فضاء حر

مطالب شباب الثورة

يمنات

الخدع والمؤثرات السمعية والبصرية التي اجتهد المخرج في إضفائها على المشهد قد تنجح إلى حد بعيد في تشكيل التصور الذهني والانطباع العام لما حدث ويحدث لفترة من الزمن لكنها لن تتمكن من تزييف الحقائق على الأرض قيد أنملة.. الخيط الرفيع الفارق بين الممكن والمستحيل يتلاشى أدراج الرياح مع وقع الثورات.. تعتصر الأزمنة وتختصر السنين وتكسر الحواجز وتقترب المسافات وتنقشع المخاوف كلها إلى غير رجعة ليصبح الصعب سهلا والمعجز متاحا والخيال واقعا والحلم حقيقة.. وهكذا كلما كان الطغيان أشرس والمعاناة أشد والإرادة أقوى والقفزة أبعد كانت الثورة أروع وأروع..

ولأن العطش للحرية والرغبة بالتغيير ليس لهما حدود فإن أحلام شباب الثورة وتطلعاتهم المشروعة كانت وستظل تعانق عنان السماء.. أنصاف الحلول لم ولن تشف غليلهم وهم الذين لم يؤخذ برأيهم حينما اتفق الكبار على توقيع التسوية الراهنة ولو فعلوا ذلك لما لاقت عندهم أي قبول! المبادرة الخليجية الموقعة من طرفي المعادلة السياسية عدا عن كونها تعاملت مع الثورة كعراك مرير على كعكة دسمة انتهت بتقاسمها مناصفة فإنها لم تضع أي تصور مرضي للمستقبل المنظور ولا حلولا منطقية للعقبات والاحتقانات التي تسببت باندلاع الثورة لذا فإنها أخرت وستظل تؤخر قليلا أو كثيرا من دفع التكلفة أو الضريبة المحتمة للتغيير لكنها لن تعفنا منها في آخر المطاف..

 

المبادرة الخليجية لم تؤمن مخرجا آمنا لنا كشعب ووطن بقدر ما أمنت مخرجا آمنا لصالح وأعوانه.. اعتبروها وقفة حساب من منطلق الحديث النبوي (الكيس من دان نفسه والعاجز من أتبع نقسه هواها وتمنى على الله الأماني).. لذا سأحاول سرد المطالب التي أزعم أن عددا ليس بالهين من شباب الثورة يوافقني عليها وهي:

1ـ تسليم أركان النظام السابق المتورطين بقتل المتظاهرين واختطافهم وتدبير الاغتيالات السياسية ونهب المال العام للعدالة والقضاء ليقول فيهم كلمته وإبعاد المشاركين في افساد الحياة السياسية عن كل مفاصل الدولة وعدم استثناء أي جهة من المساءلة عن تجاوزات المرحلة السابقة بما في ذلك (هيئة مكافحة الفساد) و(الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة) وأي جهة يتبين تورطها في الفساد أو تغطيتها عليه واستبدال قيادات تلك الهيئات بشخصيات مشهود لها بالكفاءة والشجاعة والنزاهة بغض النظر عن الانتماء الحزبي..

 

2ـ استعادة الأموال المنهوبة والمهربة وتوظيفها لإنشاء مشاريع خدمية (محطات غازية لتوليد الطاقة ومحطات تحلية لمياه البحر) وتسخير موارد الدولة وعائداتها لإقامة مشاريع عملاقة لاستصلاح الأراضي الزراعية واستغلال الثروة الحيوانية والسمكية المهدرة بما يسهم في توفير فرص عمل للعاطلين.

3ـ هيكلة الجيش على أسس سليمة وإخراج وحداته من المناطق المأهولة وتوجيهه لتأمين الحدود البرية والبحرية وفرض هيبة الدولة وبسط سيطرتها على جميع المحافظات وملاحقة عصابات التقطع والإجرام ومخربي المنشاءات والقبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة العلنية.

4ـ الإفراج عن المعتقلين السياسيين ورد الاعتبار لهم وفتح باب حرية التعبير على مصراعيه وتسخير أدوات الإعلام الرسمي وإمكانياته لمناقشة هموم الناس وتلاقح الأفكار والآراء ولم شمل الفرقاء والتقارب الوجداني والقيمي وتكاتف الجميع باختلاف مشاربهم نحو غايات كبرى كالنهوض والبناء والتنمية وتغليب الولاء الوطني والشعور بالمسؤولية الجماعية على تقديس الأشخاص وتمجيد الحكام واستعداء الآخر والانغلاق والتعصب.

5ـ تأسيس مخيمات ومراكز شبابية تدريبية وتثقيفية دائمة في المدن الكبرى تسمى بأسماء شهداء الثورة وتسعى لتقديم خدمات اجتماعية يلمسها المواطن بما يسهم في تعريفه بمكتسبات الثورة وتجذير قيم الديموقراطية والتسامح وإشاعة روح المبادرة والإنتاج والإبداع والعمل الجماعي

6ـ تصحيح مسار العملية السياسية وتحديث النظام الانتخابي بما يسهم في إجراء انتخابات نزيهة حرة وتشجيع المرأة على المنافسة ونيل كامل حقوقها

8ـ إنعاش القطاع السياحي وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وخفض أسعار السلع الاستهلاكية ووضع حلول عاجلة لمشاكل البطالة والشحاتة وعمالة الأطفال والمتاجرة بالأعضاء البشرية وغيرها من الظواهر السلبية.

9ـ تسليم الجماعات المسلحة أسلحتها للدولة وإيقاف التقطعات والثارات وإنهاء المظاهر المسلحة المرافقة لبعض المشائخ والأعيان وإلزامهم بعدم استلام أي مبالغ مادية من جهات خارجية تحت أي مسمى وإعادة الممتلكات العامة والخاصة التي وهبت لهم بغير حق في فترة حكم المخلوع وإلغاء السجون الخاصة والاحتكام لسلطة القضاء في حل الخلافات والمنازعات.

 

10ـ استقالة الصف الأول من قيادات الأحزاب السياسية المؤثرة من مواقعهم التنظيمية إيمانا بضرورة إتاحة الفرصة للدماء الجديدة وتجسيدا لعمومية مطلب الثورة وشمولية فكرة التغيير.

11ـ وضع نص دستوري يحصر فترة الرئاسة في دورة إنتخابية واحدة غير قابلة للتمديد ونص آخر يحتم على رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وأعضائها وكبار الموظفين تقديم كشوفات تفصيلية للذمة المالية ونشرها تطبيقا لمبدأ الشفافية وضمانا لعدم استغلال مناصبهم للإثراء غير المشروع وعدم تولية أقاربهم أي منصب إداري واستعدادهم التام للمثول أمام النيابة للمساءلة باعتبار أن (القانون فوق الجميع)

12ـ الموضوعية والاستقلالية التامة لصانع القرار والتخلص من أدوات السياسة الخارجية التي تسببت بالتبعية والارتهان خلال المرحلة السابقة وإنهاء أي تواجد عسكري أو استخباراتي أجنبي في الوقت الراهن مهما كانت المبررات..

 

أخيرا أشير إلى أن الأوهام والخيالات لن تجد نفعاً، فإذا كان البعض يعتقد أن (إرضاء أمريكا بديل لإرضاء الشعوب وطلب رضا الله تعالى أولا) فتلك نظرة قاصرة جربها الكثيرون من قبل فغرقوا وسقطوا في مزبلة التاريخ بعد أن تخلت عنهم ماما أمريكا بعد إحراق جميع أوراقهم فكانوا مجرد قفاز قديم يرمى به متى يشاؤون ويلجأ إليه متى يشاؤون، ولنعلم جميعاً حكاماً ومحكومين أن الحيل الهروبية لا تنفع دائماً وأن الركض خلف السراب لن يؤدي إلا إلى سراب، وأنه (قد تبين الرشد من الغي) فلنعد إلى أنفسنا اليوم قبل الغد، لنبحث عن جوانب القوة فينا ولنبدأ باستثمارها، ولنفتش عن نقاط الضعف فينا ولنتجاوزها، ولنواجه الحقيقة المرة الأليمة بكل صبر وثبات وشجاعة وشكيمة، ولنجعل من هفوات الأمس عضات وعبر، إذ ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي لكنه ما وقر في القلب وصدقه العمل..

 

أحلاما سعيدة وكل عام وأنتم بخير

زر الذهاب إلى الأعلى