فضاء حر

التوافق والصراخ وجهان لتحقيق مآرب أخرى

يمنات

إن من يريد معرفة كيف تتم المساومة بحقوق شعب الجنوب، والمقايضة بالقضية الجنوبية، يأتي لحضور جلسة واحدة لا غير من جلسات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وسيعرف كيف تريد جماعة من كان يطلق عليهم بالزمرة، استعادة مجدهم من خلال الاستقواء برئيس مؤتمر الحوار الوطني الشامل، الذي هو في ذات الوقت رئيس للجمهورية، حيث نتعرض نحن، وخاصة أبناء محافظة عدن، للسب والقذف من قبل البعض من أهل أبين المقربين لرئيس الجمهورية، وكأنهم الوحيدون أصحاب القضية الجنوبية، ومن يمثلون شعب الجنوب.

ففي فريق قضايا ذات بعد وطني والمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، يقوم الأخ حسين صعدة بسبنا وقذفنا وبصوت عالٍ ومرتفع، وأمام أعضاء الفريق، في الوقت الذي لم يكن في ما قدمته من مقترح أثناء المناقشة في مرحلة ما بعد الجلسة العامة الثانية، وقبل التصويت، ما يسيء لحقوق شعب الجنوب وللقضية الجنوبية، حيث اقترحت أنه لا تصويت إلا على تقرير الفريق، وليس التقرير الذي تدخلت فيه لجنة التوفيق بشكل سافر، ويتم إضافة الملاحظات عليه بما فيها التي سقطت، ومن ثم تنقيحه.

ولأن الأخ حسين صعدة يمتلك من الحقوق ما لا يمتلكه أحد، لأنه ينتمي إلى منطقة رئيس الجمهورية، ناهيك عن أنه من المقربين جدا لرئيس فريق القضية الجنوبية، ونظرا لكل تلك المزايا التي يتمتع بها، أصبح لا يسمع سوى صوته.

طلبت من الأخ عبدالكريم الخيواني "أن يفهمه الموضوع وما قلته"، وإذا بالأخ حسين صعدة يشتمني بعلو صوته: "احترمي نفسك، وليس لك دخل".

هذا نموذج من عدة نماذج من أعضاء مؤتمر شعب الجنوب، موجودة في قاعات مؤتمر الحوار الوطني الشامل.

وهكذا يتعامل البعض منهم مع الجنوبيين بالإساءة والأذى، والأدلة الكثيرة لا تسعني المساحة المتاحة لذكرها هنا.

وأستغرب أن البعض منهم قضى معظم حياته خارج الجنوب، وبعيدا عن معاناتنا ومآسينا، والآن أصبحوا سادة علينا ومسؤولين وأصحاب القرار عوضاً عنا، وتناسوا أن في ذمتهم ما تزال انتهاكات لحقوقنا، وفي ذمتهم اعتذاراً لعدن وأهلها عن أحداث 13 يناير 1986، مثلما لغيرهم الاعتراف والاعتذار عن حرب 1994، بغض النظر عن مناصبهم الحالية. وتناسوا أن المناصب لا ولن تعفيهم من ذلك آجلا أم عاجلا، حتى في ظل وجود التسامح والتصالح، لأن هذا أمر يخص الجميع، وليسوا وحدهم فحسب.

إنهم في كل يوم يخسرون أكثر بهذه التصرفات، لأن النضال والثورة أخلاق قبل أي شيء آخر، ناهيك عن تصرفاتهم السيئة في الفرق الأخرى، وهم بذلك يسيئون إلى الحراك، لأنهم ليسوا جميعا من الحراك، ولا يمثلون الحراك، ولا يمثلون شعب الجنوب.

وإن كنت أعرف أن لجنة الانضباط والمعايير لها دور محوري وقوي في مؤتمر الحوار الشامل، لكنت رفعت ألف شكوى على ما يحدث في قاعاته، بما فيها قاعة الجلسات العامة، ولكن لأن دور لجنة الانضباط والمعايير هامشي، وقد أفرغت من مهامها ودورها لغرض في نفس الأمانة العامة (وهذا سأكتبه في حكاية جديدة).

كتبت الشكوى واخترت أن يعيش معي كل الناس في حكاياتي عن مؤتمر الحوار الوطني، فكتبت الحكاية، فهؤلاء يتطاولون علينا لأن رئيس مؤتمر الحوار الوطني الشامل؛ رئيس الجمهورية داعم لهم على اعتبارات مناطقية ظنوا بها أن لهم الحق في سبنا وشتمنا والإساءة لنا دون حساب ودون رقيب.

التاريخ يعيد نفسه، ولا أظن أن هذه التصرفات ستخدم القضية الجنوبية، أو أنها عشوائية وتلقائية، وتتم بدون قصد.

لا يمكن، فكل نهار يمر علينا في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، ونحن نصادف كل هذه التصرفات، وغيرها من التصرفات التي يتعجب المرء حين يشاهدها أو يسمع عنها، تبعث الشك في أعماقنا بأنها تدل وتنفذ وفقا لمآرب أخرى، لأنه لا يمكن أن يكون هناك حوار في ظل هذه التصرفات من عدم الاحترام والإساءة وهذا التعالي.

فكل شخص منا معروف بتاريخه وانتمائه وتصرفاته، وعن ماذا تنم؟ وما هو المقصود بها؟ ومستحيل أن تكون هناك عدالة انتقالية، أو هناك أحد يريد أن تكون هناك عدالة انتقالية لإرجاع الحقوق والأراضي والأموال المنهوبة، والحصول على الاعتراف والاعتذار للجنوب وشعب الجنوب، بهذا التصرف، وبهذا الصوت المرتفع والصراخ، وعدم الاحترام لأي أحد.

والمستغرب له أن الأطراف السياسية الأخرى التي ستطولها العدالة الانتقالية، تلتزم الصمت، وتتغاضى، ليس للأمر سوى تفسير واحد: أن جميعهم يريدون المصالحة الوطنية، ويتوافقون عليها، ثم يلحقون بها العدالة الانتقالية، فتصبح لا معنى لها ولا طائل، لأن رئيس مؤتمر الحوار الوطني الشامل؛ رئيس الجمهورية، يريد ذلك "أن تسبق المصالحة الوطنية العدالة الانتقالية"، على حساب شعب الجنوب والقضية الجنوبية.

إذن، الوسيلة الوحيدة لضياع الحقوق دون عقاب وإحساس بالذنب، هي اللجوء للصراخ والإساءة للغير، وخاصة الجنوبيين/ العدنيين، لأن العذر ببساطة أن من اضطر للصراخ والإساءة، هو شخص عصبي، ويحرقه ما يحدث، كما يبرر له دائما من قبل البعض، وكأننا أغبياء.

كل هذا كي يلتزم الجميع من الجنوبيين الصمت أمام هذا الصوت المرتفع، وعدم الاحترام، فنضطر للصمت متحاشين الإساءة إلينا، ويصبح في الأخير كل شيء يخص الجنوب وحقوق شعب الجنوب والقضية الجنوبية، هو تحصيل حاصل.

زر الذهاب إلى الأعلى