العرض في الرئيسةفضاء حر

كم يكتظ المجتمع بالاوغاد..؟

يمنات

وائل جميل

زاني.. زاني.. زاني !

هذا ما كنت اسمعه من قبل مجموعة شباب غاضبون وهم يضربون أبواب سيارة “مُرسديس” مسرعة، قرب جولة “حدة الزبيري”، بعد فرارها من حارتهم!

كُنت في طريقي عصر اليوم الى شارع المطاعم، لتناول وجبة العشاء كعادتي، وبينما وانا بعد الجولة، تفاجئت بشباب يركضون خلف سيارة .. صعدوا فوقها .. انهالوا ضربا على ابوابها وزجاجها، وبفعل اكتظاظ الشارع بالسيارات، عجزت الفتاة السائقة ان تفر، الامر الذي اضطر شاب ان ينزل منها .. محاولا ان يوقف جنونهم، فجنو اكثر، وأفرغوا جنونهم فوقه، وسحبوه الى حارتهم وهم يصرخون .. زاني .. زاني!

الله كم يكتظ المجتمع بالاوغاد..

الفتاة باشرت بالفرار بالسيارة، بعد ان حظت بفرصة الهرب، لتلاشُي الزحمة امامها والشاب اصبح ضحية .. في متناول أفواه التخلف، تتقاذفه الكثير من الأيادي العنيفة، ونظرات ومفردات جماعية بذيئة جهنمية نحوه..

شعرت بالشفقة، وبنعرة سخط ورفض نحو ممارستهم وعنجهتهم .. ودون ان اشعر وجدت نفسي بجوار الشاب، أدافع عليه .. الشاب ظريف جدا .. وقد اصبح ضعيفاً، وبفعل هوشلية الجميع، وتطرفهم وتعصبهم، كانت فكرة التفاهم، امراً مُستحيلاً .. تلقيتُ بعضاً من الضرب المبرح، قادتني انسانيتي الى المستعمرة، وجدت نفسي قرب حارتهم، وما ان وصلنا حتى وجدنا العمالقة منتظرين، باشروه بالضرب مُجدداً..

الله كم يكتظ المجتمع بالاوغاد..

يا بن الزانية، جالس تلعب بالبنت فوق السيارة وبحارتنا، كماااان..

يا بن الزانية: وين البنت، وين السيارة..؟!

يا ابن الزانية مع صفعات وركلات شديدة، كُنت اشعر انها ألاف من السهام النارية، تخترق صدري، كان كل من يحاول ان يدافع عنه، يصرخون هذا زاني..!

فتتوقف عنه سُبل وسواعد المساعدة .. الشاب يود ان يتحدث وان يوضح الامر، ثم تلقى ضربات على بطنه، فأنقطع صوته بالمرة، كان يبكي ويذرف الدموع الحزينة، ويلتف كثعبان في قاع حارتهم .. وعبارات التشدد والتخلف ترتطم بنا .. ماعندك شرف .. ماعندك عار..

حزين انا كـ هو تماماً، يالها من لحظة..

“زاني .. زاني”..

يُرددها الشباب منهم الاطفال، الجميع يحتشد ليشاهد، لا انسانية نشعر بها، تتوقف اقدام المساعدين .. الحارة تحولت الى حلبة مصارعة دامية..

“زاني .. زاني”..

تُعطش حتى العابرين بالمشاركة لضرب الشاب وطرح بصماتهم فوق جسده، لنيل الأجر! .. سُحقاً من اجر..

“زاني .. زاني”..

تجعل شباب الحي يتسألون:

لما لا نضربه اكثر..!

“زاني .. زاني”..

جعلت شفة الشاب السفلى، مرتخية على الازفلت، ولسانه مملوءة بالتراب .. يهمس، يود ان يقول شيئاً، اسمعه جيداً، لكن “زاني .. زاني”، كانت قوية مبتهجة ومنتصره..!

كُنت احوم امامهم وهو خلفي .. احاول ان اتحدث ومحاولاً بجهد ان أهدي من نوبات جنونهم، اخلع عن خده الايمن يد، فتتدفق على خده الأيسر عشر أيادي اخرى .. ورأسي الى الأسفل كي لا اتلقي بجواره المزيد من العنف، كنت اصرخ:

يا عيال الزانية .. حرااام عليكم..

يا عيال الزانية .. حرااام عليكم..

صوت جهور من المقدمة، يطلب من الجميع التوقف وترك الشاب، رفعت رأسي منتصراً، فألتقفتُ “دقة”، فأخفضته الى الاسفل، كان ذلك صوت، هو صوت عاقل الحي .. ارتفعت الأيادي العنيفة، فصل الشاب عنهم، اخذه بعيدا، الى مكان مغلق، ليتحدث معه، ولم أفارق الشاب، ظل يسأل ويستفسر، والشاب قد اصابه التعلثم، وصوت الجميع خلفنا، زاني.. زاني!

الله كم يكتظ المجتمع بالاوغاد..

ظل العاقل يتحدث معه، بهدوء ولين بعد ان شاهد وجهه، يقدم إليه بعض النصائح والمواعظ، وهل ترضاه لأختك.. وإلخ..

حاول الشاب ان يفهمه، انه كان يتحدث مع خطيبته فوق السيارة ليس الا .. ولم يحدث ما قيل عنه … فسأله: اذا لما هربت بالسيارة..؟!

أجابه: انا من نزل لأقابلهم كي لا يكسرون الزجاج، نزلتُ بعد ان طلبتُ منها ان تذهب كي لا تتعقد الامور اكثر .. وهو يحدثه .. ادركت انني كُنت على صواب و انني لم اندم قط، رغم الكدمات التي في جسمي، بسببه!

سمح لنا بالمغادرة، و وقف في طريقهم يطالبهم بالهدوء .. ونحن على بُعد مسافة منهم، لا زالوا يصرخ الاوغاد، راني.. زاني!

باشرنا بالفرار كما باشرت حبيبته بالفرار سابقاً، مُسرعين الى الشارع، ويدي تسحبه بقوة .. كان ينظر لي ويشكرني ويسألني عن اسمي، وانا اصرخ فوقه، مش وقتك، خلينا نهرب من هنا!

وما ان وصلنا الى شارع الزبيري، حتى اوقفت له تاكسي، وفتحت له الباب وطلبت منه ان يصعد وقف واحتضنني بقوة .. احتضنه ورأسي الى الخلف، خوفاً من عودتهم .. صعد على متن التاكسي وانا أهمس في أذنه وشعوري بألم شديد في عُنقي، ساخراً:

المرة القادمة، حين تود ان تفعلها، فلتفعلها بشقة مغلقة، احترس حتى ان تصعد الى “العُشاش”، لقد عشت نفس موقفك هُناك، وعُدت الى المنزل مُنهك .. بلا رأس!

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى