العرض في الرئيسةفضاء حر

من أرشيف الذاكرة .. عن الانحطاط القيمي لمجلس النواب

يمنات

أحمد سيف حاشد

– هل أنا المريض أم هم..؟! هل فسدت الحياة إلى هذا الحد..؟! لا يعقل أن يكون المجتمع في مجمله، و ممثليه في مجلس النواب، مرضى ومعتلِّين، و أنا الوحيد الصحيح المعافى بينهم..؟! قيل أن المجنون يرى نفسه عاقلا و مدركا للحقيقة، و ما عداه يراهم لا يملكون عقلا أو هم في العقل دونه..؟! هل أنا معتل بالجنون..؟! أم هو الحال كما قال عبد الله القصيمي “أقسى العذاب أن توهب عقلًا محتجًا في مجتمع غير محتج”.

– لماذا “رسول حمزاتوف” يسأل: كيف لك أن تكون بخير في هذا العالم المريض؟! أو ما عبر عنه عمرو الجندى بلهجته المصرية حالما قال: “إحنا عايشين فى مجتمع مريض نفسيًا لا عايز يتعالج ولا عايز حتى يعترف إنه مريض”. أم هو الشعب الذي أنتخب الفاسدين والانتهازيين والمحتالين، والذي قال عنه “جورج أوريل” ليس ضحيه، بل هو شريكا في الجريمة”.

– لماذا قال تولستوي “إذا أردت أن تتعمق في الأشياء فلن تصل إلا إلى زيادة آلامك” أو ما عبر عنه بكلمات أخرى “مارك توين” عندما قال: كلّما زادت معرفتي بالناس، زاد تفضيلي وحبي لكلبي..!! ما الذي جعل الفيلسوف الألماني نيتشه يقول: “كل ما في الدنيا كذب في كذب، أنا الحقيقة الوحيدة ” … هل كل هؤلاء الكبار مرضى و معتلّين! أم إنهم يقولون الحقيقة أو على الأقل بعضها..؟!

– لماذا جميع من حولي في مجلس النواب يزخفون، و هم قادرين على الطيران، بل و أيضا قادرين على التحليق عاليا..؟! لماذا أنا آكل شعر رأسي لمجرد بقائي في قاعة مجلس النواب ساعة زمن من مشاهدتي و متابعتي لإدارة هيئة الرئاسة للمجلس، و هي تهيننا و تستهتر بعقولنا، و تخبص بما يعافه الضمير، و يمقته الذوق، و تزدريه الشهية، فيما كثير من زملائي الأعضاء من أساتذة جامعة، و حاملين شهادات عليا، و ألقاب علميه، و رجال دراية و ثقافة، يستحملون هذه الرئاسة الثقيلة مدة ثلاث سنوات طوال و متوالية..؟! بل و الكارثة يعيدون انتخابها للمرة الثانية و بنسبة عالية جدا..

– لماذا اسمع كثير من الزملاء على مدار الثلاث سنوات و هم يغتابون رئاسة المجلس، و يتبرمون منها، بل و يلعنونها، و عندما يأتي موعد استحقاق تغيريها، لا يغيرونها، بل ينساقوا في انتخابها كالقطعان، لأن أحزابهم فقط هي من أمرتهم أن ينتخبوها .. كيف للمرء أن يرمي بعقله و ضميره إلى خلف ظهره و قفاه، و يتحمّل كل هذا النفاق الوخيم، و ينفذ كل تلك الأوامر الحزبية التي لا تطيق تحمّلها حتى الصخور الصلدة و الأحجار الكبيرة..؟!

– هل أنا أحد الحالمين الذي قال عنهم باولو كويلو “لا يمكن ترويضهم ابداً”. أم هو الضمير الذي دعانا إليه “فينسنت فان غوخ” ليكون بوصلتنا، أم نحن التعساء و الأشقياء الذي تحدث عنهم ميخائيل نعيمة بسبب رقة احساسنا و رهافة مشاعرنا..؟!! أم يا ترى نحن كل هذا..؟!

– كيف يجرؤا الكثير من النواب أمام قنوات التلفزيون و منابر الإعلام و قاعة المجلس على التحدث بسقف عالي انحيازا لمطالب و احتياجات الشعب و تطلعاته، و خلف الكواليس تجدهم يغدرون به، و يثخنونه طعنا، من ظهره وقفاه، على نحو دني و غادر..؟!!

– كيف لنواب و شيوخ حزب الإصلاح، و أبطال الشريعة الإسلامية و المصدر الوحيد، يتركون لجنة تقنين الشريعة الإسلامية تبحث عن أعضاء و لا يأتيها إلا سبعة، و يهرعون إلى غيرها من لجان “الدسم” في المجلس .. و مثل هذا يقال أيضا عن لجنة العدل التي لم يختارها من قوام 301 عضو غير خمسة أعضاء لا سواهم .. هل صار العدل بخسا و منفرا إلى هذه الدرجة..؟!!

– كيف لعضو برلمان اشتراكي معارض يمتنع عن التصويت في قضية هامة و لصالح فساد السلطة..؟! و في أخرى يحثني على إعادة انتخاب الشيخ عميد يحيي الراعي إلى هيئة رئاسة المجلس بعد فشل هذه الرئاسة طيلة ثلاث سنوات ماضية .. كيف يتجرأ أن يمتدحه أمامي..؟! ماذا جرى لينزلق بعض هؤلاء إلى هذا المستنقع الموحل و العميق! أم هي صخرة المصلحة الشخصية التي قال عنها توفيق الحكيم إنها دائما ما تتحطم عليها أقوى المبادئ.

– ظاهرة التهريب و التجارة بالأطفال و الجنس و الزواج السياحي و تحطيم قلوب عذارى اليمن، ظلت جرائم مستمرة بحق شعبنا فيما مجلس النواب ظل لفترة طويلة مترددا أو محجما عن مناقشة الأمر، فضلا عن احجامه عن إيقاف تلك الظواهر و الجرائم بحق شعبنا..

– بعد ثلاث سنوات من عضويتي في هذا المجلس، و عن هذا و غيره من الانحطاط القيمي، كتبت شهادتي في العام 2006 و نشرتها في صحيفة المستقلة و إليكم نص ما كتبته:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مجلس النواب .. نظرة من الداخل

شهادة يوثقها النائب المستقل أحمد سيف حاشد

– ماذا تفعل عندما تكون عضوا في مجلس النواب و يجتاحك شعور يومي داهم بأنك تغرد خارج السرب ليس لأنك مريض أو مصاب بانفلونزا الطيور، و لكن لأن الأمراض الفتاكة تعيث و تلوث و تستبيح أقاصي روح هذا المجلس الذي صار أكثر نوابه نوائب دهر لا يجيدون غير جلب مزيد من الطحن و الفاقة و الوبال الماحق لهذا الشعب..؟!!

– ماذا تفعل إن كنت عضوا في مجلس نواب و أنت ترى الفساد يتغول و يتوحش كل يوم في دهاليزه و ردهاته و لجانه ليفترس الحد الأدنى من مبادئ الطهر و الأمانة و بقايا الضمير فيما تجد نفسك مقصيا أو مضيقا عليك في محبس من نار و سقف من حديد صنعه لك الفاسدون و المفسدون..؟!!

– لست غارقا بالأناء و لا أرى في نفسي مثالا و لا أنا طالب لمستحيل، و لكن يهولني ما يحدث، و يمزقني الألم و أنا أرى زملاء أعزاء يتساقطون إلى القاع بعد أن كنت أرى فيهم قامات نخيل، و شماريخ نجوم، و أرى آخرين يتفاصحون أمام عدسات الكاميرا، و يمثلون أبطالا و فرسانا و سوبر مان أمام الشعب، دون أن يخجلوا من أنفسهم، و هم في الزوايا المعتمة و المخابئ المستورة يتسابقون على السقوط المريع تحت مخالب الفساد، طالبين فتات مصالح مساحة أكبرها أصغر من خرم إبرة أو سم خياط مقابل التفريط بمصالح شعب و وطن..

انتخابات هيئة الرئاسة

– لقد راعني ما دار خلف كواليس المجلس عند انتخاب هيئة الرئاسة من تشابك و تأطير عصبيات حزبية و مناطقية و مصالح سياسية و اقتصادية مستحكمة ليفضي هذا التشابك المعقد في نهاية المطاف إلى إعادة انتاج و تكريس هيئة الرئاسة السابقة، و يحدث هذا في ظل انهيار قيمي صادم، و بقاء عصبيات ماكنت أظنها على هذا القدر من السطوة و الاستحواذ على بصر و بصيرة نواب كنت أرى في بعضهم إشراقات أمل نادرة، و إذا بي أكتشف أنني ساذج و عبيط بلا حدود.

– نعم .. لم تكن تخامرني ذرة شك واحدة في أن أغلب أعضاء المجلس سيسقطون صخراً و إذا بي أجد نفسي تكتشف كم هو هذا المجلس تابع و مستعمر و مأزوم الضمير.

– ما كنت أتصور أن معارضي الشيخ عبد الله سيكونون بعد فرز صندوق الاقتراع السري الحر و المباشر أكثر من (28) صوتا .. لا لشيء إلا لأنني ظللت مجبراً أسمع طيلة الثلاث سنوات الماضية من معظم الذين أعادوا انتخابه إنه عقبة كأداء تقسم ظهر المجلس، و تعيق أداءه و إنجاز مهامه، و في برهة زمن ينقلب الحال، بل وجدت كثيراً من هؤلاء يعتبرون استمرار الشيخ على رأس المجلس مسلمة مثل جبل أحد لا يحتاج جدلاً أو نقاشاً أو حتى سؤالاً..

– و لا يختلف الأمر كثيراً مع اللواء يحيى الراعي فقد كنت أسمع عنه خلال الثلاث سنوات التي انقضت من أعضاء حزبه الصماصيم بأنه وبال المجلس و كارثته. و إذا بي اكتشفهم قبل الانتخاب يقلبون الصحن، و يتكلمون في فضائله أكثر مما تكلم المسلمون السنة في فضائل الصحابة رضوان الله عليهم؛ و أعيد انتخابه ليحتل المرتبة الثانية من الأصوات بعد الرئيس و بأريحية ما كانت تخطر على بال من سمع تلك الشهادات قبيل الاقتراع..

انتخاب اللجان

– أما في انتخاب لجان المجلس فقد شاهدت رغبة جامحة لعدد من الأعضاء تتجه بدون حذر أو هدى نحو لجان الدسم، و هو مصطلح أستخدمه الأعضاء في إشارة منهم إلى لجان النفط و المالية و الخدمات..

– و بالمقابل وجدنا القائمين على الأمر في المجلس يقصون أعضاء من هذه اللجان مثل عبد الكريم شيبان و ينقلوهم إلى لجان أخرى .. و هرشت رأسي حتى أدميته لأجد تفسيراً مقبولاً أو سبباً يبرر هذا النقل، فلم أجد غير أن من تم إقصاؤهم كانوا أكثر خبرة و دراية و معرفة في اللجان التي عملوا فيها ثلاث سنين و أقصوا منها لأنه لا يراد لهم فضح الخروقات و التصدي لها في لجانهم التي غالباً ما يتم التستر عليها و ايصاء المجلس بتمريرها أو اقرارها .. فيما نجد آخرين يتنقلون بين اللجان كالطواويس و يطلبون لبن العصفور، فيقال لهم شبيكم لبيكم كل شيء بين يديكم..

– غير أن الأكثر دهشة كان في لجنة الشريعة و تقنين الأحكام الإسلامية التي لم يختارها عن رغبة أكثر من سبعة أعضاء من قوام (301) عضو .. و هنا تعترضني الأسئلة كمخافر حدود الشطرين في الأمس البائد و تقول لي: أين المزايدة التي كانت تمطرنا صباح و مساء باسم الدين و الإسلام و الشريعة..؟!! و لماذا حماة الشريعة الأشاوس يفرون منها اليوم فرار الصحيح من الأجرب..؟!! أين الذين كانون لا يتركون لنا منفذاً أو فسحة إلا و سدوها بخرسانة أسمنت باسم الإسلام و الشريعة .. نعم أول مرة أكتشف إن لجنة الشريعة الإسلامية منفرة و طاردة للنواب و ربما تصبح طاردة للسكان أيضاً..

– و كذا الحال بالنسبة للجنة العدل التي لم يختارها أكثر من خمسة أعضاء..

– أما لجنة الحريات و حقوق الإنسان ففيها أشد العجب، سأدع الكلام عنها إلى وقت لاحق حيث و الحديث عنها ذو شجون، و لا يتسع المقام هنا لبسطه في مثل هذه العجالة..

– و في لجنة المياه و البيئة مؤامرة تغتال الغيمة و المطر .. احتشاد كاسر يفترس النجاح و الجدارة و الإنجاز .. فبعد أن برهنت هذه اللجنة خلال الثلاث سنوات الماضية بقيادة ربانها الدكتور محمد صالح علي أنها من أنجح و أنشط اللجان ضاق الحال بالحصان في أن يكون للآخر رصيد نجاح، فقرر بعجلة أحمق إقصاءه و أنتشى و احتفى بانتصاراته التي لا تقدم للمياه و البيئة غير بور و نزف و خراب..

– كل الأمور في وطن الحكمة و الإيمان تسير تخبطاً و بغير حكمة و لا أيمان و لا هدى، بل كل انعطافه يفترض أن تصحح أوضاعنا و مسارنا و ترتقي بحالنا نجدها تدفع بنا إلى منحدر أو منزلق جديد حتى صيرتنا من الصومال على مرمى حجر..

أطفال للبيع

– عندما كنت حالما كان قلبي صرة فرح و أنا أسمع بالاكتشافات النفطية هنا و هناك .. كنت أحلم بوطن سعيد .. آماله عراض و سنينه القادمات مشرقات .. و يا ليتني ما حلمت .. فبين الحلم و الواقع جبل يقطع الأنفاس و يقسم الظهور..

– ها هو النفط ينفذ و ينضب و شعبنا يزداد جوعاً و فقراً و لا يجد فيه البائس ثمن قبر أو حفنة تراب أو لفافة كفن..

– و في بوابة مجلس النواب نرى مشهداً يومياً و مظالم تدمي القلب و تفقأ العين .. أمام بوابة المجلس ترى أرباب بيوت من حجزت أو صودرت دراجتهم النارية و أثقلتهم الحاجة و الفاقة و المشقة و تقطعت بهم سبل الرزق و العيش الكريم يعرضون أبناءهم للبيع بثمن بخس بل بثمن الستر و الكتمان..

– نعم أطفال للبيع من لحم و دم يزاحمون سيارات النواب الفارهة و الفاقعة اللون المحروسة بالعسكر و البنادق و يقظة العسكر .. سيارات كثيرة تراها منتشرة مثل البسكويت و قطع الحلوى لم تأت للنواب من السماء و إنما جاءت معجونة بالدم و الدموع و كدح هذا الشعب الذي لا زال يعبد جلاديه و لا يملوا سنينهم الطوال..

– شعب لا زال مغرماً و غادقاً و غارقاً في حبهم حتى الثمالة بل و حريص على انتخاب من يقتله و يصلبه و يمثل به بدعوى رعايته و تمثيل مصالحه..

– آه يا وطن .. أطفالك بعمر الزهور يشحتون لقمة العيش و يُتاجر بهم في الوطن و على الحدود ليمتهنو التسول بل و الدعارة و الجنس، فيما القائمون على مجلس النواب يرفضون إنزال تقرير تهريب و تجارة الأطفال إلى قاعة المجلس حتى لا يلحقوا بسمعة القبيلة و الوطن خدش حياء أو عار أو انتقاص مقام..

– جريمة مكرورة و مستمرة تقترف كل يوم بحق الطفولة و الوطن، و الثمن غال يدفعه الأطفال من مستقبلهم، فيما المجلس لا نشهد له موقف حزم و لا نسمع له قرار فصل أو حراك..

زواج سياحي على كتاب الله وسنة رسوله

– جريمة أخرى ترتكب كل يوم بحق جمال و قلوب عذارى الوطن من أناس ضاق بهم في بلادهم هوس الجنس و كبت و حرمان صحراء البادية فوجدوا في وطن الإيمان و الحكمة حاجة ملجئه، و مرتعاً مستباحاً لشبق حرمانهم، و مصيفاً يفرغون به الضيق و الهوس تحت مسمى الزواج السياحي على كتاب الله و سنة رسوله و شهر عسل أو شهرين ثم يرحلون مخلفين دماً و دموعاً و إنقاض أحلام و حطام قلوب عذاري، فيما مجلس النواب الموقر لا زال في حيرة هل يسميه زواجاً سياحياً أم زواج الاجانب من يمنيات، و يرسى المزاد المغشوش بانتصار التسمية الأخيرة صونا للسمعة و العرض و الأرض..

– آه يا وطني الميمون الموسوم شعبك بالحكمة و الإيمان كم جروحك غائرة و نازفة .. حتى خطباء المساجد الذين يصبون حمم نارهم و غضبهم و حميتهم على “الجنيد” و “المستقلة”، يجبن كثير منهم في التصدي لهذا الحال الذي يكسر النفوس و يلهب حمية المشاعر..

– آه يا وطن الحكمة و الإيمان المسلوب و المنهوب .. حتى الإعلان عن مواجعنا صار له ثمن يصادرون فيه حتى مستقبل أطفالنا..

– كيف يا وطن لا أتأوه و غول الفساد يعترشك و أطفالك يتسولون و يباعون بثمن الستر و الكتمان و عذرية الصبايا تستباح في سوق نخاسة و حكومتك الرشيدة تتسول و تشحت و تستجدي كل رابح و غادي لتخمة الكروش المتخمة و لا تستحي على نفسها و هي تتغنى بالمنجزات العملاقة التي حققتها للشعب فيما مجلس نوابك في الحمية لا يهش و لا ينش و لا يزيد دوره عن محلل و مشرعن للفساد و المفسدين..

– مجلس نوابك يا وطني يثبت كل يوم أنه كذبة ديمقراطية كبيرة بحجم وطن يحلل الفساد و يشرعه و يكرس مشروعية سياسة النهب و الإفقار و تبديد و نهب ثروة أجيال صادر المفسدون حاضرها و مستقبلها..

المصدر: صحيفة المستقلة العدد (21) 01 أبريل 2006

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى