فضاء حر

المسافة التي يتوجَّب على الإصلاح تجاوزها كي يتجاوز “محنته”

يمنات
“بإمكاننا أن نكون حكماء لا حمقى، وأن ننثر على طاولة الحوار كل ما في النفوس والعقول من أفكار ورؤى إيجابية تعين على الحفاظ على ما تبقى من سقف الدولة قبل أن يسقط على رؤوس الجميع لا سمح الله..!”.
بهذه اللهجة، عاد محمد اليدومي في أول تصريح إعلامي له بعد أحداث 21 سبتمبر، وهو التصريح الذي نشره على صفحته في فيسبوك بعد فترة انقطاع استمرت منذ 9 سبتمبر. منشور رئيس حزب الإصلاح حمل لغة إيجابية ودعوة إيجابية أيضاً “للتفكير الجاد والعميق في الآلية المثلى لإنجاح وتنفيذ وثيقة السلم والشراكة الوطنية إنقاذاً لبلادنا وشعبنا من ماهو أسوأ مما نحن فيه، وكفى بالعراق وسوريا نذيراً وواعظا..!”.
و بمثل هذه الإيجابية في الخطاب، نتمنى أن يستأنف الإصلاح كحزب نشاطه على الأرض.
لم يترك لنا الإصلاح أي رصيد من الثقة ولا الأمل بإمكانية حدوث تغيير إيجابي داخله، لكنْ نتمنى أن يفعل الآن: نتمنى أن يستفيد من كل الأخطاء والسلبيات التي راكمها خلال مسيرته على جانبي الطريق وفي قلب الطريق نفسه حتى سدّتْ طريقه وطريق البلد كله. ونتمنى أن يستفيد من درس المحنة التي مرّ بها مؤخراً ومعه البلد كله، كي يتجاوزها. “ولكي نتجاوز المحنة التي نحن فيها- يقول اليدومي- لابد أن نعقل أنه لايمكن للحقد القاتل ولا للسلبية المتخاذلة ولا للتفرق المذموم ولا للتناحر المستمر ولا للقوة العمياء ولا للغباء السياسي؛ كل ذلك لا يمكن أن يسهم في تجاوز مانحن فيه..!”.
وكل ذلك- أقصد كل ما ذكره اليدومي هنا- أمورٌ ارتبطت بالإصلاح وإنْ كانت لا تخصه وحده. لهذا، لا يمكن للإصلاح أن يتجاوزها إذا لم يعترف بها، وبصراحة. كما لا يمكن لبقية الأحزاب السياسية والقوى والجماعات الفاعلة في الساحة وفي مقدمتها جماعة الحوثي أن تخرج بالبلد إلى طريق إذا لم تساعد الإصلاح على مغادرة محنته واستئناف سيره على الأرض بطريقة مختلفة عن تلك التي سار بها كل السنوات والعقود الماضية بأجنحة عسكرية وقبلية لم تحلق به ولا بالبلد في أي سماء بل هوت به وبالبلد الى هذا القاع الذي نقبع فيه.
الإصلاح كحزب يظل جزءاً من الحياة السياسية في هذا البلد. وأياً تكن مساوئه ومساوئ الأحزاب كلها، إلا أنها تظل شرطاً من شروط انتقال اليمن الى بر الأمان (إنْ كان قد تبقى في رصيد حظ هذا البلد شيء يسمى “بر الأمان”)، إذ أن البدائل التي ستحل محل الأحزاب لن تكون على الأرجح سوى “جماعات” ومكونات قبلية او مناطقية لا يمكنها أن تحمل مشروعاً وطنياً لم تحمله وتنفذه الأحزاب.
لم يعد أمام اليمن فرص كثيرة ولا آفاق، لكنْ مهما أطبق اليأس بقبضته على خناق الناس والأحزاب والبلدان، تظل هناك يدٌ رحيمة تحاول تحرير الرقاب من قبضة اليأس الخانقة، وهذه اليد الرحيمة هي: يد الأمل.
فهل ما يزال هناك أملٌ في “الإصلاح”؟
نعم، إنْ كان ما يزال هناك أملٌ في بقية القوى السياسية وفي البلد.
لكنْ، هل سيفعلها الإصلاح ويتجاوز محنته ويسهِم في تجاوز محنة البلد؟
نعم، إنْ تجاوز المسافة والهوّة الكبيرة بين القول والعمل.
هذه هي المسافة التي لم يتجاوزها الإصلاح قط، بل إنها المسافة التي يبدو أنه لم يفكر بتجاوزها قط، فهل سيتجاوزها الآن بعد كل ما حدث؟
إنْ فعل، فالمسافة بين اليمن وبرّ الأمان ستصبح قابلة للقياس..
من حائط الكاتب على الفيس بوك

زر الذهاب إلى الأعلى