أخبار وتقارير

مسيرة الحياة الثانية.. حين يجن الليل في دار الرئاسة

المستقلة خاص ليمنات

عبدالرحمن محمد الكامل الشرعبي.. من مواليد السعودية.. خريج شريعة وقانون- جامعة الإمام محمد بن سعود- الرياض- مندوب شركة هندية على مستوى الدول العربية والأجنبية.. يجيد لغة الأردو (الهندوسية) متزوج من أجنبية ويمنية وأب لخمسة أطفال.. قدم من الخارج والتحق بالساحة ثاني يوم من محرقة الساحة ولم يغادرها إلى الآن.. كان أحد المشاركين في المسيرة الأولى وفي ذكرى المسيرة هذه وقد تحدث عن المعاناة قائلاً:

“بدأت المعاناة حين وصنا إلى دار سلم كنا من 15-20 شخصاً والبقية في خدار..  وفي صباح اليوم الثاني رفعنا العلم اليمني وعلقنا صورة الشهداء العشرة شهداء مسيرة الحياة الأولى- إلى أن وصل البقية ومشينا إلى السبعين.. مشينا فوق الكبري وكانت ترافقنا سيارتان هيلوكس تتبع الشرطة بدون سلاح كان عددنا حوالي (400 شخص).. وعندما وصلنا السبعين ألقى الدكتور/ عبدالمعين الأصبحي البيان الخاص بالمسيرة وكانت أهم مطالبنا الاعتراف بثورة 11 فبراير، ومحاكمة قتلة شهداء مسيرة الحياة ومطالبة الرئيس بإبعاد علي محسن وأحمد علي وغالب القمش..

كان الوقت عصراً ونحن بدون أكل وشرب إلى أن جاء القانص وقدم لنا أكل دجاج ورز وقال لنا لا تخافوا بانجيب لكم كل شيء.. بعض الشباب خرج لشراء قات وبعض المتطلبات وبعد ذلك أدركنا أن من خرج لا يرجع ولم ندرك ذلك إلا لاحقاً لأن التلفونات كانت مغلقة لعدم وجود الشحن، لقد اغلقوا جميع المنافذ المؤدية إلى القصر.. ووجدنا أن عددنا يتناقص حتى أصبحنا إلى 72 فاتصل من الخارج وحذرنا من الخروج وكان يبكي يريد أن يكون معنا في الحدث والمعاناة.. أشتد البرد علينا وكنا الحبة السيجارة نشربها عشرة، ثم قمنا نكنس الشوارع من القراطيس ودباب الماء والمخلفات.. احرقناهم لكي نتدفأ لأننا كنا بدون بطانيات منعوا علينا البطانيات والعشاء والماء.. كنا نعبي ماء من البئر لأحد المزارعين العسكر منعونا من الذهاب.. كان عددهم أكثر من مئة عسكري بالمزرعة فقط وكل من كان يحاول يدخل إلى مقر الاعتصام من عند الجامع يمنعوه.

أشتد علينا البرد فقمنا نطبل ونرقص للساعة  11 ليلاً لكي ندفي أجسامنا بعد ذلك بدأ التعب علينا فارتفعنا من الشارع إلى الرصيف.. كان الأكل بالخارج ولكن صعب ادخاله وكان معنا وضاح اليمن تعبان فيه كلى ويكاد يموت فلم يسمحوا لنا بإخراجه للعلاج إلى الساحة 2.5 ليلاً.. نمنا بالبرد إلى الصباح وكان معنا أربع نساء أذكر منهن الطفلة (سهية الدغيش) .

وفي ذلك الصباح حضرت مستشارة الرئيس عبدربه هادي لحقوق المرأة.. طلبت منا خمسة.. يدخلوا إلى عند عبدربه هادي فقال لها الدكتور/ عبدالمعين كيف نتفاوض ونحن محاصرون وزملاؤنا محتجزون بالخارج.. قالت انقلوا الاعتصام إلى بيت عبدربه، فرد عليها الدكتور هنا حق عام (أي القصر) أما بيت عبدربه فهو حق شخصي.. في تلك اللحظة كانت الطفلة سهية تكنس الشارع فرأتها المستشارة وقالت حق أن تقبل يداها ثم تقدمت إلى سهية وقدمت نفسها فردت عليها الطفلة سهية: “جابك ربك إلى عندنا.. وسألتها أين حقوقي؟ أني محاصرة من الأكل والشرب وأنت مستشارة الرئيس لحقوق المرأة، فطلعت السيارة ومشت.. بعد ذلك جاء موكب الرئيس عبدربه الساعة 11 تقريباً إلى القصر وأرسل لنا شخصاً وقال عبدربه موجود اختاروا خمسة منكم يدخلون إليه ليقابلوه فكان رد الدكتور/ عبدالمعين لا تفاوض حتى يفك الحصار ويدخل أصحابنا ومطالبنا في البيان معروفة وأعطاه صورة من البيان ليسلمها إلى عبدربه، وبعد نص ساعة خرج الرئيس بالموكب ونحن نرقص وكأنه ولا في حاجة.

بعد ذلك قمنا بحملة نظافة نكنس الاثنين الخطوط ونجمع قراطيس البسكت والقوارير الشملان وبقايا السيجارة بالمكانس.. كنا في قمة الجوع فأنقذتنا أم الطفلة سهية بعد أن خرجت وجهزت لنا عصدة كبيرة.. سمحوا للعصدة تدخل ومنعوا أم سهية من الدخول..

بعد ذلك وصلت سيارة من حق العسكر نزلوا لنا أكل بصحون ومطائب ودجاج ورز، القليل أكل والأكثر رفضوا. قالوا كيف نأكل معهم وهم محاصرونا، كان ذلك في الفترة التي وصل فيها عضو مجلس النواب إلى عندنا/ القاضي أحمد سيف حاشد.. شجعنا على الاعتصام كثيراً.. جلس إلى العصر ثم انصرف..

بعد العصر بدأ البرد يقترب منا فشغلنا المرفع وما وقف المرفع إلا وقت صلاة المغرب والعشاء.. كنا بين كل لحظة وأخرى ننتظر زملاءنا يدخلوا إلى عندنا.. كان عددهم من (500- 100) في الخارج ولم يستطيعوا الدخول.. بعد العشاء بدأت السيارات العسكرية تتزايد أعدادها حتى وصلت إلى 16 سيارة واتجهت إلى جولة الميزان لمحاصرة الشباب الذين جاءوا من الساحة والزملاء الممنوعين من الدخول.. وعندما بدأنا نسمع صوت الرصاص أحسسنا أن الدنيا حامي، لحظات ثم وصل إلى عندنا ثمانية طقومات أيضاً متجهين إلى جولة الميزان.. كانت الساعة الثامنة تقريباً فقال الأخ/ سمير الزغروري الدنيا حامي.. أهدؤوا جلسنا نتكلم وفجأة ونحن على الرصيف والبعض نائم جاء بابور الماء ورشنا بالخراطيم وبدؤوا حق مكافحة الشغب بالضرب علينا بالهراوات كل واحدتجمعوا عليه خمسة أو ستة يضربونه دون رحمة.. اتجهنا أنا والطفلة سهية بعد أن تعرضت لضربة بهراوة وأبوها إلى السيارة كانوا قد كسروا الزجاج والمكرفونات حاولنا التحرك فاتصلوا للنقطة التي عند الجسر لحجزنا فتم إيقافنا.. كان هناك حوالي 200 عسكري.. وبادرونا بالسب  والشتم أكثر مما لاقينا من الضرب واحد يقول: “يا عيال الجحبة” وآخر: “يا فتالين” وثالث: “يا راضيين” أنتم تفتلوا على نسوانكم وبناتكم..” فرد عليه الدغيش: “أحترموا أنفسكم.. أنا ثائر سلمي.. ليس من حقكم السب” فقالوا: “أنتم صدمتم زميلكم- يقصد فهمي مغلس- وهم من تسبب بصدمه.. ثم جاء واحد من العسكر وعرض علينا ملزمتين من حق الحوثيين وأول ما مسكهن الضابط قال: “يا عيال الجحبة أنتم حوثيين؟!” فرد عليه الدغيش أحترم نفسك نحن لا حوثيين ولا إصلاحيين نحن مستقلين وقلت للعسكري أنت كذاب نحن لا نملك أي صحف باستثناء صحيفة المستقلة والجمهورية فرد هذه من عند زملائكم الذين عند الميزان الذين ضربوا علينا رصاص.. فقلنا له نحن قدمنا بصدور عارية دون سلاح. احتجزونا لمدة ساعة ونصف، ثم حضرت سيارة واسعفت زميلنا فهمي مغلس.. كان مغمياً عليه تعرض لثلاثة كسور  بالعمود والرجل واليد اليمنى.. وبعد ذلك جاء باسندوة وأعطاه وردة وأمر بإسعافه إلى تركيا فرفض أبن عمه أن يسعف إلا إلى كوبا..”


وفي تلك اللحظة نزلونا من فوق السيارة وحملونا على بوابير الجيش إلى عند زملائنا المحجوزين.. جمعونا على الأرض والعسكر محاصرون لنا من جميع الجهات.. أخذوا منا امرأتين  ورجلين ليشهدوا في حادثة فهمي مغلس ثم قمت أنا بإسعاف الأخ/ سمير الزغروري..

كان الموقف محزناً ومضحكاً أنا قصير وهو طويل وأنا أحمله على كتفي بالرغم أني كنت مصاباً من الضرب ولا زلت أعاني حتى الآن- رحمته فحملته- بعد أن سمحوا لنا جميعاً بالمغادرة.. خرجنا نمشي وإذا بمكافحة الشغب يجروا بعدنا بالصموال.. ذلك الموقف استفز الأخ/ محمد حسن الزبيدي فصرخ لا إرادياً مردداً: (الشعب يريد إسقاط النظام) فهجموا عليه هجمة رجل واحد اللي يزبط واللي يلطم وكأنه بين إسرائيليين فاضطررنا أن نتهمه بالجنون ليخلوا سبيله هو وزميله عبدالعالم- أحد ثوار تعز المشهور بقاهر البلاطجة أصيب أثناء الثورة ولا تزال الشظايا ورصاصة برجله إلى الآن- كان يصرخ” نحن نثور لنا ولكم.. نحن نريد علي محسن يرحل وأحمد علي الأحمر والقمش..” كادوا أن ينهوه بالصموال ضرب وهو وسطهم.. فأخرجناه من بينهم ثم اتجهنا إلى جولة الميزان ثم إلى ساحة التغيير- إلى خيمة الأصابح.

زر الذهاب إلى الأعلى