أخبار وتقارير

مستقبل الإخوان في اليمن ؟

يمنات – المنتصف نت
حتى وان كان يشعر بأنه يحقق انتصارات الواحدة تلو الأخرى، يدرك الكثير من قيادات حزب الإصلاح وناشطيه أن أمامهم الكثير من الصعوبات والمشاكل منها ذاتي ومنها موضوعي.. ويدركون أيضاً بأن البدء في إصلاح الداخل أهم بكثير من أي محاولة لاقتحام الخارج أو الموضوعي بجسد مهلهل متشظي الرؤى والأفكار والاستراتيجيات..
هذه الثلة من الإصلاحيين يحفظون جيداً حقيقة أنهم لن يكونوا بمأمن عن الاستراتيجية السياسية للمملكة العربية السعودية، وسيحاولون ما بوسعهم لتجنب الشطط والشطحات وثقافة التوكل و(ما بدى بدينا عليه) لأن النتائج ماثلة للعيان.
فالإصلاح ذو التوجه الإخواني تلقى الدعم من المملكة، واستقوى بحوالاتها وعطاياها، وظل لفترة طويلة يتعامل مع نظامها كشيء مقدس.. إلا أن الثقافة البراجماتية أو الطبيعة النفعية تتحكم في الإخوان وتحدد مساراتهم وطرق تفكيرهم.. واستناداً على هذه الحقيقة يمكن التأكيد على أنهم بدأوا يطمعون بالاستيلاء أو السيطرة على منطقة النفط وعبر خلاياهم المنتشرة في كل مكان والتي تستعين في ثباتها بزاد حلم استعادة الخلافة الإسلامية.
إنها حقيقة كاد حزب الإصلاح أن يفصح عنها لولا الثورة المصرية ضد الإخوان.. كان قد دشن تنكره لحلفائه من الأحزاب ذات الطابع التقدمي. ويحث السير باتجاه الإنفراد وهو خطأ استراتيجي في حقه كونه سيعيد إنتاج تجربة الجماعة في مصر وما آلت إليه من مصير مؤلم كانت في غنى عنه لو أنها وضعت الاعتبار لمدى أهمية إشراك مختلف القوى والأطراف.. وأعتقد أن هذا درس كاف لمن يعتبر.
انتعش الإخوان في المنطقة العربية بعد الفوز الذي حققته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) برئاسة حكومة دولة فلسطين، واتسعت فضاءات أحلامهم وسقوف طموحاتهم بفعل هذا الفوز، وانبهر الجمهور العربي بهذه النتائج، لكنهم لم يلبثوا طويلاً حتى صدموا بصلابة مواقف حماس وما أفرزته الثقافة الإخوانية من نتائج كارثية على واقع الفلسطينيين من مواجهات مسلحة بين مكونات الدولة الفلسطينية كانت على قدر كبير من البشاعة فأطفأت الثقة، وهي لا تزال في مراحلها الأولى، بقدرة الإخوان على استيعاب آمال وحاجات وطموحات الشعوب العربية، ناهيك عن أن إصرار حماس على مواقفها وعدم تغليب مصلحة الشعب الفلسطيني تسبب في تجزئ المجزأ وتشطير الدولة الفلسطينية.. خفت بريق التجربة الإخوانية في حماس، وحاولت الجماعة ترميم الانكسار الذي أصاب الناس باستحضار سلسلة من التضليلات وإلقاء اللوم على التآمر الدولي، لكن كل ذلك لم ينجح في استعادة ثقة الجمهور بالجماعة، فما حدث كان واضحاً والنتائج كانت أوضح، ففي سبيل بقاء حماس لا أهمية لوحدة الأرض والشعب الفلسطيني..
ولمواراة سوأة هذه التجربة اتجه الإعلام الإخواني صوب التجربة التركية، وبالغ في استعراض تجربة الإخوان في تركيا وما حققوه من نجاحات على مختلف الأصعدة، وكيف أن الشعب التركي انتصر للإخوان ضد العلمانيين.. وليس من المعقول أن ننكر الكثير من الحقائق المتعلقة بنجاحات الدولة التركية تحت زعامة الإخوان لكونها دولة مؤسسات من جانب، ولأن الثقافة التركية امتداد لثقافة الغرب التي اعتصرته الكثير من التجارب وانطلق في نهضته على أسس فلسفية بعد فترة صراع مريرة مع الكنيسة والأغلال التي فرضتها على العقل والمنطق، واستطاع أن يحجم من دورها ويضعها عند مستوى الدور الديني فقط، وقد يرجع النجاح الذي قد يحسب للإخوان في تركيا إلى هذا البعد الذي تفتقر إليه الجماعة في المنطقة العربية، بالإضافة إلى افتقارها للمشاريع الوطنية والبرامج النهضوية واقتصار طموحها على مشروع استعادة الخلافة الإسلامية.
وبالعودة إلى استعراض مشاكل حزب الإصلاح في اليمن، فيمكن تحديدها في بُعدين، الأول داخلي يتمثل في وجود قوى مؤثرة داخله انتماؤها وولاؤها للقبيلة أكثر من الولاء للحزب، وتتعامل معه باعتبارها أكبر منه وقد تتجاوزه في كثير من الأحيان، فمثلاً تدرك قيادات هذا الحزب خطورة فتح جبهة حرب مع أنصار الله أو جماعة الحوثي لما لذلك من تداعيات خطيرة على حاضر ومستقبل الحزب وكون هذه المواجهة لا يمكن حسمها لصالحه ولن يستفيد من نتائجها كمؤسسة بل ستؤدي إلى خلق حالة من الثأر وعدم الاستقرار على مستوى الحزب وحياة أنصاره وقواعده، وستؤثر على توسعه التنظيمي..
وإذا ما كانت هذه هي الفرضية المقبولة منطقياً، فيمكن تصنيف فتح معركة مع الحوثيين من قبل الشيخ حميد الأحمر، والتي لا تزال مستمرة حتى الآن وتوجد مؤشرات لاتساعها على نطاق واسع ضمن قائمة المشاكل الداخلية لحزب الإصلاح لأنه بذلك تجاوز مصلحة الحزب وقد يزج به في مواجهات هو في غنى عنها، ويمتلك أدوات ووسائل أخرى غير مباشرة يمكنه توجيهها ضد الحوثيين كخلق حالة من الصراع بين الأجهزة الأمنية والحوثيين والدفع بهذا الاتجاه ومن ثم تحقيق مآربه ونقمته عليهم وعبر المؤسسة الأمنية والعسكرية..
أما البعد الثاني فيتمثل في تصاعد السخط الشعبي على الإصلاح الناتج عن ممارسته أخطاء كثيرة، منها إخفاق ممثليه في الحكومة في الأداء الذي كان متوقعاً والمبني على الخطاب الإعلامي الذي تبناه قبل الوصول إلى الصيغة التوافقية ليؤكد بعد ذلك أن ما كان يفصح عنه لا يعدو عن كونه نقداً من أجل النقد، بالإضافة إلى استئثاره بالوظيفة العامة والتعامل معها حق لأعضاء الحزب دون غيرهم، ولا يمكن تجاهل التوجه الإقليمي الذي استشعر الخطر الإخواني وبدأ يبذل كل الجهود في سبيل الإطاحة بالإخوان، وكانت مصر هي البداية ولن تكون اليمن هي النهاية، لكنها تشكل بالنسبة لدول الإقليم أكثر خطورة، وبالتالي فإن المملكة العربية السعودية والإمارات لن تقصرا في كبح جماح الإصلاح عبر دعم جبهة لمواجهة أنصار الله عسكرياً من خلال القوى القبلية ممثلة في أولاد الشيخ الأحمر الذي ذكرنا آنفاً أنهم جزء من المشاكل الداخلية للإصلاح، وهذه خطوة ستستنزف الإصلاح إن لم تعسكره بالكامل، أما الخطوة الأخرى التي قد تتبعها دول الإقليم فمن المرجح أن تدعم سياسياً ومالياً الأحزاب المناوئة أو المهيأة لمناوأة الإصلاح وبما يؤدي إلى تحجيم دور هذا الحزب ووضع حدٍ لطموحه.
إن الإصلاح يعاني من جملة أعباء وعليه التخلص منها قبل فوات الأوان رغم صعوبة الإفلات من قبضة القبيلة ممثلة في حميد الأحمر والعسكر الممثلين باللواء علي محسن الأحمر.

زر الذهاب إلى الأعلى