أخبار وتقارير

عمران.. حين تختزل الدولة في يد الشيخ

يمنات – الشارع مروان الكامل
من أين ندخل عمران؟ محافظة تحمل من الجمهورية اليمنية الاسم, ومرتبات الموظفين فقط, فيما هي منذ قيام ثورة 29 سبتمبر, بطولها وعرضها, تحت سيطرة لجناح قبلي حاكم معين, كان الأولى به, باعتباره السلطة لعقود, أن يجعل من محافظة عمران منطقة مرفهة, على الأقل بالكهرباء أو الإسفلت, لكن لا حمية مناطقية, ولا حمية أدنى عدل..
وقفت عمران, المحافظة اليمنية التي كثر حولها الجدل, الحاملة لصورة منطقة أكلت اليمن ودمرتها, بينما هي في الحقيقة أبرز محافظة يمنية مليئة بالجهل والجوع والمرض, التي أغلب مديرياتها تفتقر الى أبسط مشاريع الحياة السياسية الى شربة الماء وهذا لا سبيل لكم سوى أن تصدقوه أو تزوروا مناطق القبائل.
ارتبط ذكر عمران في ذهن اليمنيين بالمشائخ الأغنياء عن التعريف والتعرية, مما ولد انطباعا سيئا عن محافظة تريد العيش الكريم لا أكثر, قد تكون وحدها في هذا مقارنة بمستوى وجود الدولة والأمن والحالة الاقتصادية في باقي المحافظات.
قبيلة حاشد هي مركز الدائرة القبلي المسيطر, ومسقط رأسه, تمكنت, طوال العقود الماضية من اختزال عمران كمنطقة جغرافية وكوجود بشري إنساني, وطوال الفترة الماضية, تم التعامل مع عمران بالنظر الى عصبتها القبلية المسيطرة.
غفل الناس عن الثارات والتقطع, وعن المخزون البشري للحروب والصراعات, غفلوا عن مناقشة الوضع الاجتماعي بشكل عام, اقتصاديا وثقافيا, الذي انتج كل هذا البؤس الصانع لبيئة قد ينشب القتال فيها بسبب وضع حج في مجرى ساقية ماء.
تاريخيا, بإيجاز, ظلت عمران, ومن قبل منطقة مغلقة لجناح الحكم القبلي, الممثل في الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر, خارج نطاق السلطة الواحدة لليمن في إطار تحالفات محددة بين الشيخ عبدالله والرئيس “صالح” كان الشيخ في عمران هو الدولة, وهو القبيلة, وهو حزب الإصلاح أيضا, بكل ما تحمله هذه الألفاظ (القبيلة, الدولة, حزب الإصلاح) من معنى.
استمر هذا الوضع الى عام 2003م, عندما بدأ الخلاف الواضح بين علي عبدالله صالح وحزب الإصلاح, الذي انحاز الى المعارضة في إطار أحزاب اللقاء المشترك. لكن, مع هذا, ظلت عمران الدولة في يد الشيخ.
رغم كل الشكليات, كان تحالف الشيخ والرئيس فوق أي اعتبار, إصلاحي أو غيره, وبدأ علي عبدالله صالح بالبحث الفعلي عن قوى جديدة له في عمران, أو داخل قبيلتها المهيمنة.
بدأ علي عبدالله صالح يتواصل بالمشائخ, والواجهات الاجتماعية, بعد تهميشه لهم طوال فترة حكمه, وأغرقهم بالمال, واعتمد لهم امتيازات شهرية من أكثر من مصلحة (القصر الجمهوري, وزارة الدفاع, شؤون القبائل) وعين الكثير منهم في مناصب حكومية, استغل علي عبدالله صالح بشكل كبير..
و في حرب صعدة أغنى من أغنى من المشائخ, عندما جمعوا المجاميع المسلحة (البشمرجة) وأرسلوهم للقتال هناك ضد جماعة الحوثي, كان الشيخ عبدالله برفض, مبدئياً, الحرب في صعدة, والدفع ب”البشمرجة” من أبناء “حاشد” الى القتال هناك؛ إلا أنه كان, نتيجة لوضعه الصحي المتدهور حينها, لم يعد يمتلك قرار التأثير الحقيقي, الذي انتقل الى أنجاله, الذين أخذوا يجمعون المقاتلين ويرسلونهم للقتال هناك في مساندة قوات “الدولة” التي ظل الشيخ يتحرك ضمن تحالف شرائكي يجمعه برأسي الحكم فيها, غير أن أولاد الشيخ ظهروا من الداعين للحرب واستمرارها, أكثر من رأس النظام, ولعلنا نتذكر تصريح الشيخ حسين الأحمر الذي قال فيه إن إيقاف الحرب في صعدة “خيانة وطنية كبرى”!.
لم يكن يقتصر جمع الناس وإرسالهم إلى صعدة على “آل الأحمر” فحسب؛ إذ تمكن النظام حينها من إظهار فئات جديدة من المواجهات الاجتماعية, طلب منهم جمع الناس, ومدهم بالمال الفاحش, الذي يتجلى الآن في مظاهر الترف التي تعيشها هؤلاء المشائخ, للدلالة على كم كانت حروب صعدة تجارة مربحة جداً.
كان لهذا العمل الحثيث من قبل علي عبدالله صالح نتائجه المبهرة جداً في عمران؛ ففي الانتخابات المحلية والرئاسية عام 2006م نجح المؤتمر الشعبي العام في الحصول على أكثر من مقاعد المجالس المحلية على مستوى المحافظة, بينما كان نصيبه منها في انتخابات 2001 محدودا جدا, وحصول المرشح علي عبدالله صالح على 189 ألف صوت لمقابل 65 ألف صوت لمرشح المشترك فيصل شملان.
بعد هذه النتائج في انتخابات 2006م, التي أذهلت الجميع واصل حزب المؤتمر العمل, وكعادته لم يجلس حزب الإصلاح مع نفسه لمساءلتها ونقدها عن سبب هذا التراجع الكبير له في محافظة عمران, وإنما استمر على نفس المنوال السيئ في تعامله مع الأحداث وابتعاده عن هموم الناس وتطلعاتهم, سواء من قبل قاعدته القبلية أو التنظيمية.
في أحداث ثورة 2011, انقسمت عمران, بشكل أكبر واحد, وجيش الطرفان: علي عبدالله صالح من جهة, وعلي محسن و”آل الأحمر” من جهة, بشكل فاجع؛ “حاشد” و”بكيل” مع وضد ومع… في “الحصبة عند علي محسن, في “ساحة التغيير”… وبالمقابل في “التحرير” ملعب المدينة الرياضية, عند أحمد علي … ارتزق من ارتزق, وغرر به من غرر, ومن سار ضحية المسكين سار…
كل طرف بذل المال والسلاح لاستمالة “حاشد” الى جانبه, بينما “حاشد” في الحقيقة لم تمل لأحد, “حاشد” مالت لمن يدفع أكثر, والطرفان يعلمان هذا جيدا.
عندما انتهت أحداث 2011م, وانتهى الابتسام المتبادل بين الحوثي والإصلاح وأولاد الأحمر وعلي محسن, الذي كان في “ساحة التغيير” ووسائل الإعلام , ضد علي عبدالله صالح, بدأ الحوثي بعد سيطرته على محافظة صعدة, صحوته بالمطاط وعينه على “حاشد” التي استيقظت فيها خلاياه النائمة, وبدأت تمارس نشاطه الفكري أولا, ثم “الفتوحي” فيما بعد.
عندها شعر “آل الأحمر” وحلفاؤهم بالخطر, ليعقد حسين الأحمر اجتماعاً موسعاً لقبائل حاشد في “خمر” أبرز ما خرج به الاتفاق منع التواجد الحوثي في “حاشد” وأن من سيؤوي الحوثيين من الحاشديين سيكون “دمه دم حنش” ووافق معظم مشائخ حاشد على هذا.
لم يجد هذا الأمر, ويؤكد ذلك التغلغل الحوثي الواسع الذي تم في “حاشد” بعد فترة قصيرة من هذا الاجتماع, لتبدأ المضايقات في بعض المناطق, والتأرجح في المواقف, ونشوب قتالات صغيرة سرعان ما كانت تخمد, استمر الحوثي في العمل وفرض نفسه كفؤة وضعت “آل الأحمر” أمام أمر واقع أنه لا يستهان بها.
تقول مصادر مهمة في “حاشد” إن حسين الأحمر, عندما زار صعدة في لجنة الوساطة التي كان يرأسها في حرب “دماج” الأولى, اتفق مع الحوثيين بشأن “حاشد” على ثلاث نقاط أو شروط الحوثيين الثلاثة على حسين الأحمر لترك “حاشد” تحت سيطرته وسيطرة أسرته المشائخية, الشروط كالتالي: أن يعدل “الأحمر” من سلوكه الذي كان معروفا عنه في الماضي, وأن يقيم العدل بين الناس ويزيل المظالم وينهي عن المنكر, والشرط الثالث ألا يعترض على تدريس الحوثي لمنهجة في “بلاد حاشد”. طبقاً للمصادر الموثوقة. فقد وافق حسين الأحمر على هذه الشروط وتعاهد على هذا مع الحوثي, ثم لم يُعرف من نقض العهد.
كانت حادقة مقتل “أبو شيحة” أحد عناصر الحوثي في “حاشد” سبباً في اندلاع المواجهات الأخيرة في “قفلة عذر” وهي مديرية ضمن قبيلة حاشد باتت اليوم تحت سيطرة جماعة الحوثي بالكامل, ومنها ينطلق الحوثيون في توسيع سيطرتهم على هذه القبيلة, تقول المصادر إنه عندما قتل “أبو شيحة” طلب الحوثي من الأحمر تسليم القاتل. وماطل الأخير, فطالبه الحوثي من جديد بتسليم القاتل, فقال حسين الأحمر, لمن تواصل معه بهذا الشأن, أن يقول للحوثي: “من أهم له (أي الحوثي) أبو شيحة أم حسين الأحمر؟”. فرد عليه الحوثي مغتاظاً: “(…) أبو شيحة ولا وجه حسين الأحمر, وتؤكد المصادر شديدة الإطلاع في “حاشد” أن هذه الحادثة هي التي نقضت الاتفاق بين الأحمر والحوثي, ودفعت علاقتهما الى فراق نهائي.
لا استبعد أن تكون هذه الراوية حقيقية, إذا أخذنا في الاعتبار تخلف وبدائية منطقتي صراع حاشد وصعدة, والمنطق المعروف لطرفي الصراع, اللذين حاربا للسيطرة على الناس وكسر عظم الآخر.
كيفما كانت سوابق الحرب فإنها قد حدثت, وباختصار فإن ما يجري اليوم في “حاشد” وعمران ككل, صراع سياسي كبير, شأن غيره في صنعاء أو عدن, أو أي محافظة أو منطقة أخرى؛ غير أن وسائل الصراع السياسي في “حاشد” هي الحرب, وهذا يحتاج تحليله الى بحث علمي موسع, سلسنا في صدده الآن.
طرفان ضد الحياة يحاولان فرض سيطرتهما على “حاشد”؛ الأول: “آل الأحمر” وهم الطرف الأضعف, بسبب نفور الناس وتخليهم عنهم, لما قوة منهم من عدم نفع ومن ظلم كبير وصل ب”حاشد” وأهلها الى الوضع المزري الذي تعيشه الأن, الأمر الذي حدا ب”آل الأحمر” الى استقدام مقاتلين دينيين يحتشدون الآن في “خمر” و”حوث” بعد “معركة عذر” الأخيرة الموجعة جدا لهم. فاقعة الكبد التي دمرت منزل جدهم في “وادي دنان”.
الطرف الثاني, غير ضعيف وغير أقوى كذلك, هو جماعة الحوثي, التي حالفها, دون تردد, النافرون والشاعرون بالظلم من سلوك وتصرفات “آل الأحمر” فدعمتهم الجماعة بالسلاح, كما في “عذر” وساندتهم حتى نهاية الحرب, التي أوقفتها لجنة الوساطة, وكسبتها “عذر” ضد “العصيمات” قبليا, وإن كانت قبليا دورها أقل من ثانوي, أقصد لم يحدث استنفار قبلي واسع, وإنما قاتل المقاتلون مع “الأحمر” طمعاً في المال والذخيرة, ولتكن, (عذر” كسبت الحرب قبليا ضد “العصيمات” والحوثي كسبها ضد “آل الأحمر” قبليا وسياسيا.
هذه الحرب إن دلت على شيء, فإنها لن تدل سوى على كيف أن “حاشد” لا تزال تعيش مرحلة ما قبل 26 سبتمبر, وأنها لم تعرف الى الآن شكل دولة الجمهورية اليمنية التي ضحت كثيرا في سبيلها خلال الثورة.

زر الذهاب إلى الأعلى