أخبار وتقاريرالعرض في الرئيسة

كيف وئدت ثورة فبرائر .. “محسن” انسل من جوار “صالح” و”الزنداني” قدم مبادرة الحوار وأولاد الأحمر مطالبين بنصيب والدهم والاصلاح منح صكوك الغفران

يمنات

فائز الأشول

في أولى التظاهرات العفوية مطلع العام 2011 م كان الرئيس علي عبد الله صالح مع 44 من أركان نظامه في لافتة واحدة، حملها شباب وشابات وسط مدينة تعز. و هتفوا عبر مكبرات الصوت برحيل القائمة. ليلتحق بعدها الشارع اليمني في صنعاء وبقية المدن ويرسموا مشاهد ثورة عفوية.

هتفت الساحات والميادين العامة بإسقاط النظام لتأسيس دولة مدنية. في وقت كان اللواء علي محسن الأحمر وجنرالات الجيش والأمن كافة بجوار الرئيس صالح. وكان أبناء الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر يمارسون ضغوطاً لتسلم نصيب والدهم في الثروة والسلطة، فيما قيادات أحزاب المعارضة تندد بعزوف الحاكم عن الحوار معها.

تقدم الشيخ عبد المجيد الزنداني في الـ 17 من فبراير بمبادرة تضمنت الدعوة لحوار فوري بين الأحزاب وتشكيل حكومة وحدة وطنية. لم يلتفت شباب الثورة لحسابات الساسة ومشائخ الدين والقبيلة.

واصلوا الإعتصامات والمسيرات بعنفوان أدرك معه شركاء صالح أن النظام على مشارف السقوط. لتظهر ملامح التململ على وجوههم في الإجتماعات المتعاقبة مع الرئيس صالح كمن يبحثون عن مخرج طوارئ ولا تنقصهم سوى الذريعة.

شركاء الأمس .. خصوم اليوم

في الـ 18 من مارس عام 2011 م قتل 56 متظاهراً في ساحة التغيير بصنعاء برصاص مسلحين ملثمين عقب صلاة الجمعة التي أطلق عليها “جمعة الكرامة “. وعلى إثر تلك الواقعة تقافز المئات من المسؤولين الحكوميين وقيادات في الحزب الحاكم من سفينة صالح معلنين استقالاتهم والإنضمام إلى ساحات الثورة التي أطبق عليها “حزب الإصلاح” بشبابه وأيدلوجيته وماله.

إستقبلتهم الهتافات “حيا بهم حيا بهم”، ليزاحموا الشباب في الخيام ويعتلوا المنصات ويهتفوا للثورة وإسقاط النظام الذي حصروه في صالح وعدد من أفراد عائلته. أما هم فقد دخلوا مغسلة الثورة ومنحهم “حزب الإصلاح” صكوك غفران من فسادهم السابق مقابل إزاحة رأس النظام والإستفادة من خبراتهم في ترتيب نظام قادم.

لم يقدم اللواء علي محسن استقالته عشية “جمعة الكرامة”، بل انسل من جوار صالح ليعقد اجتماعاً مغلقاً في إحدى الفلل بجوار مقر الفرقة الأولى مدرع. تم التوافق خلاله مع قيادات “حزب الإصلاح”، بجناحيه الديني والقبلي، على تولي الجنرال محسن ملف الجيش وتجريد صالح من القوة العسكرية وتوظيفها في خدمة “الإصلاح” الذي استعد مبكراً لـ”الثورة” وتولي السلطة. بعد مضي 3 أيام من مجزرة جمعة الكرامة بعث الجنرال محسن العقيد عسكر زعيل بـ “.C.D” إلى مراسل قناة “الجزيرة” ليطل على شاشتها قائد المنطقة الشمالية الغربية قائد الفرقة الأولى مدرع، صبيحة الـ 21 من مارس 2011 م، معلناً تأييده للثورة السلمية ومتعهداً بحماية ساحات الإعتصام.

إنفرط عقد النظام ولحق بالجنرال محسن العديد من قيادات الجيش والأمن بينهم قيادات رفيعة من مسقط رأس النظام، كاللواء محمد علي محسن، واللواء صالح الضنين، واللواء عبد الله القاضي، ونجله البرلماني محمد القاضي، وحامد أحمد فرج.

صعق الرئيس صالح وهو يشاهد ويسمع بيان انقلاب الرجل الذي شاركه السلطة 33 عاماً بصلاحيات لا تقل عن ما كان يتمتع بها.عاش لحظة يوليوس قيصر (حتى أنت يا بروتس؟!)، لكن صالح لم يمت ولم يتخل عن السلطة. بل مثلت له تلك الإستقالات الجماعية سلاحاً لمواجهة خصومه ليلملم أنصاره ويحثهم على الصمود، معتبراً ما حدث “تطهراً لنظامه وحزبه من الفاسدين”.

تصدر شركاء صالح بالأمس، خصومه اليوم، المشهد الثوري، لينكشف لهم أن صالح لا يزال قوياً، وأن المسيرات المطالبة بإسقاطه طال أمدها. لجأوا إلى خيار المواجهة العسكرية وفتحت مخازن الفرقة والمنطقة العسكرية السادسة لتسليح قواعد حزب “الإصلاح”. تولى الشيخ منصور الحنق مهاجمة معسكرات الحرس الجمهوري في أرحب، وتولى الشيخ حمود المخلافي والعميد صادق سرحان مهاجمة معسكرات الحرس ونقاط الأمن في تعز. كما كلف الحسن أبكر وأمين العكيمي بفرض سيطرتهم مع مسلحي “الإصلاح” على الجوف. وأسند للعميد حميد القشيبي تدريب شباب “الإصلاح” في معسكر اللواء 310، وتحولت جامعة “الإيمان” إلى معسكر للسلفيين ورجال القبائل يديره العقيد هاشم عبد الله الأحمر، الذي رافق الرئيس صالح 5 سنوات كقائد لحرسه الخاص.

ندد المثقفون والكتاب وبعض قيادات أحزاب اليسار وفصائل من شباب الساحات بحرف مسار الثورة وعسكرتها. ولكن دون جدوى، فـ”حزب الإصلاح” قد أمسك بكل خيوط الثورة وإدارة دفتها.

نافورة مياه آسنة

في الـ 23 من مايو عام 2011 اندلعت المواجهات بين الوحدات الموالية للرئيس صالح والمسلحين التابعين لأبناء الشيخ عبد الله الأحمر في حي الحصبة بصنعاء. وفي الـ 29 من مايو أعلن “الجيش المؤيد للثورة” البيان رقم 1، والذي قرأه وزير الدفاع الأسبق عبد الله علي عليوه، من مكتب الجنرال محسن في قيادة الفرقة الأولى مدرع. صدامات مسلحة بين آل الأحمر المختلفين على السلطة والثروة، وبيان انقلاب باسم الجيش قضى مع مهاجمة المعسكرات على سلمية الثورة. أعقب ذلك تفجيرات في دار الرئاسة ومسجدها في الثالث من يونيو العام نفسه، قتل فيها العديد من المسؤولين الذين فضلوا البقاء في سفينة صالح. فيما هو أقلته طائرة إخلاء طبي إلى الرياض ليخضع للعلاج شهوراً. ولم يسقط النظام. مسيرات وحشود في الستين وحشود مضاده في السبعين، حتى عاد صالح، لا ليتخلى عن السلطة، ولكن لـ”يواجه التحدي بالتحدي”، وعندما أفرغت الثورة من مضمونها وفترت همم الثوار ذهب الشركاء المنقسمون إلى السعودية ليجددوا عقد المحاصصة (المبادرة الخليجية) في الـ 23 من نوفمبر عام 2011م. وهتفت قواعد “الإصلاح” في الساحات بـ”انتصار الثورة وخلع صالح”. لحظتها استفاق الكثير من شباب الساحات والميادين من أحلام ثورية مغدروة على يد تحالفات مذهبية وقبلية وعسكرية، ولفيف من الإنتهازيين تتبدل مواقفهم تبعاً لمصالحهم، كنافورة مياه آسنة.

تقاسم الغنائم

في الـ 21 من فبراير عام 2012 أعلن فوز عبد ربه منصور هادي بمنصب رئيس الجمهورية، بانتخابات هو مرشحها بدون منافس. توافقت أطراف الصراع على هادي وكل طرف حسبه الأقرب إليه والأضعف الذي يحكم ولا يتحكم. توافق الجميع باستثناء “شباب الثورة” على تشكيل حكومة وحدة وطنية يرأسها مرشح من أحزاب “اللقاء المشترك”، فكان محمد سالم باسندوه، الذي أعده “الإصلاح” والراعي الأول لـ”الثورة”، الشيخ حميد الأحمر، الذي اختار باسندوه أميناً عاماً للجنة الحوار التي شكلها عام 2007. ليتحكم في العام 2012 في رئاسة الحكومة بتعيين الموظف في شركة “سبأفون”، سالم بن طالب، مديراً لمكتب رئيس الوزراء باسندوه. ودشن حميد الأحمر مع “حزب الإصلاح” مرحلة الإقصاء في معظم الأجهزة والمكاتب الحكومية وإحلال كوادر الحزب. كما تمت إزاحة القيادات العسكرية المحسوبة على صالح وإحلال قيادات موالية لهادي و”الإصلاح” في عملية بدأت عام 2013 وأطلق عليها “هيكلة الجيش”، وأفضت إلى تخطف الجيش النظامي ونهب معسكراته من قبل المليشيات المتصارعة.

كلهم نظام سابق

رفضت “أنصارالله” المشاركة في حكومة باسندوه، ليس زهداً في السلطة ولكن طمعاً بنصيب الأسد فيها. تفاقم الصراع بين حزبي “المؤتمر” و”الإصلاح”، وتنامى نفوذ “أنصار الله”، ليحل في العام 2014 عبد الملك المخلافي وعبد الوهاب الآنسي وسلطان العتواني والشيخ حسين الأحمر وأحمد عبيد بن دغر، ضيوفاً لدى عبد الملك الحوثي في مران. ومع تشييع جثمان المؤسس حسين بدر الدين الحوثي، تحولت صعدة إلى محج لطلاب السلطة ومغانمها، وتحول ضريحه إلى مزار. كما استقبل مقيل هادي قيادات “أنصار الله”، كمهدي المشاط ويوسف الفيشي ومحمد عبد السلام وصالح الصماد. وتبدأ جولة صراع بين شركاء الثورة، ويتقافز الكثير من سفينة “الإصلاح” إلى سفينة “أنصار الله” القوة الفتية في الساحة. لم يستمر بقاؤهم في السفينة طويلاً، فمع بدء السعودية حربها في اليمن شدت الرحال إلى الرياض، وشهد “حزب المؤتمر” موجة نزوح جديدة.

ولم يبق إلا القليل بجوار صالح، الذي صار يلخص رحلات الحج لمن كانوا من أركان نظامه وحاشيته وشركائه بقوله: “يتحدثون عن النظام السابق… كلهم نظام سابق”.

المصدر: العربي

للاشتراك في قناة يمنات على التليجرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى