العرض في الرئيسةفضاء حر

عدن حلبة مصارعة مرّة

يمنات

رؤى الصوفي

منذ يوليو من العام الفائت، أعلن الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته، من الرياض، محافظة عدن محافظة محرّرة حسب وصفهم، إثر إخراج الحوثيّين منها وما بعدها، وصولاً إلى كرش، حيث الحدود الشطرية ليمن ما قبل 1990، والتي توقّفت عندها عربات ومدرّعات السعودية والإمارات. ومنذ ذلك الحين، دخلت المحافظات الجنوبية، وخصوصاً عدن، مرحلة أخرى، معقّدة وشائكة، تسيطر عليها فيها انفصامات سياسية متعدّدة، جعلت الصورة القادمة منها متعدّدة الأوجه والمواقف، وكأنّها أصبحت بيد “التحالف” حجر نرد، على وجوهه الستّة صور مختلفة، ما بين أنصار الشرعية، وجماعة فكّ الإرتباط ، و”أنصار الشريعة” و”داعش”، وبقايا جهاز السلطة المحلّية، والأحزاب. وفي الوقت الذي كان يبدو فيه للسعودية والإمارات أنّهما قادرتان على التحكّم وضبط حركة حجر النرد حسب احتياجاتهما، أثبتت الوقائع أن مؤثّرات عدّة نشطت وتخلّقت، كان تأثيرها بارزاً على حركة النرد.

نستطيع أن نلاحظ بوضوح، خلال هذه الفترة، ثلاثة مشاهد، لها دلالاتها البالغة في فهم طبيعة التفاعلات؛ تعيين نائف البكري ومن ثمّ إقالته، ثمّ تعيين الزبيدي وشلّال وإسنادهما سياسيّاً وإعلاميّاً بطريقة مبالغة فيها، ثمّ تقويض سلطاتهما وحضورهما وأهمّيتهما، لصالح هاني بن بريك، قائد الحزام الأمني لعدن، ووزير حكومة هادي!

ستصل هذه الإشتباكات، ذات المظاهر المتعدّدة، مرحلة أخرى أشدّ فوضوية

 يمكن أن نفسّر هذا الأمر بتفاعلات وتصادمات مشاريع عدّة في عدن، بطريقة دراماتيكية. تصادمات بدت، ابتداءاً، قليلة الخشونة والرعونة عند إقالة البكري، الذي لم يستمرّ في منصبه أشهراً، إلّا أنّها باتت، الآن، أكثر ضراوة مع انفجار حالة الاغتيالات، وتعطيل الخدمات، بصورة عكست، وبوضوح، إلى أيّ حدّ أصبحت مدينة عدن خارج السيطرة، وغير آمنة، لمن اعتقدوا أنّهم بذلوا جهداً عسكريّاً وسياسيّاً لإخراج الحوثي منها. وحتماً، ستصل هذه الاشتباكات، ذات المظاهر المتعدّدة، مرحلة أخرى أشدّ فوضوية، خصوصاً في ظلّ صلابة موقف الجميع الرافض لزحمة اللاعبين، ما يجعل الأمر يشبه حلبه صراع صغيرة، تكتظّ بالمصارعين، وجائزة المنتصر لا تقبل القسمة على اثنين، لتصبح عدن “حلبة المصارعة المرّة”.

يمكن القول إن “الإصلاح”، في هذه المرحلة، هو المرشّح الأبرز للتقدّم في المرحلة القادمة بعد تعرّضه لضربات عدّة، وفي الوقت ذاته، تآكلت فرص توسّع قوّة ونفوذ عيدروس وشلّال، لتبقى محدودة بقدر ما تريده السعودية والإمارات، التين يبدو أنّهما استقرّتا، مؤقّتاً، على جعل هاني بن بريك، ذي التوجّه السلفي، الرجل الأوّل لهما في عدن. وهنا، سيبدو من الصعب جدّاً توقّع الإستقرار في عدن، على المديين القريب أو المتوسّط، أو حتّى على المستوى الطويل، إن ظلّت المدينة بين أيدي هذه المجاميع المتخبّطة والفاشلة، التي تحاول خلق سلطات حكم خارج فكرة اليمن الجمهوري الديمقراطي الموحّد، والذي تُعتبر عدن عاصمته الإقتصادية. ولا يبدو أن شرعيّي الرياض يأبهون لهذا الفشل المدوّي في عدن، والذي أصبح حجّة عليهم لا يستطيعون التملّص منها. كذلك، يبدو أن السعودية والإمارات باتتا تقبلان كلّ النتائج المأساوية في هذه المدينة، إذا كانت تكلفة لتوسّع سلطة فتى معهد دمّاج المدلّل، هاني بن بريك!

عن: العربي

زر الذهاب إلى الأعلى