أخبار وتقارير

في ذگرى محرقة ساحة الحرية.. شهود عيان يتذگرون جرائم جنگيز خان

المستقلة خاص ليمنات

 بينما كان الآلاف يحترقون صعد نيرون على قمة برج مرتفع يتسلى بمنظر النيران ويتلذذ بأصوات الاستغاثة التي يطلقها أبناء شعبه، والاكبر من ذلك جلس يغني ليؤكد مدى شماتته بشعبه، كانت تلك محرقة روما في 64م والذي ارتكبها نيرون وما اشبهها بمحرقة قيران (أو قيرون من أجل أن يكون على وزن نيرون) لساحة الحرية في 29/5/2011م. فالعلاقة بينهما شديدة الشبه ولا تتباين في واحد عن الثاني.

في تلك الليلة البشعة حاولت الدخول من الجهة الشمالية فلم استطع تسللت إلى الجهة الشرقية فكانت أشد ضراوةً.. اتجهت إلى مدرسة الشعب لمحاولة الدخول إلى الساحة من الجهة الجنوبية فلم استطع.. استخدمت التلفون لأتابع ما يحدث فلم يستمر ذلك كثيراً كون من اتواصل معهم اصيبوا ومنهم من ادخل غرفة العمليات.. كنت أتصل باللجنة الطبية والمستشفى الميداني فيردون أن الجرحى بالعشرات..

كان إطلاق الرصاص بشكل جنوني.. او بالاصح بشكل عدائي يبطن في ضميره حقداً عنصرياً. أصوات القنابل القوية جداً خلقت الذعر والخوف في الأحياء المجاورة من الساحة.. كنت اسمع صراخ الأطفال يملأ الأحياء رغم ذلك نفذ قيران وزبانيته تلك المحرقة بكل تحد وكانت النتائج لا يتصورها بشر بسبب ارتكاب جرائم حرب ضد الانسانية والتي لا تزال اثارها حتى يومنا هذا.. هناك من قتل وهناك من لا يزال في الخارج يعالج إلى الآن.. هناك من فقد رجله وهناك من فقد عقله و…الخ.

فما عسى أن نقول عن تلك المحرقة؟! ولندع الحديث مع من عايش الحدث في هذا التحقيق الخاص بمحرقة ساحة الحرية وإلى التحقيق.

تحقيق/ أمين عبدالله راجح


العسگر الذين اقتحموا ساحة الحرية گانوا سگارى وأحدهم تبول في منبر خطيب الساحة

بربر ولصوص

< د/ عامر القباطي: يكفي أن أقول إنه في تلك الليلة لم نكن نستطيع السير في صالة أو ممر مستشفى الصفوة بسبب ازدحام الحالات التي كانت تصل إلى المستشفى..  نعم لقد كنت اتخطى الجثث عندما أريد التنقل من غرفة إلى غرفة في المستشفى وهذا يكفي لمعرفة حجم الجريمة التي ارتكبت في حق ساحة الحرية بتعز.

< محمد حسان الخليدي : كان انضمام العسكر إلى الساحة خدعة والعسكري المختطف كان حجة مدبلجة لاقتحام الساحة.. بدأت الأمور تشتد في تمام الساعة العاشرة تقريباً.. كنت أشارك في اسعاف الجرحى.. كان المستشفى الميداني مليئاً بالجرحى (غاز ورصاص) وكان هناك شهداء تم نقلهم إلى الثلاجات.. بعد منتصف الليل لم نستطع الخروج من  المستشفى الميداني لإسعاف الجرحى بسبب كثافة إطلاق النار على المستشفى الميداني استمررنا محاصرين نحن والدكاترة والجرحى وفي تمام الساعة السادسة تقريباً بدأوا يقتحمون المستشفى.. أول ما دخلوا وهم شاهرون السلاح علينا باشرونا بالسب والاحتقار والزبط حتى الجرحى لم يرحموهم ثم بدأوا بعملية السطو علينا.. أخذوا منا الجنابي والتلفونات والكاميرات والفلوس وشلحوا المستشفى الميداني من كل شيء: أجهزة الكمبيوتر (لاب توب) والثلاجات الخاصة بالأدوية حتى العلاجات ولم يبقوا شيئاً.. كان معنا ثلاث مصابات لم يحترموهن وقاموا بسبهن.. تخيل حتى الرفوف التي كان عليها المصاحف اعتدوا عليها ورموها إلى الأرض وكانوا يدخلون ويخرجون وهم يدوسون عليها.. لم يكون أولئك العسكر في تلك الليلة في وعيهم.. كانوا غير طبيعيين كأنهم سكارى.. كأنهم محششون لدرجة أن أحدهم اشتد عليه البول فاتجه إلى مكان الخطيب وتبول هناك عندما اخرجونا حوالي 6.5 إلى جولة سنان نحن وبعض الجرحى كان الموقف مبكياً.. كنا نسير باتجاه الجولة نحن وبعض الدكاترة والممرضين والجرحى المصابين يسحبون خلفنا وهم يطلقون النار في الهواء لإبعادنا..

ابنة الشهيدة  تفاحة.. لم أر أمي حزينة في  حياتها گيوم المحرقة

< الثائرة/ إسراء محمود الطيب..

يوم اقتحام الساحة 29 /5 /2011م عندما بدأ إطلاق النار على الساحة اتفقت بعض الثائرات أن يخرجن للمشاركة في الوقفة الاحتجاجية وكانت امي الشهيدة “تفاحة” على رأسهم وقد عزمت الخروج معها إلا أنها قالت: لها.. أنا أم وكبيرة.. أنا من يجب أن يقف أمام الرصاص.. أنتم ستبنون الدولة الجديدة وبالفعل خرجنا إلى أن وصلنا أمام البنك الزراعي.. كنا نتصدى للهجوم ونحن عند فندق المجيدي نهتف بقوة (صامدون- صامدون..).

اشتد القصف نحو فندق المجيدي فشاهدنا المصورين وهم يخرجون (مصورو القنوات الفضائية التي كانت تملأ الساحة) فلم نستطع نحن أيضاً أن نتحمل تلك الغازات التي بدأت تصل إلى مجاميع النساء منذ الساعة السادسة والنصف تقريباً فاتجهت إلى منزل صديقة أمي (أم أيمن) وبقيت هناك اراقب المشهد.. كانت المسافة قصيرة ومع ذلك كنت لا أرى أمي والنساء والشباب بسبب الغازات والدخان الكثيف الذي بدأ يملأً الساحة..

اعطونا في تلك الليلة اوامر بإخلاء المنازل فرفضنا فقطعوا الكهرباء علينا.. رغم ذلك ظل الضوء يصل إلى غرفة جميع جيران الساحة وذلك من ألسنة اللهب المتصاعد والناتج من اشتعال خيام الساحة كانت السماء حمراء والمجرمون يطلقون النار على الشباب دون رحمة وهم يحاولون اسعاف من سقط من اخوانهم.. جلسنا نتابع مسرحية قيران وهو يقتل الشباب العزل دون رحمة (رغم ذلك لا يزال حراً طليقاً هو وجميع من شارك معه في تلك المجزرة) إلى الساعة الثالثة فجراً الوقت الذي سكتت فيه منصة الساحة لقد كان آخر نداء يصل إلى أذني حيث هتف أحدهم (الله أكبر.. العزة لله.. لا إله إلا الله).. ولا أعلم من هتف بذلك الهتاف ثم صمت الميكرفون بعد أن تجمد الدم بعروق القائمين عليها وفي الصباح خرجنا إلى الساحة لنرى ما حدث فكان الموقف أكبر مما نتخيل.. كانت الساحة كلها سوداء.. رماد.. دخان فجلسنا نبكي عليها إلى الساعة الرابعة عصراً نحن وأمي التي لم أرها حزينة في حياتها قط مثلما رأيتها في ذلك اليوم..

دموع لا تنسى

< فتحي العريقي (كهربائي الساحة). .. الساعة الثانية تقريباً اشتد اطلاق النار على الساحة من جميع الجهات وبدأ الحريق يحاصر الساحة الأمر الذي دفعنا إلى سحب الناس إلى داخل المدرسة والبعض إلى خلفها حتى لا نقع بالفخ كلنا..

لم أكن اتصور ما يحدث وكأننا في حلم.. حمي الوطيس فسقط شهيد عن يميني والآخر عن يساري.. والله إن هناك رصاصاً مرت ملامسة لشعري وكادت تخترق رأسي رغم ذلك صمدنا وواجهنا هم بصدورنا العارية وكانت المعدلات التي تطلق النار علينا هي نفسها من تطرد الخوف من قلوبنا وتمدنا بالشجاعة.. أنا كنت ضمن المجموعة التي اتجهت إلى خلف المدرسة.. كنا حوالي (25 شخصاً).. لم نكن نعلم أين نتجه لأن كل مداخل الساحة كانت محاصرة فأرسل الله إلينا شخصاً لا نعرفه ساعدنا على الدخول إلى منزله القريب من جدار المدرسة الخلفي.. كلنا اجتمعنا في غرفة واحدة ثم لزمنا الصمت وصلينا الفجر ونحن قاعدون من شدة الازدحام.. وعندما طلع الفجر اغرورقت عيوننا بالدموع ونحن نشاهد الساحة بإحجارها وأشجارها ومبانيها المجاورة سوداء كأنها فحم.. كنا نتمنى أن نشاهد إخواننا المعاقين الذين كنا نسمع صراخهم ولكن للأسف لم نر إلاّ أطقماً تدخل وتخرج إلى الساحة لنهب كل ما تُرك في الساحة حتى عربات أولئك المعاقين القادمين إلينا في ذلك اليوم..

زوجي فقد عقله يوم المحرقة بعد أن شاهد العسكر يحرقون الجثث

< أم أمجد:

يوم المحرقة العصر كان هناك ضرب غاز خفيف ما صدقنا أنه سيقع اقتحام وحرق للساحة.. قالت لي امرأة اهربي يأم أمجد سيقتحمون الساحة قلت لها لا يمكن فجلست إلى بعد المغرب وهي عادت إلى البيت..كنت انتظر زوجي ليأتي ويأخذني ونذهب إلا أنه كان مشغولاً بالشهداء والجرحى ونسيني من هول ما حدث.. كان يدخل ويخرج إلى المستشفى الميداني يسعف بالموتور حقه وقت العصر إلى المغرب ثم افترقنا ولم أره لأنني بعد المغرب بعدما ضربوا غازاً في اتجاه النساء أغمي عليَّ ولم أدر إلا وأنا (بالصفوة)..

بقينا بالصفوة إلى بعد منتصف الليل فبدأوا يقتحمون مستشفى الصفوة.. كانوا يقولون لنا اخرجوا! إخرجوا؟!.. اشتد إطلاق الرصاص على المستشفى فاضطررنا للخروج بين النار بعد أن سحبتنا إحدى النساء إلى منزلها وجلسنا عندها لليوم الثاني.. أول ما خرجنا من الصفوة شاهدنا ناساً بأيديهم عصيان فعرفنا أنهم ليسوا من جنود تعز (جنود المحرقة الذين عمري ما شفت واحد زيهم بصراحة) جلسنا عند (أم عبدالرحمن) بعد أن دخلنا بيتها للساعة 6.5.. كنا ثمان أو تسع وأول ما خرجنا من منزلها الكائن بالقرب من الساحة شفنا الساحة كلها محروقة واللصوص يحملون الثلاجات والأدوات.. كنا با ندخل الساحة لكن إطلاق النار كان في جميع المنافذ فاتجهت إلى البيت وصلت أبحث عن زوجي فإذا به لم يصل بعد إلى المنزل فاشتد قلقي ورجعت إلى الساحة مرة ثانية لعلي أجده ولكن دون جدوى.. لم يكن لدينا تلفون بالمنزل ولم استطع أبحث عنه بالمستشفيات لان  إطلاق النار في كل مكان.. جلست أدعي وانتظر وبالفعل عاد زوجي إلى المنزل بعد ثلاث أو أربع أيام وهو محرَّق وكله ضرب، بعد أن احتجزوه واعتقلوه من الساحة..

عاد إلى المنزل جثة فقط، بعد أن أوصلوه إلى حالة نفسية شديدة.. إلى الآن يجي ويجزع وكأنه أعجم وإذا سأله أحد يرفض يتكلم.. جاء صحفيون وحقوقيون إلى البيت بايعملوا معه مقابلة وبايصوروه رفض يتكلم.. خرج من السجن ممزق الثياب واحتبس في مكان لا يعرفه بعد أن اخذوالموتور الذي كان يصرف على أولادنا الأربعة.. أحياناً يقول أنتم ما شفتمش اللي شفته أنا يوم المحرقة.. شفتوهم يحرقوا حريق ويحملوا الجثث الساعة  ثلاث الفجر وكان جنب كل خيمة دبة غاز ليشعلوها.. قال: شاف واحد شل صاحبه الجريح ليسعفه فأطلقوا الرصاص عليه وقتلوه دون  رحمة وكأنه دجاجة.. طاردونا حتى وسط الحارة ولم أستطع أذكر اسمي واسم زوجي لأننا في حارة كلها بلاطجة وقد ضربوا علينا رصاص إلى داخل البيت.. أني أتمنى من المستشفى الميداني أن يتساعدوا معي في علاج زوجي الذي أصبح في حالة نفسية سيئة إلى الآن نعالجه عند الدكتور/ طالب..كنت أشتري له العلاج على حسابي لكن الآن لم أستطع وقد خرجت له استمارة جريح من يومها لمن يريد أن يتأكد.. ألا يستحق زوجي العلاج الشهري (3000 ريال) بعد أن فقد الموتور الخاص بأسرته وفقد عقله يوم المحرقة..من سيصرف على أولادي.. الله يرحم الشهيدة تفاحة كانت تعطى ابنتي الصغيرة جنات الفين كل شهر وكانت تقول إذا استشهدت بأخذ جنات.. فهل ممكن أن تعود تفاحة لتشتري لزوجي العلاج بعد أن أصبح في حالة نفسية بسبب الفجعة وأصيب الكبد.. أصبح كله على علاج.

ليلة لم أستطع العودة فيها إلى منزلي

> أم حمادة: بدأ الاحتجاج الساعة الثالثة أمام مديرية القاهرة.. كان الشباب واقفين فبدأوا بإطلاق النار عليهم فقام الشباب بإحراق سيارة مديرية القاهرة بعد ما قتل بعض الشباب.. كنت قادمة من بئر باشا.. اشتدت الأمور وبدأو الشباب يسقطون على الأرض ثم تطور الاعتداء إلى ضرب الحريم.. رموا علينا بعد المغرب مسيلات دموع فبدأ الذعر بين الأطفال والصراخ ملأ المكان.

في تلك الليلة لم أستطع أن أعود إلى منزلي في بئر باشا فاضطررت أن أنام عند أختي الساكنة في حي (الدرن).. صباح يوم المحرقة  30 / 5 كانت الشوارع كلها مليئة بالمسلحين وبدأوا بملاحقة الصحفيين والناشطين وأصبحت الشوارع خالية من السيارات.. كان الخط ما تجد فيه إلا العسكر والمصفحات والطقومات والبلاطجة.. قلت سوف أذهب إلى بيتي في بئر باشا وعندما وصلنا جولة الحوض ما منعونا من المرور ثم فتشونا ونزلونا من فوق الدباب وأمرونا أن نرجع جهة الحوبان فذهبنا باتجاه الساحة وعندما رأينا الساحة قد احرقت عن بكرة أبيها لم نجد سوى الدمع أمام ذلك السواد الذي غطى كل شيء حتى الاشجار احرقوها وهي بارتفاع 10-15 متر عادة ما كان زوجي يواجهني الساعة ستة أو سبعة نعود إلى البيت مع بعض في تلك الليلة كل منا فقد الآخر.. كنت أقول إنه ميت و هو كذلك  كان يعتقد أنني ميتة لأنه ما في معنا تلفونات وبقى اولادنا لحالهم وفي تلك الليلة لم نستطع العودة إلى البيت إلا اليوم الثالث.. عاد زوجي إلى البيت وظل راقداً اسبوعاً من شدة الخوف علينا.

قتلوا ابني لأنه خلع قميصه لمساعدة جريح

< عبدالكريم المعبقي:  قال: اتجهت كغيري نحو المدرسة وبينما أنا كذلك شاهدت جثة الشهيد نزيه المقطري عند الحاجز الجنوبي للساحة (ولم أعرف أنه نزيه إلا الصباح)- حاولنا نسعفه أنا والأخ عائد السروري وآخرين فلم نستطع بسبب الحريق والغازات وإطلاق النار المكثف فأخذوناه إلى إحدى غرف المدرسة لاخفائه.. كنت أشعر بقلق شديد جداً ورغم إطلاق النار تسللت إلى المنزل لأبحث عن ابني وضاح فلم أجده فقررت العودة إلى الساحة من جديد رغم الخطر لأبحث عنه إلا أني لم أستطع الدخول إلى الساحة بسبب محاصرة مداخل الساحة من قبل العسكر فاضطريت الجلوس خلف المدرسة في الظلام إلى الساعة الثالثة والنصف تقريباً في ذلك الوقت كنا نشاهدهم وهم يسحبون الجرحى والشهداء من الساحة وبينما هم كذلك فرحين بما حققوه تسللنا إلى المدرسة من الجهة الخلفية- قبل أذان الفجر- كان هناك حوالي ستين شخصاً محتجز في الجهة الخلفية- مؤخرة المدرسة- كسرنا الشباك وأخرجناهم وقد ساعدنا في ذلك الضابط المكلف بالحراسة علينا.. “قال  سأقوم بإطلاق النار بين الحين والآخر وأنتم أخرجوا بعد أن سمح لنا بأخذ جثة نزيه إلى أسرته.

طلع الفجر واشرقت الشمس ولم أجد ابني وضاح.. زاد قلقي فاضطريت أن أبلغ منظمة هود لتساعدنا في البحث عنه فابلغونا أن هناك ثلاث جثث مجهولة الهوية في مستشفى الثورة بعد يومين وكان فعلاً ابني وضاح أحد تلك الجثث.

كنت أقول له الجماعة يطلقوا نار ما يرشوش ماء، قال يا باه أنا اشتي الموت لكن الموت ما يشتينا وما هي إلا دقايق حتى استشهد لقد أطلق عليه أحدهم طلقه بالرأس عندما رآه يخلع قميص ويطفي النار ويخرج الجرحى من داخل الخيام.

زر الذهاب إلى الأعلى