تحليلات

المشترك إلى أين؟

 في مطلع العام الجاري 2012م  حدد محمد قحطان القيادي في حزب الإصلاح سقفاً زمنياً لاستمرار تكتل اللقاء المشترك لا يزيد عن عشر سنوات. اتهم فيها الإصلاح بإقصاء شركائه في المشترك، في أنها ما كادت تمضي شهور قليلة حتى أثقلت التجاذبات سفينة المشترك المضطربة, وبدا أن بينها وبلوغ طرفٍ من سقفها الزمني المفترض عقبات وعقبات.

منتصف الأسبوع الماضي كانت حادثة ساحة الحرية بتعز مثار جدل بين إعلام الإصلاح والاشتراكي على خفية اقتحام نسوة ينتمين للإصلاح لخيمة جبهة انقاذ الثورة، وفيها القيادي الاشتراكي  سلطان السامعي، جاء الرد عبر الاشتراكي نت واصفا ما حث بالعمل الهزيل الذي شكل إساءة مباشرة لكل نساء ورجال تعز، معتبراً أن الهجمة انحدرت إلى وحل الرذيلة والفجور بدلاً من العمل الاحترافي الذي كان متبعا في السابق لتشويه بعض الرموز والشخصيات..

 

بواكير التصدع

لعل القيادي في اتحاد القوى الشعبية الدكتور محمد عبدالملك المتوكل كان الأجرأ, ما دون الإصلاح ,على الإفصاح عن اقتراب انفراط عقد المشترك.

قال الدكتور المتوكل لصحيفة الثورة في عددها (17353) الصادر بتاريخ 22مايو الماضي :إن الأحداث قد تجاوزت اللقاء المشترك. ومن يومها وحتى قبل ذلك التاريخ بأسابيع سمع للمتوكل أكثر من مرة تأكيده على أن المرحلة التي يمر بها اليمن تستدعي بناء تحالفات جديدة هي بلا شك تأتي في جانب منها على أنقاض اللقاء المشترك.

بدا الأمر كما لو أن مخزون المشترك من الوقود في طريقة للنفاد. سارع الإصلاح عبر أعلامه وإعلاميه إلى شن حملة أظهرت المتوكل, ومازالت في هيئة كبيرهم الذي علمهم  السحر.

وبعيد قرار تشكيل لجنة الاتصال في6 مايو الفائت خرج التنظيم الوحدوي الناصري عن صمته، ليتحدث في بيان صادر عن اجتماع أمانته العامة عن ما أسماها مؤشرات الاستحواذ وممارسة الإقصاء والتهميش لشركاء النصال الوطني. في إشارة منه إلى استثنائه من التمثيل في اللجنة والاكتفاء بشريكيه في المشترك الإصلاح والاشتراكي .

حتى هذه اللحظة كان وفاقاُ ظاهر لايزال بطبع علاقة الاشتراكي بالإصلاح غير أن متغيرا جديداُ طرأ على المشهد، ففي أواخر يونيو الماضي وجد الاشتراكي نفسه خارج دائرة حزمة قرارات رئاسية، وأخرى صادرة عن رئاسة الوزراء بتعيينات في وزارتي الداخلية والتخطيط وتعيينات مديري أمن المحافظات بعدما خرج منها خالي الوفاض، فإن الإصلاح لم يكن كذلك، ولم يسع الاشتراكي السكوت وإثر اجتماع مشترك لمكتبه السياسي وأمانته العامة مطلع يوليو الماضي خرج الحزب ببيان اعتبر فية أن المنهج المتبع في التعيينات الأخيرة يعيد إلى الأذهان سياسية الإقصاء والتهميش التي مارسها نظام الفساد وبصورة لا تخلو من تأثير فلوله وثقافته في استبعاد قوى ومواليد مناطق بعينها والأمر ذاته تكرر مع القرارات الرئاسية الصادرة في 11من سبتمبر الماضي التي جاء نصيب الإصلاح منها وافراً ففي اليوم التالي لصدورها عقدت الأمانة العامة للحزب الاشتراكي اجتماعاً عبرت في بيان صادر عنه "عن  قلقها البالغ إزاء عملية الإحلال والتعيينات الجديدة التي أخذت طابع الاستئثار لصالح أطراف بعينها دون أخرى فاعلة". وأضاف  البيان: "إن الأمانة العامة للحزب الاشتراكي اليمني وفي تجدد دعوتها إلى تلافي بوادر الانحراف في مسار التحول السلمي قبل الولوج في مخاض الحوار الوطني الجاد والشامل تؤكد على الحساسية يخل بالتوازنات التوافقية..

 

بين محاولتين

جاءت محاولة اغتيال أمين عام الاشتراكي الد كتور ياسين سعيد نعمان  في أواخر أغسطس الفائت لتجلو الكثير من الريب عن مدى ما يتوفر لهياكل المشترك الرئيسية من مقومات التماسك أو التظاهر بالوفاق السطحي، حتى وإن طفت على السطح دلائل التنافر وعلامات التصادم سريعاُ، ماداك اللواء علي محسن الأحمر محاولة الاغتيال الفاشلة تلك. بدا الجنرال العجوز كما لو أنه يتعمد أن يد فع عنه تهمة الوقوف وراها، لاسيما وأنها تمت في منطقة ضمن دائرة نفوذه وفي نقطة عسكرية للفرقة  الأولى التابعة له. لكن الأيام التي تلت الحادثة تكشفت عن سعي الإصلاح لتكريس أن ما تعرص له ياسين ليس محاولة اغتيال!!

بعيد محاولة اغتياله غادر الدكتور ياسين اليمن إلى الخارج. ومع أن اللجنة الفنية للحوار التي هو عضو فيها أكدت حينئذ على أن سفره كان مهياً له ولا علاقة له بما تعرض له وهو ما أكد نعمان نفيه في وقت لاحق إلا أن مجيئ سفره بعدها مباشرة سوغ الربط بينهما لدى العديد من الأوساط.

وبين ما كان من ارتباك البدايات بالنسبة لعلي محسن الأحمر، وما كان من سعي الإصلاح في المرحل التي تلت فشل محاولة الاغتيال من تكريس أنها حادثة عادية انطوى المشهد على مفارقات استدعت السؤال من الأسباب التي تقف وراء نفي الإصلاح أن يكون ما تعرض له الد كتور ياسين محاولة اغتيال في الوقت الذي ما فتئ هذا الأخير وحزبه الاشتراكي يؤكدان على أنها محاولة اغتيال مع سبق الإصرار والترصد؟!

من جهته أبى محمد اليدومي رئيس الهيئة العليا للإصلاح إلا أن يشارك بنفسه في نفي أن يكون ما تعرض له الدكتور ياسين محاولة اغتيال. من على شاشة "الجزيرة" في 12 من الشهر الماضي، استبق نتائج ما يفترض أنها تحقيقات تجريها الجهات المعنية في الحكومة لكن ملابسات الحادثة, وقال اليدومي إنه اتصل بالدكتور ياسين.

وكان على الدكتور ياسين بعد ذلك كله أن يقول شيئاً وفي هذا السياق جاء حواره مع صحيفة "الأخبار اللبنانية" التي نشرته ولم يكن قد مر على حديث اليدومي للجزيرة إلا يوم أو يومان. وسواء كان ياسين حين حاورته الصحيفة قد استمع إلى ما قاله اليدومي على شاشة الجزيرة أم لا، فإن ما تضمنه حواره مع الأخبار اللبنانية انصب في مواجهة تصوير الإصلاح أن ما تعرض له ليس محاولة اغتيال بما في ذلك ماصدر عن اليدومي نفيه ظهر ياسين الاشتراكي في معرض الرد على الإصلاح وتكذيب  اليدومي رئيس هيئته العليا ومما ورد على لسانه في ذلك الحوار تأكيده على أن المحاولة التي تعرض لها خطط لها بذكاء لتبدو كأنها اشتباك في نقطة تفتيش وأنها دبرت بإحكام شديد وكونها فشلت لا يقلل من خطورتها.

وبما أن المعني بالقضية يؤكد أنه تعرض لمحاولة اغتيال فان نفي الإصلاح ورئيس هيئه العليا أنها كذلك يثير الكثير من علامات الاستفهام والتعجب.

 

تعنت الاعتذار

بقدر ما أسفر السجال بين قمتي الإصلاح والاشتراكي على خلفية محاولة اغتيال الدكتور ياسين عن اضطراب طال قطبي سفينة المشترك الرئيسيين  فقد وضع حوار اليدومي مع الجزيرة علاقة حزبه مع الاشتراكي على المحك بخصوص القضية المحورية الوحدة والقضية الجنوبية‘ إذ أن خطاب رئيس الهيئة العليا للإصلاح

– حسب تعبير القيادي الاشتراكي الدكتور عيدروس نصر –لا يزال يقوم على  ثنائية (الشرعية والانفصاليين) وفق القيادي الاشتراكي امام قول رئيس الهيئة العليا لحزب الاصلاح إن علي عبدالله صالح بعد حرب الحفاظ على الوحدة وانتصار الشرعية على الانفصاليين، مارس من الظلم والاستحواذ على الثروة ما استفز الشعب اليمني كله وفي المقدمة إخواننا في المحافظات الجنوبية واعتبر الدكتور عيدروس نصر أن هذه المقولة تلخص فكر المنتصرين في حرب 1994م وتصور الحرب وما تلاها من سياسات عرجاء ضد الجنوب وتحويلها إلى غنيمة حرب على أنها حرب مشروعة جاءت من أجل الدفاع عن الوحدة والتصدي لـ"الانفصاليين" وهو الموقف الذي يتمسك به كل من يقدسون الحروب ويصرون على الاحتفاظ بنتائجها لما حققتها لهم من عوائد لم يكونوا يحلمون بها.

كما لم يفت الدكتور عيدروس التأكيد على أن حديث الاستاذ اليدومي يبين أن الإخوة ليست  لديهم نية صادقة لحل المشكلة الجنوبية فهم مصرون على التحكم بصناعة أغلبية تقرر لهم ما يشاؤون بما يضمن عدم حل القضية الجنوبية  حتى في الإطار الوطني، فالإصرار على أن الحرب كانت ضد الانفصال دفاعا عن الوحدة لا يختلف عن القول بأن الحرب كانت ضد الكفار من أجل نصرة الإسلام.

وعلى صلة بالقضية الجنوبية عمقت نقاط اللجنة الفنية للحوار التي رفعتها إلى رئيس الجمهورية الشرخ بين أكبر حزبين في المشترك. لقد أظهر الإصلاح تعنتا حيال ما تضمنته تلك النقاط من مقترحات لامتصاص الاحتقان في الشارع الجنوبي وتهيئة ساحة للحوار، إذ حتى مجرد الاعتذار للجنوب لم يمن بالأمر المرحب به لديه غير أن الاشتراكي مناصرين من خارج توليفة المشترك.

يوماً بعد آخر تتعزز دلائل أن سقف محمد قحطان الزمني بات آيلا للسقوط، ها هي سفينة المشترك تعود إلى لجة بحر زاده اضطراباً أن الإصلاح الذي يتحكم في توجيه مسار السفينة أضاع بوصلة تحديد الاتجاه الآمن.

عن: صحيفة المنتصف

زر الذهاب إلى الأعلى