوى التي ينبغي التحاور معها من عدمه، أو، ربما، تحديد قناعات الأطراف والناس مسبقاً. والحق أن ذلك لا يقتصر على هذه اللجنة فحسب، بل يشمل معظم قادة المجلس الأعلى للحراك، سواء أولئك الذين في جناح لقاء المكلا، أم معارضيهم، وهم يمثلون القسم الأكبر، ويتخذون خطاباً سياسياً مشابهاً.

 حددت لجنة حل الخلاف الأول من سبتمبر الجاري موعداً لانعقاد المؤتمر، متجاوزة اعتراض معظم قادة الحراك وهيئاته، المطالبين بتأجيل الموعد إلى منتصف أكتوبر القادم حتى يتسنى لمجلس الحراك التواصل والتنسيق مع الأطراف الجنوبية الأخرى. وهو الأمر الذي يرفضه جناح المكلا الذي يسعى إلى سرعة عقد المؤتمر بما تيسر، ما يوحي بوجود ترتيبات مسبقة التزم بها جناح المكلا لجهات وأطراف غير محلية، حسب ناشطين في الحراك.


السعودية.. هل تسعى لإضعاف الحراك؟

ويتجلى اليوم بوضوح ما قامت به اللجنة، التي سميت "لجنة حل الخلاف"؛ فبعد أسابيع فقط من بيانها، الصادر في 15/ 8/ 2012، تفجرت الخلافات. وهو الأمر الذي يؤكد أن بيانها ذاك لم يتعدَّ كونه مسكنا موضعيا قصير المدى، أجل ظهور الانقسام داخل أكبر مكونات الحراك الجنوبي الذي يقوده علي سالم البيض وحسن باعوم.

بدأت مؤشرات الانقسام تلوح في الأفق بالتزامن مع عودة باعوم من السعودية بعد أشهر من رحلة علاجية، رفقة نجليه فادي وفواز. وفقاً لذلك؛ لا يستبعد مراقبون أن للسعودية دوراً في الانقسام، لاسيما وهو ظهر بعد عودة باعوم من رحلته العلاجية فيها.

الواقع أن باعوم سبق وأعلن، خلال لقاءاته هناك بعدد من المشايخ الجنوبيين المقيمين في السعودية لمناقشة عقد مؤتمر جنوبي، أنه سيقيم المؤتمر الجنوبي حسب ما خرجت به تلك اللقاءات من مقترحات، وتشكيل لجنة تحضيرية للمؤتمر يرأسها هو، وعضوية عدد من أولئك المشايخ، الذين يقول عدد من قادة حراك الداخل إنهم "لا يمتون بصلة لهيئات ومكونات الحراك في الداخل". واعتبر إعلان باعوم حينها "خطوة مفاجئة أثارت استغراب مكونات الحراك الفعلية في الداخل، وكذلك بعض مكونات في الخارج".

وفيما تقدم المجتمعون، في بيان صدر عنهم في 3 مايو 2012، "بالشكر والعرفان إلى المملكة العربية السعودية، ملكا وحكومة وشعبا، لمواقفهم النبيلة والإنسانية تجاه شعب الجنوب، ولتقديمهم الرعاية الصحية للأخ المناضل حسن احمد باعوم"؛ قرروا "ضرورة عقد مؤتمر جنوبي يقتصر على القوى المنادية بالتحرير والاستقلال". وخرج لقاء الرياض بعدد من النقاط والقرارات، منها: "الدعوة إلى عقد لقاء جنوبي تشاوري موسع لكافة قوى الاستقلال، تشكيل لجنة تواصل وتناط بها مهمة توزيع المهام على أعضائها، والاتصال مع كل القيادات الجنوبية والمكونات السياسية".

وخول أصحاب لقاء الرياض أنفسهم مهمة القيام بتلقي "التصورات والآراء والمقترحات من كل الأطراف الجنوبية والتي تهدف إلى وضع اللقاء التشاوري موضع الاهتمام"، حسب ما جاء البيان الذي صادر عن المشايخ وحسن باعوم ونجليه فادي وفواز.


العودة إلى قرارات لقاء المكلا

بعد أن فشلت لقاءات ومشاورات كان يعول عليها من قبل طرف حسن باعوم، عقد المؤتمر الأول للحراك؛ قرر باعوم، الخميس الماضي، عقد المؤتمر منفرداً، دون بقية مجالس وهيئات الحراك.

ولعل اللافت في بيان الخميس الماضي أنه حدد موعد انعقاد المؤتمر الجنوبي من طرف واحد، وأقر "إلغاء هيئات مجلس الحراك الأخرى". واعتبرت اللجنة التحضيرية التي أصدرت البيان نفسها "الهيئة الشرعية العليا المؤقتة للمجلس الأعلى حتى انعقاد المؤتمر".

والمقصود بهيئات الحراك الأخرى مجالس المحافظات التي تشكل الثقل الجماهيري الأكبر داخل الحراك الجنوبي إضافة للهيئات المصغرة في المديريات والمراكز.

ويقول قادة ونشطاء الحراك إن قرار إلغاء مجالس الحراك في المحافظات والمديريات يعود لرفضها قرارات المكلا، ثم فشل جناح المكلا في إقناعها بالموعد الآخر لعقد مؤتمر الحراك (30/ 9/ 2012)، إضافة إلى أن مقرري مؤتمر 30/ 9 لم يتمكنوا من الحصول على كشوفات من قبل هيئات المديريات والمحافظات لمندوبيها في المؤتمر.

ودعت اللجنة التحضيرية "الإخوة القائمين على قناة عدن لايف بأمل مواكبة هذا الحدث الوطني الجنوبي الكبير وعدم السماح للنيل منه عبر أصوات نشاز تعمل على إثارة البلابل وتصب النار في الزيت لأغراض غير نبيلة ولا وطنية". ودعت "الكتاب والصحفيين الجنوبيين إلى التفاعل الإيجابي والإسهام في إنجاح المؤتمر".

وفي الوقت الذي تعد "عدن لايف"، التي تبث من بيروت، قناة تابعة لمجلس الحراك السلمي، فإن اللجنة التحضيرية دعتها إلى تغطية المؤتمر. وأبرز ما ورد في بيان اللجنة من تناقض صريح هو تأكيدها أن "المؤتمر سيضم كافة نشطاء مجالس الحراك وقياداته دون إقصاء لأحد".

ومازالت اللجنة ترفض، في جميع بياناتها ولقاءاتها، أي حوار مع أطراف جنوبية "لا تؤمن بالاستقلال الناجز". كما تشترط أن "عدم قبول" من ينتمون للأحزاب السياسية، والحزب الاشتراكي على وجه الخصوص. 

ومن التناقضات التي تكشف عن ضعف هذا الجناح، الذي يصر على المضي منفردا في عقد مؤتمر الحراك، متجاوزا جميع أطر الحراك والأطراف السياسية داخله، التحية التي ذيل بها البيان، والموجهة إلى علي سالم البيض. فهؤلاء يقصون الرجل ثم يوجهون له التحية!

 وجاء في بيان اللجنة التحضيرية: "تحيي اللجنة التحضيرية السيد الرئيس علي سالم البيض واتصالاته المستمرة وحرصه على انعقاد المؤتمر وإنجاحه"، في الوقت الذي يرفض فيه أعضاء مجلس الحراك وناشطوه، ومعظم هيئاته القيادية، إن لم تكن كلها، بقيادة علي البيض، قرار عقد المؤتمر نهاية الشهر الحالي، نتيجة الآلية المتبعة، ويشكل هؤلاء معظم قوام هيئات مجلس الحراك، كما جاء في بلاغ صحفي صدر الجمعة أوضحوا فيه موقفهم المعارض لإجراءات باعوم.

وقال لـ "الشارع" مصدر حراكي في بيروت إن البيض يقول إنه "مع مؤتمر جنوبي يوحد لا يفرق، ويتحاور مع القوى والأطراف الجنوبية الأخرى، ولا يتجاوزهم وينصب نفسه فوق الجميع".


هل تآكلت شعبية باعوم؟

أصبح واضحاً، وبشكل كبير، عدد من الأخطاء الفادحة التي وقع فيها الجناح الذي رتب للقاء المكلا، ومني بالفشل الذريع، حسب رفض جميع هيئات الحراك، ومعظم قادته لمخرجاته، رغم تمترس اللقاء خلف رمزية حسن باعوم، التي تحظى بتأييد حراكي شعبي واسع.

وأكد بيان الخميس الماضي، الذي أصدرته اللجنة التحضيرية، عدم صحة ما روج له جناح المكلا من أن الخلاف بين الجانبين "كان مفتعلا من أطراف اشتراكية داخل الحراك تسعى لإفشال أي مؤتمر جنوبي"، كما وجهت الاتهامات لقيادات حراكية تابعة لأحزاب المشترك قيل إنها تسعى إلى إفشال اللقاء، والمؤتمر الجنوبي.

والواقع أنها ليست المرة الأولى التي يرفض فيها ناشطو الحراك قرارات يرتب لها على نطاقات ضيقة، من خلال التمترس خلف شخصية باعوم. والملاحظ أن لقاء يافع الشهير يكاد يتطابق تماماً في قراراته مع لقاء المكلا، وعقد بترتيب نفس المجموعة الصغيرة، وهو اللقاء الذي أخفي فيه باعوم عدة أشهر في يافع، ثم ظهر بعدها وأصدر قرارات بدفع من المجموعة ذاتها من منظري لقاء المكلا المحيطين بباعوم. ومن أبرز قرارات يافع ضم عدد من المشايخ المقيمين في المملكة العربية السعودية، والملتحقين للتو بالحراك، إلى رأس المجلس الأعلى للحراك، وجعل بعضهم مرجعيات رسمية للحراك، إلى جانب قرارات تشترط بقاء القيادات في الحراك التي تعلن الاستقالة من الأحزاب السياسية، ما دون ذلك فعليهم المغادرة وينتمي معظم قادة الحراك للحزب الاشتراكي، الذي حكم الجنوب لعقود، إضافة لقرارات أخرى تركز القرار في يد رئيس المجلس حسن باعوم.

وتم، حينها، رفض شعبي وقيادي واسع لقرارات باعوم في يافع، وتمرد هيئات المحافظات على تلك القرارات الانفرادية الإقصائية، وكادت تلك القرارات أن تودي بشعبية الرجل ورمزيته، لولا استدراك الموقف في وقت لاحق.

وقبل لقاء يافع كان "لقاء العسكرية"، الذي أعلن فيه، بشكل انفرادي، في مهرجان جماهيري هو الأدنى حضورا، إشهار المجلس الوطني الأعلى، وأدى بعدها إلى إشهار مكونات أخرى، منها "حركة نجاح"، التي شارك في مؤتمر إشهارها أعداد تفوق، من حيث عددها، بأضعاف مضاعفة، من حضروا إعلان "العسكرية"، الذي أشهر فيه المجلس الوطني.

وبشكل عام فمن المقيت اختزال الجنوب وشعب الجنوب بعدد ضئيل من الأشخاص مهما بلغت شخصياتهم من مبلغ افتراضا.

والحقيقة أن الإصرار على العودة إلى نفس المربع، الذي أنتجه لقاء المكلا، رغم فشله ورفضه من معظم ناشطي وقيادات الحراك، يهدد اليوم بحدوث انقسام كبير في صفوف المجلس الأعلى للحراك.

واستناداً إلى ذلك؛ يقول عدد من نشطاء الحراك إن هناك "مشروع مجاور" وراء ذلك الإصرار الذي يبديه جناح باعوم بالمضي منفرداً في الإعداد لمؤتمر الحراك، وإقصاء بقية المكونات والشخصيات.

وتقول مصادر في الحراك إن عددا من الشخصيات والمشايخ الجنوبيين المقيمين في السعودية رتبوا لقاءً، في السعودية، بين نجلي باعوم مع عدد من الأمراء السعوديين. وفيما لم تتحدث المصادر عما جرى في اللقاء، وطبيعته؛ تتحدث مصادر جنوبية أخرى مقيمة في الخارج عن "وجود عملية منسقة بدأت فصولها  من صنعاء بين المملكة وحكومة الوفاق، عند الترتيب لسفر باعوم للعلاج في المملكة، حيث تم نقله من صنعاء إلى الرياض عبر طائرة إخلاء طبي خاصة أرسلتها السعودية".

ويجري حالياً، داخل الحراك، الحديث عن "وجود مشروع تنفذه المملكة، يقوم على إقصاء الطرف الذي يحظى بالتأييد الجماهيري الأكبر داخل الحراك الجنوبي بقيادة علي سالم البيض". ويضاعف هذه الشكوك وجود مخاوف حقيقية لدى المملكة من علاقة البيض بإيران، ووجود دعم إيراني للطرف الذي يقوده البيض في الحراك،  فضلا عن تمسك الرجل بخيار فك الارتباط، باعتباره إحدى المشكلات التي تواجه نجاح تنفيذ المبادرة الخليجية برعاية السعودية.

وقال لـ "الشارع" أحد قادة المجلس الأعلى للحراك السلمي، فضل عدم الكشف عن اسمه، إن "هناك مخطط سعودي لإضعاف البيض، من خلال إنتاج أكثر من طرف جنوبي ينادي ظاهرياً بمطلب فك ارتباط الجنوب عن الشمال". وأرجع ذلك إلى "بروز العديد من السلاطين والمشايخ والشخصيات الجنوبية المعروف عنها ارتباطها بالمملكة، وإقامتها فيها، وعودة الكثير من هؤلاء، خلال الأشهر الأخيرة، وتبنوا خيار فك الارتباط، فضلا عن ظهور نشاط ملحوظ لعدد منهم يقيم في السعودية، ويتبنى نفس المطالب السياسية لتيار البيض، مع عدم قبولهم الانضمام لمجلس الحراك، أكبر مكونات الحراك، الذي يتبنى المطلب ذاتها".


نقل المواجهة إلى الضالع

ومن المتوقع أن يزور رئيس مجلس الحراك، حسن باعوم، اليوم، أو غداً، محافظة الضالع، حيث سيتم تنظيم فعالية للحراك يصفها منظموها بالكبرى، بالتنسيق مع صلاح الشنفرة وعبده المعطري، بعيداً عن أي تنسيق مع قيادة وهيئة الحراك بالضالع. ويقول الجناح الآخر إن ذلك يمثل تحدياً يقوم به باعوم وأتباعه لتأكيد قرار إلغاء هيئات الحراك في المحافظات، وعقد مؤتمر جنوبي في 30 من الشهر الجاري، الذي انفرد به باعوم، ونجله فادي، والشنفرة والمعطري وعلي الغريب، عن بقية أعضاء رئاسة المجلس ورؤساء وهيئات الحراك في المحافظات، الذين رفضوا القرارات معتبرينها مخالفة للمشروع السياسي للحراك ولوائحه التنظيمية ولم يضم رؤساء الحراك في المحافظات.

ويعتبر نشطاء الحراك أن تنظيم فعالية لباعوم في الضالع، في هذا الوقت الحساس، "لا يعد سوى رد من حسن باعوم وأتباعه، على تحركات الحسني في عموم محافظات الجنوب، خصوصاً والضالع شهدت إحدى أكبر الفعاليات من حيث الحشد الجماهيري في استقبال الحسني، مؤخراً". ويعتبر هؤلاء إقامة أي فعالية لباعوم في الضالع "رسالة تحدٍّ من قبل باعوم لهيئات الحراك في المحافظات التي أعلن باعوم وعدد من أتباعه إلغاءها"، حسب ما جاء في بيان آخر لقاء تم عقده الخميس الماضي.

وأمس اتهمت مصادر في الحراك فادي حسن باعوم "بتوسيع شق الصف الجنوبي بما يخدم قوى معادية لمشروع الاستقلال"، حسب ما نقله موقع "الأمناء" الإخباري، في الوقت الذي حذر فيه أكاديميون وشخصيات جنوبية من "تطور حدة الخلاف ونقله إلى الساحات الجماهيرية للحراك".

والسبت الماضي؛ دعا نائب رئيس المجلس الأعلى للحراك السلمي الجنوبي، صلاح الشنفرة، "جماهير الضالع الباسلة إلى الاستعداد لاستقبال زعيم الثورة الجنوبية الزعيم حسن باعوم الذي سيحل ضيفاً على مدينة الضالع اليوم الاثنين".

وأهاب الشنفرة بأبناء الضالع وكافة أبناء الجنوب "الاحتشاد والمشاركة في استقباله وإقامة مهرجان خطابي"، ما يؤكد "مخاوف توسع حدة الخلاف ونقلها إلى الساحات الجماهيرية للحراك والخشية من تطورات خطيرة قد تنتج عن ذلك الوضع، خصوصا بوجود خلاف مزمن بين عضو المجلس الأعلى (الشنفرة)، وهيئة مجلس الحراك بالمحافظة بقيادة شلال شايع، الذي يحظى بشعبية جماهيرية كبيرة في أوساط جماهير الحراك بالضالع".

بالمقابل؛ قال القيادي يحيى غالب الشعيبي، المتواجد حاليا في العاصمة اللبنانية بيروت، في منشور على صفحته في "فيسبوك"، أمس، معلقاً على قرارات باعوم الأخيرة، وبالتزامن مع زيارة الرجل إلى الضالع اليوم الاثنين: "ما قلناه عن المناضل باعوم من عبارات "نعم" وتأييد يستحقه باعوم المناضل بتضحياته وصموده وريادته لمشروع التحرير والاستقلال, يحق لنا اليوم أن نقول: "لا" يا باعوم، ما تم بناؤه بالأيادي لن نسمح بهدمه بالأقدام, مجلس الحراك مبني طوبة طوبة، قطرة قطرة، من الدماء الزكية".

وأضاف غالب معلقا على فقرة إلغاء هيئات الحراك: "ثقافة الإلغاء غير مقبولة، مهما كانت عظمة وحب باعوم، نقول: لا يا باعوم، وأكررها: لا يا باعوم، والفقرة المزعجة من بيان اللجنة التحضيرية التي أصدرت قرار حزر هيئات المجلس الأعلى وكانت بمثابة قرار (طوارئ) غير مقبولة. وهذه الفقره المزعجة (يقصد الفقرة التي تضمنت قرار إلغاء الهيئات) فقرة  غير مقبولة؛ لأنها إنتاج لثقافة الإقصاء والانقلابات والتفرد، ودخيلة على الحراك الجنوبي".

 

عدن: مشعل الخبجي

نقلاً عن صحيفة الشارع اليومية

زر الذهاب إلى الأعلى