تحليلات

هل ستقلب مغامرات “ترامب” المشهد في سوريا..؟

يمنات

عبد الوهاب الشرفي

كانت الاحداث في الغوطة قد بدأت تمهد وفق نتيجة لصالح الجيش السوري و حلفاءه وهذه النتيجة تحتسب خسارة لمحور الغرب بزعامة الولايات المتحدة كونها تحققت بعد معركة سياسية واعلامية كبيرة بين الولايات المتحدة و حلفائها وبين روسيا وحلفائها وكانت هذه المعركة هي الاعلى بين المعارك السياسية و الاعلامية بين الجانبين منذ معاركهما اثناء استعادة الجيش السوري لمدينة حلب .

كان للتصريحات الروسية العالية بأن الولايات المتحدة تخطط لافتعال مجزرة باستخدام الغاز لتستخدمها كمبرر للتدخل العسكري في سوريا ،  ومزامنه الحديث لاحداث الغوطة التي اشتعلت فجاة لتعيد المشهد ” السجالي ” في سوريا الى بداياته يقتضي ان الهدف الامريكي من ما تحدثت عنه موسكو هو التاثير على النتيجة في الغوطة ، او بعبارة اخرى محاولة التدخل لمنع خسارة المسلحين في الغوطة و سيطرة الجيش السوري وحلفاءه عليها ، وكان لهذه التصريحات الروسية اثرها في تفويت الفرصة على الولايات المتحدة كون تلك التصريحات المسبقة كانت ستلعب دورها في اضعاف الموقف الامريكي لدى الرأي العام في نسبته للعملية اذا ما تمت حينها للجيش السوري . وهذا بدوره منع وقوع العملية حينها منح الجيش السوري و حلفائه وقتا مكنه من استمرار التحكم في الحدث في الغوطة ورسم النتيجة لصالحه .

تفجرت بصورة مفاجئة ازمة بدات من بريطانيا مع روسيا كان عنوانها العميل ” سكيربال ” و التهمة التي وجهت للروس هي استخدام الغاز و تم تصعيد تلك الازمة بصورة دراماتيكية وفق مسار غير طبيعي اعتمد على ( الصورة المفزعة لاستخدام الغاز في اوربا لاول مرة منذ الحرب العالمية الثانية ) وليس سير طبيعي لتوجيه التهمة لروسيا بتنفيذ عملية الاغتيال ، وتمكنت بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا من تحقيق مكاسب سياسية بناء على تلك الصورة يمكن اعتبارها تحصين للراي العام ضد التصريحات الروسية باستخدام الغاز التي افشلت المخطط الذي تحدثت عنه روسيا من قبل ، ووفق مفهوم من يوجه التهم باستخدام الغاز لتمرير مخططه في سوريا هو وارط في استخدام الغاز في اوربا ذاتها ما يخلق حاجز بين تصريحاته المتهمة لامريكا وبالتبعية محور الغرب و بين الراي العام الغربي .

قبل ان تستكمل روسيا و الجيش السوري وحلفائه قطف ثمار التصريح الروسي الكاشف بنوايا استخدام الغاز في الغوطة وبالتبعية استكمال رسم النتيجة لصالحهم بصورة كاملة تعثرت الاتفاقات التي بموجبها يخرج المسلحون من الغوطة ويسلمونها للجيش السوري ، وبعد تداول اخبار عن اتفاق تم بين ” جيش الاسلام ” وبين الجيش السوري  لخروج عناصره من ” دوما ” الى ريف حلب يعلن عن تعثر هذا الاتفاق ويعود القصف الجوي  و المواجهات من جديد وبعد مايقارب اليومين يتم الحديث عن هجوم بالغاز تم في ” دوما ” كان ضحاياه عشرات المدنيين ، وبالتالي تعود النتيجة في دوما تحت تهديد جدي  واحتمال تغيرها ترتيبا على ردود الافعال الممكن ترتيبها على حدث مثل استخدام الغاز في ” دوما ”  .

عندما بنينا فيما سبق على التصريحات الروسية السابقة بنويا امريكية بافتعال مجزرة باستخدام الغاز لتبرير تدخل عسكري في سوريا فعلنا ذلك لان من يحتاج لمبرر للتدخل العسكري لتغيير سير الاحداث في سوريا هو محور الغرب فالمحور المقابل من روسيا و ايران وحزب الله جميعهم يعملون تحت غطاء دعوة رسمية من الحكومة السورية من جهه كما ان هناك اعتماد كامل لمحور الغرب على الجانب الانساني كاحد اسلحة المواجهه مع روسيا والحكومة السورية وحلفائها منذ بداية الاحداث في سوريا من جهة ثانية ، ومن جهة ثالثة كانت الولايات المتحدة قد استخدمت جريمة الغاز في ” خان شيخون ” سببا لتدخل عسكري مباشر في سوريا وضربت حينها مطار الشعيرات .

على غير ما كان الحال في خان شيخون باقرار الجميع بارتكاب مجزرة بالغاز بحق المدنيين وكان نقطة الخلاف هي من المسئول عنها يأتي الخلاف فيما يتعلق باخبار هجوم ” دوما ” حول الوقوع ذاته وفيما بين نسبة الغرب اخبار المجزرة لمصادر محلية ومنظماتية والبناء عليها وبين انكار الحكومة السورية و روسيا لوقوع حادثة باستخدام الغاز في ”  دوما ” اصلا و وصفتها الحكومة السورية بالاخبار المفبركة .

الموقف الامريكي ظهر متشددا للغاية و هدد على لسان ”  ترامب ” برد قوي على ( استخدام الغاز ) في ” دوما ”  بينما مواقف حلفاءه التي تميل اليه لكنها ليست بذات الحدة التي خرج بها الموقف الامريكي وكذلك ليست بذات الحدة التي صاحبت جريمة ” خان شيخون ” ، وفق ضوء كل ما سبق يظل السؤال هو… ماهو الرد الامريكي القوي الذي تحدث عنه ” ترامب ” الذي اتبع تهديده بتغريدة في ” تويتر ” باجتماع مع فريقه للامن القومي .

المسافة التي سيتمثل فيها الرد الامريكي القوي هي ما بين عقوبات اضافية على روسيا وايران الذي حملهما ترامب المسئولية عن توفير الغطاء للنظام السوري واستخدام الغاز ضد المدنيين ، ومرورا بضربة عسكرية محدودة كتلك التي تمت اثر جريمة ” خان شيخون ” ، وبين عملية واسعة سبق وان لوحت بها واشنطن في ضربة واسعة للنظام السوري وسيترتب عليها اخراج سلاح الجو السوري من معادلة الاجواء السورية وقصرها على سلاح الجو الروسي .

لا يمكن التوقع بكيف سيكون الرد الامريكي القوي تحديدا لكن سنذهب في قراءة العوامل المؤثرة على هذا القرار ، فمن جهة هناك عوامل عدة تدفع باتجاه العمل العسكري الواسع واهمها ان النتيجة في دوما اذا مااستكمل رسمها بايدي روسيا و الحكومة السورية وحلفائها فستكون ضربة اخرى قوية للغاية وربما اخيرة لتاثير محور الغرب في الملف السوري وسيكون ذلك بمثابة اعلان الخسارة الكاملة لمحور الغرب و الانتصار لروسيا و الحكومة السورية وايران وحزب الله ، كما ان معادلة الاجواء السورية اصبحت خطيرة من وجهة نظر الولايات المتحدة  والكيان الصهيوني في اثر تمكن الدفاعات الجوية السورية من اسقاط طائرات مقاتلة صهيونية  ، وكذلك ان ” ترامب ” قد اعاد صياغة ادارته خلال الفترة القريبة الماضية باستيعاب شخصيات من ” الصقور ” و الذين يقبلون او يدفعون باتجاه قرارات متشددة ومغامرة تجاه ملفات المنطقة ، اضف الى ذلك ان ادارة عملية بحجم ازمة ” سكيربال ” لن يتم الاقدام عليها دون ان يكون اتاحة الفرصة  لخطوات متشددة وقوية احد الاهداف .

بالمقابل هناك عوامل تلعب في الضد و تدفع باتجاه رد فعل ضعيف واهمها ان وضع الاخبار التي يعتمد عليها ضعيف فهي منسوبة لمصادر ولم تؤكدها اي مصادر حكومية غربية بصفة رسمية حتى اللحظة رغم بناء الولايات المتحدة عليها واطلاق التهديدات ، كما ان التحفز الروسي لمواجهة الاقدام على اي خطوة منتهكة في ذروته وبلغ لحد تصريح ” بوتين ” قبل اسابيع بان روسيا سترد على اي هجوم على روسيا او على حلفائها و تصريحات عسكرين روس بان روسيا سترد بضرب مصادر النيران في حال تعرضت قواتها في روسيا للضرب ، كذلك كان حديث ” ترامب ” في تغريدته عن ان الهجوم بالغاز تم في منطقة معزولة يستحيل الوصول اليها وطالب بسرعة فتح المجال لايصال المساعدات لها حديثا مضعفا لتهديده برد قاسي ، ايضا ان حلفائه لحد الان على الاقل لا يشاطرونه ذات الحدة في ردود الفعل تجاه اخبار الهجوم بالغاز في ” دوما ” ، كما ان توجه روسيا بعد تحذيراتها من الاقدام على اي انتهاك بناء على ذرائع مختلقة لمجلس الامن بطلب للنضر في تهديد الامن و السلم الدولين سيمثل اعاقة اضافية امام الرد الامريكي ، اضف الى ذلك ان جدوى رد الفعل ليست جيدة بعد الاخبار عن التوصل لاتفاق جديد لخروج ” جيش الاسلام ” من ” دوما ” بل واعلان روسيا انتهاء العمليات العسكرية فيها  .

في ضوء ما سبق يمكن توقع ان سقف الرد الامريكي المتوقع هو دون الضربة العسكرية الواسعة في سوريا و لا يتجاوز فرصة الرد بضربة محدودة كالضربة السابقة لموقع او عدد محدود من المواقع العسكرية السورية . و ” ترامب ” يناقش الرد الان  مع مستشاريه للامن القومي والجميع بانتضار مالذي سيقدم عليه في ضل تشويق كبير  لمغامرات ” ترامب ” التي  تفتح الاحتمال على كل شيئ .

المصدر: الغاية نيوز

زر الذهاب إلى الأعلى