حوارات

اليمنية انطلاق المتوكل: التعليم الضعيف أخطر من الجهل والأنظمة الاستبدادية تتغذى منه

 

يمنات – متابعات

تطرق الناشطة اليمنية في مجال تعليم الشباب والنساء الدكتورة انطلاق محمد عبد الملك المتوكل، بتركيزها على التعليم باعتباره بوابة المستقبل، باباً جديداً قلما اهتمت به النخب السياسية في بلدها، فهي ترى أن التعليم الضعيف أخطر من الجهل، موضحة أن الأنظمة الاستبدادية ترتكز إلى التعليم الضعيف وتتغذى منه.

واكدت المتوكل، في مقابلة مع «الحياة»، أن ثورات الربيع العربي لم تُحدث تغييراً في التعليم، وأن العالم العربي في حاجة ماسة إلى ثورة تعليمية، خصوصاً في اليمن، الذي يعاني نظامه التعليمي تدهوراً غير مسبوق.

واعتبرت المتوكل مشاركتها في مؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم «فرصة ثمينة» لبناء شراكات و «أداة لتطوير التعليم»، ما من شأنه سد الفجوة الحاصلة بين التعليم في البلدان العربية والعالم المتطور، مشددة على تضافر جهود الدولة والمجتمع للنهوض بالتعليم وتحريره من قبضة السياسة وهيمنة الجماعات الدينية. وتعد المتوكل من أبرز مؤسسي «مؤسسة تنمية القيادات الشابة»، وسبق أن أعلنت في العام 2010 تخليها عن منصب رئيس مجلس إدارة المؤسسة عملاً بمبدأ تدوير الوظيفة. وفي ما يلي نص الحوار مع المتوكل:

> كيف تبلورت فكرة «مؤسسة تنمية القيادات الشابة»؟ وهل جاء تأسيسها تلبية لحاجة مجتمعية حقيقية أم جزءاً من موجة المنظمات التي يشهدها اليمن؟

– تبلورت فكرة إنشاء المؤسسة من مشكلة واقعية تمثلت بوجود فتيات أُسرهن من ذوي الدخل المحدود ولا تتاح لهن فرصة الحصول على منح دراسية خارج البلاد أو داخلها، بسبب افتقارهن إلى بعض المهارات، مثل اللغة الإنكليزية ومهارات تتوافر عادة لطلاب المدارس الخاصة. ويرجع ذلك إلى افتقار التعليم الحكومي إلى بعض المهارات مثل الكومبيوتر واللغة. كذلك لعبت المؤسسة دوراً في بناء منظمات شبابية من خارجها وأشركنا هذه المنظمات في إعداد البرامج التي تتبناها المؤسسة، وحرصنا على عدم فتح فروع للمؤسسة في المحافظات، معتمدين في عملنا على مبدأ الشراكة مع منظمات موجودة في المحافظات. وكانت اللبنات الأولى للمؤسسة بجهود فردية وتعاون فردي إنساني من سيدة هولندية هي كارن ميبربرق، التي آمنت بأهمية التعليم الجيد لفتيات الدخل المحدود.

> ما هو الأثر المميز الذي تركته المؤسسة وذلك الذي تسعى لتحقيقه؟

– منذ البدابة حرصنا على أن تكون المؤسسة نموذجاً يُحتذى للمجتمع المدني، لذا عملنا ضمن نظام قوي يتسم بالشفافية والديموقراطية، وهذا الأمر أكسبنا ثقة المجتمع المحلي والدولي، إذ يشترط في من يشغل منصب المدير(ة) العامـ(ـة) للمؤسسة ألا يزيد عمره عن 35 عاماً. في عام 2010 تخليت شخصياً عن منصب رئيسة مجلس إدارة المؤسسة لشخص آخر، واستقالت المديرة العامة قبول المتوكل لترك المنصب لشابة قيادية أخرى. وكان المجلس قرر أن يتم تدوير منصب الرئيس كل 3 سنوات لدمج كوادر شبابية من خريجي المؤسسة. ولدينا برامج لإعداد القيادات الشابة من داخل المؤسسة وخارجها.

ونركز اهتمامنا على الشباب والنساء ومنظمات المجتمع المدني، وهي الفئات التي جاءت ثورات الربيع العربي لتؤكد أهميتها، فهذه الفئة تمثل الرافعة الرئيسة للتغيير. والبرامج الشبابية التي تقدمها المؤسسة ينتجها وينفذها شباب، ونفذنا برنامج «خديجة» الريادي في صنعاء، والآن في محافظات أخرى بالشراكة مع «صلتك» وبرعاية خاصة من الشيخة موزا بنت مسند التي اختارت المؤسسة لتكون أول محطة تزورها في اليمن في 12 أيار (مايو) 2010، وكان ذلك كان حافزاً رائعاً للشباب وللمجتمع المدني.

أيضاً نفذنا برنامج المواطنة في أربعين مدرسة في العاصمة صنعاء، وفاز الفريق اليمني من شباب مدرسة الكويت في التحكيم الدولي على مستوى ثماني دول عربية. ونسعى إلى نقل التجربة إلى بقية المحافظات، لأنها أثبتت أثرها الإيجابي في عملية التغيير في أساليب التعليم. كما نفذ برنامج «انطلاق» في مدارس المديريات الأشد فقراً في محاولة ناجحة للحد من الزواج المبكر وتسرب الفتيات من المدارس.

> ما هو البرنامج الذي تفخر به المؤسسة بشكل خاص؟

– نحن من أوائل المنظمات اليمنية التي ركزت منذ وقت مبكر على التعليم باعتباره الأداة المثلى لإحداث تغيير مجتمعي حقيقي. والاهم من ذلك أننا نحاول ربط التعليم بسوق العمل. وهي مشكلة بالنسبة إلى اليمن، فكثير من العمالة اليمنية تفتقر إلى التأهيل والتخصص المناسب، بحيث يمكن استيعابها في

السوق الخليجية والعالمية. ونحن نحرص على سد هذه الثغرة. كما تمثل الاستقلالية نموذجاً يعتدّ به، فشباب المؤسسة ليسوا من طيف سياسي واحد، بل يمثلون مختلف التوجهات السياسية وخلال «الهبّة الشعبية» التي شهدها البلد العام الماضي، شكَّل شباب المؤسسة مزيجاً من شباب ساحة التغيير المطالبين بإسقاط النظام، ومن شباب ساحة السبعين الموالين للنظام السابق، فنحن نحرص على أن يكون إيقاع الحوار هو المبدأ الجامع لمختلف الفرقاء.

> مركز اللغات العالمية للفتيات كان نواة المؤسسة وسابقاً عليها. ألا تكرس طبيعة عمل هذا المركز ثقافة الفصل بين الجنسين؟

– لا، ليس كذلك. بل هذا ما فرضه واقع المجتمع اليمني. فالمركز يستوعب الفتيات اللاتي حرمن من فرصة التعليم واللاتي لم تسمح لهن أسرهن بمواصلة اكتساب مهارات أساسية بسبب الاختلاط، وبإعطائهن فرصة التدرب على المهارات التي لا يمنحها التعليم العام، ومنها القيادة ومناهج البحث والتكنولوجيا واللغة الإنكليزية كوسيلة للتواصل مع العالم الخارجي.

استراتيجية المؤسسة في هذا الشان اعتمدت على سياسة النوع الاجتماعي لتحقيق الإنصاف والعدالة بين الجنسين. مديرة المركز مثلاً هي من الطالبات اللاتي تخرجن في المؤسسة، وهي تعمل الآن بكل همة لإعطاء فرصة تعليم أفضل لأخريات. علماً أن كثيراً من مكونات المؤسسة، مثل مركز تطوير الشباب اقتصادياً هو برنامج مختلط. وعلى سبيل المثال، فإن برنامج «خديجة» ينهض بدءاً من تسميته، على تأكيد أن تراثنا الإسلامي مليء بقيم المساواة بين الجنسين.

> على رغم التغيير السياسي الذي يشهده اليمن في ضوء ثورات الربيع العربي، لا يزال التعليم تقليدياً. كيف يمكن برأيك تحرير التعليم من قبضة السياسة والدين؟

– منذ زمن بعيد وأنا أردد أننا في حاجة إلى ثورة في التعليم تسبق الثورة السياسية، خصوصاً في اليمن. ومن تجربتي في التعليم الجامعي ألاحظ تدهوراً غير مسبوق في التعليم. كنت آمل بأن يحصل أبنائي وبناتي على تعليم أفضل مما حصلت عليه أنا. لكننا فقدنا حتى ذلك المستوى من التعليم الذي حصل عليه جيلنا. فالتعليم في اليمن حالياً أسوأ مما كان عليه قبل سنوات، وهذا أمر كارثي ومؤسف.

> برأيك ما سبب هذا التدهور؟

– الفساد وغياب الإرادة السياسية من ابرز أسباب مشكلة التعليم. للأسف لا توجد رؤية واضحة وإيمان حقيقي لدى صناع القرار بشأن التعليم وأهميته. أضف إلى ذلك انعدام المشاركة القيادية للنساء في هذا القطاع، فعلى رغم مشاركة النساء في هذا القطاع كمديرات مدارس ومؤسسات تعليمية ناجحة، إلا أنه لم تتول حتى الآن امرأة أكثر من منصب مدير عام في وزارات التعليم، ولم يتم تعيين امرأة رئيسة لجامعة حكومية.

> في ظل هذه الصورة القاتمة لواقع التعليم، كيف تنظرين إلى مستقبله؟

– مازال لدي أمل بأن الغد سيكون افضل.

> ما الأهمية التي يكتسبها مؤتمر «وايز»؟

– المشاركة في «وايز» فرصة ثمينة لي شخصياً ولمؤسسة تنمية القيادات الشابة، وستتيح لنا التعرف إلى الابتكارات الجديدة الناجحة على مستوى العالم واللقاء بشخصيات وخبرات دولية في هذا المجال. هي أيضاً فرصة لبناء شراكات في مجال التعليم التي أرى أنها أداة لتطوير أنفسنا ولنبدأ من حيث انتهى الآخرون، عبر الاستفادة من خبرات وتجارب ناجحة في هذا المضمار.

المصدر: دار الحياة – علي سالم

زر الذهاب إلى الأعلى