حقوق وحريات ومجتمع مدني

عبدالله الكوكباني من دار الأيتام إلى زنزانة الأمن السياسي

المستقلة خاص ليمنات

“من دار رعاية الأيتام إلى زنزانة تابعة للمخابرات” تلك هي الطريقة المثلى التي رأت حكومة الوفاق أن تتبعها لمنح حقوق مواطني ما بعد الثورة السلمية، كتجسيد للمواطنة المتساوية في العهد الجديد.. وكان اليتيم عبدالله أول من حظي بها..

“عبدالله الكوكباني” يتيم فقد أبويه ليجد نفسه أحد نزلاء دار رعاية الأيتام، كابد  مرارة اليتم وقساوة الظروف المعيشية في الدار، عانى مع زملائه الأيتام كثيراً بدءاً من ظروف السكن المتردية مروراً بوجبات سيئة لم يشبع منها يتيم يوماً من الأيام، ومصروف يومي لا يتعدى 10 ريالات لم تصل في أحيان كثيرة!!

سوء المعاملة وقسوة المعيشة دفعا نزلاء الدار للقيام بثورة تغيير سلمية عارمة كان عبدالله في طليعة ثوار الدار.. خرج الطلاب الأيتام في مسيرات متواصلة إلى رئاسة الوزراء مطالبين بتغيير الإدارة، ومحاسبة الفاسدين من القائمين على شؤون الدار.. غير أن حكومة باسندوة وكعادتها في التعامل مع المسيرات المطلبية والحقوق لم تبد سوى التجاهل والاستخفاف بمطالب الأيتام المظلومين..

صعَّد الأيتام الصغار احتجاجاتهم خرجوا إلى شارع تعز قاطعين حركة السير في الخط الرئيسي، أضربوا عن تناول الوجبات المقدمة من الدار، وتكفل اليتيم عبدالله في مبادرة يجب أن نحني لها الهامات تقديراً واحتراماً بتغطية نفقات المحتجين ومصاريفهم فيما يحتاجون إليه من طعام وشراب.. لم يكن غنياً.. لكنه باع قطعة أرض تركها له مورثوه..

بهذه الإرادية الفولاذية التحررية نجحت حركة الاحتجاج في تحقيق مطالبها، حينها قدم لزيارتهم الوزيران في حكومة الوفاق “حسن شرف الدين، وجوهرة حمود”.. تغيرت إدارة الدار بفضل تلك الثورة التي قادها الكوكباني ورفاقه لكن“عبدالله، لم يعد اليوم نزيلاً في دار الرعاية”.. ليس لأن الحكومة اكتشفت فيه موهبة قيادية وشخصية ذكية فابتعثته للدراسة في الخارج، أو منحته وظيفة تعينه على إكمال دراسته في مدرسة أخرى..

لا لم تفعل.. “فعبدالله” يقبع اليوم في زنزانة مظلمة في غياهب سجن الأمن السياسي ودهاليزه المثيرة للرعب.. ليس لأنه ارتكب خيانة وطنية أو مارس أعمال تخريب كتلك التي يمارسها النافذون ويحظون بعدها بالتكريم والعطايا، بل لأنه شارك في مسيرة سلمية تلبية لنداء تابع من أعماقه كطفل مسلم تربى في مجتمع إسلامي، حيث شارك في المسيرة الاحتجاجية التي وصلت إلى السفارة الأمريكية احتجاجاً على الإساءة لرسول الله في الفيلم الأمريكي المسيء للإسلام، هذا ما دفع اليتيم عبدالله للمشاركة وهو لا يعلم عن سيناريوهات أو ترتيبات، ولم يكن يدري شيئاً عن مخطط رتبت له حراسة السفارة والأمن لاقتحام بوابة السفارة كمبرر لاستقدام قوات مارينز لحماية السفارة.. يومها اعتقل عبدالله وأودع سجن الأمن السياسي ليدفع ثمن حسابات سياسية وأمنية لا يعلم عنها شيئاً.

مدير الأمن السياسي رفض أمر إطلاق وجهه النائب العام، وقال لزملاء عبدالله الذين يتابعون قضيته “عليكم أن تبحثوا له عن وساطة وتدفعوا المال أو أن يتعفن في الأمن السياسي”.. حتى الإدارة الجديدة لدار رعاية الأيتام ترفض التعاطي مع قضية عبدالله وتماطل في اتخاذ الإجراءات المفترضة من أجل انقاذه..

يمثل عبدالله الكوكباني عنواناً لمأساة مؤلمة.. فهو يتيم الأب والأم، له أخ مجنون يهيم في شوارع صنعاء وأزقتها وله أخت تنزل في دار اللواء لليتيمات.. كانت تحصل على معاش من الضمان الاجتماعي تم قطعة عنها لأن اخاها المعتقل “عبدالله” هو من كان يتابع المعاش ويحضره إليها.. عبدالله يتيم ليس له أحد.. لا ينتمي لحزب سياسي وليس له قبيلة تحميه ولا طائفة تدافع عنه وتقطع الطرقات للمطالبة بإخراجه..

ليس لعبد الله سوى زملائه الأيتام الذين يتابعون بعد قضيته دون جدوى.. فتحوا حساباً على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” للمطالبة بإطلاق سراحه.. وخلال عيد الأضحى رفضوا الاحتفال بالعيد أو زيارة أقاربهم وذهبوا لزيارة الأمن السياسي ومنزل رئيس الحكومة مطالبين بالإفراج عنه..

ألا يمثل اعتقال عبدالله اليتيم الذي ليس له أحد واحتجازه في الأمن السياسي فضيحة بكل المقاييس، أليس من المخزي استمرار اعتقاله وكأنه يمثل خطراً على البلاد ومصالحها.. إلى متى سيظل عبدالله حبيساً في الزنزانة المظلمة؟!

زر الذهاب إلى الأعلى