فضاء حر

الكوارث الطبيعية مابين المباغتة والإنقضاض والترصد والإحتراز

يمنات

م. خلدون العامري

(3)

مآلات الوضعين البيئي والصحي والتوظيف السىء للاحصائيات الوبائية

قبل الشروع باستعراض الأوضاع البيئية والصحية لابد من التطرق للوضع الإقتصادي في اليمن، حيث يعيش غالبية المواطنين على المساعدات الإنسانية وحوالات المغتربين التي توقفت بسبب الجائحة العالمية، بيمنا ازادت رقعة الفقر اتساعا خلال السنوات الخمس الماضية، نتيجة الحرمان من أجر الوظيفة العامة، ونزوح 3.65 مليون شخص نتيجة الصراعات الداخلية.

كما شهد تضخما جنونيا في الأسعار بسبب الحصار الدولي المفروض منذ 2015، وارتفاع أسعار الوقود، والسلع نتيجة تعدد اماكن الضرائب وتكرر أسباب الجباية.

علاوة على ذلك فالشعب مهددا بالمجاعات نتيجة نفاذ الوديعة السعودية(ملياري دولار أميركي)، التي تغطي تمويل استيراد المواد الأساسية بمكونها الأجنبي، وعجز الدول المجاورة عن المساعدة بسبب الكساد الحاصل في الإقتصاد العالمي خصوصا القطاع النفطي.

وحسب الأمم المتحدة لا يزال اليمن الذي يقطنه 30 مليون نسمة، يشهد أسوأ كارثة إنسانية في العالم، ويحتاج ما يقرب من 80% من السكان إلى نوع من أنواع المساعدات الإنسانية والحماية، وأصبح عشرة ملايين شخص على بعد خطوة واحدة من المجاعة، وسبعة ملايين شخص يعانون من سوء التغذية، في حين يعتمد ما يقرب من 14 مليون شخص على المساعدات الإنسانية أكبر نرنامج إغاثي عالمي والمهدد بالتوقف بسبب الظروف العالمية الراهنة.
——————————————————————

*أولا الوضع البيئي:
تقاس صحة الشعوب نسبة للمياه النقية وحصة الفرد منها في السنة، ثم نسبة للبيئة النظيفة وخلوها من ملوثات الهواء والتربة..

بينما في اليمن يفتقر 17.8 مليون شخص للمياه الصالحة للشرب بعد تلوث المصادر التي يعتمد عليها 83% من السكان نتيجة تسرب الملوثات إليها المخلفات الصناعية والبشرية والحيوانية، والصرف الصحي، والأسمدة والأدوية والمبيدات.

فيما بلغت حصة الفرد السنوية من الماء مستويات دنيا أقل من 200متر مكعب، نتيجة للزيادة السكانية وتوقف استحداث مشاريع المياه، وتوقف عدد من محطات الضخ، بسبب الأعطال، وغلاء الوقود، وانقاطعه المتكرر.

أما الصرف الصحي المتسبب بمضاعفة الكارثة البيئية فهو الأسواء حالا والأبعد إهتماما حيث يفتقر ثلثي السكان للصرف الآمن ففي الأرياف يتم التصريف لسطح الأرض بينما في المدن الثانوية يعتمد السكان على الحفر الإمتصاصية.. أما في المدن الكبيرة فإن غياب الصيانة وتدني القدرة الإستيعابية بما يتناسب مع السكان أعجز محطات المعالجة عن العمل، كذلك التوقف التام الذي أصاب أكبر تلك المحطات نتيجة لعدم القدرة على تحمل التكاليف التشغيلية، كماهو حاصل في العاصمة صنعاء. وبالتالي فالمحصلة الأخيرة سواء في الريف أو المدينة فجميعها تلوث مصادر المياه.

كذلك تلوث الهواء بدخان عوادم السيارات، والغازات المتصاعدة من مداخن المعامل والمصانع، وكثافة الدخان الناتج من حرق النفايات بالقرب من المدن خصوصا وانها تفتقر للفرز واعادة التدوير.

والتلوث الشديد في التربة والأغذية نتيجة الإستعمال المكثف والعشوائي للمخصبات الزراعية والمبيدات الحشرية والسموم المحرمة دوليا من قبل المزارعين.

كما أن تغير المناخ وغزارة الأمطار وماتسببت به من أضرار في البنية التحتية المتهالكة من تلف في شبكات المياه وطفح مجاري الصرف وتشكل البرك والمستنقعات داخل المدن وبالقرب من التجمعات السكانية، واختلاطها بالنفايات المتكدسة التي وفرت بيئة خصبة لتكاثر النواقل -الحشرات الضارة- كالبعوض وتكاثر الآفات الزراعية كالجراد.

إظافة إلى الأعمال العدائية التي تسببت في تدمير قنوات تصريف السيول والطرق والجسور. وما أحدثته الأعمال الإنشائية المستحدثة في قنوات التصريف ومجاري الأودية ومصبات المياه.

ربما تكون البيئة محظوظة بتوقف الأعمال النفطية إلا أن علماء البيئة يجمعون بأن المجتمعات الفقيرة هي الأداة الأكثر إضراراً بالأنظمة البيئية نتيجة لسعيها وراء العيش والحياة، حيث أنها تستهلك وتستعمل كل ما يقع بين يديها من أجل الحصول على الطاقة أو الغذاء،،

وعليه فإن كل تلك العوامل مجتمعة أو منفردة تسببت بوجه أو بآخر بمضاعفة الكارثة البيئية وضراوة تفشي الأوبئة المستوطنة، وبالإنتشار الغير مسبوق للأمراض المعدية.
———————————————————

*ثانيا الوضع الصحي:
وبالمقابل فالوضع الصحي لا يقل سوء عن الوضع البيئي، فقد أدت ست سنوات من الحرب إلى تعطل نصف المرافق الصحية إما بسبب الأعمال العدائية، أو لعدم القدرة على تغطية التكاليف التشغيلية، كذلك تسرب العالمين الصحيين بحثا عن مصادر أخرى للدخل، أضف إلى ذلك النقص المزمن في الإمدادات الطبية.

ونتيجة لعوامل الفقر وانعدام الرعاية الصحية العامة، تشير البيانات إلى عجز ثلثي السكان من الحصول على الرعاية الصحية، وحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي أكدت، إن 7 من كل 10 يمنيين لا يستطيعون الحصول على الخدمات الصحية.!

لذلك فقد انتشرت الأمراض وتفشت الأوبئة مسجلة أرقام قياسية في عدد الإصابات الناتجة عن التلوث البيئي -تلوث الماء والغذاء، انتشار مياه المجاري، انتشار مياه المجاري، تكدس النفايات، وتلوث الهواء-.

فيما الأمثلة على المشاكل الصحية التي يتسبب بها الماء الملوث كثيرة أبرزها أمراض الجهاز التنفسي، الأمراض المعوية والإسهالات المائية،، وأمراض القلب والأوعية الدموية، الأورام السرطانية، الإجهاض وتشوه الأجنة.

———————————————————-
*المباغتة والإنقضاض:
لم تكن هذه الأوبئة مباغتة أو جديدة على الساحة اليمنية .. فقد انضمت هذه الأوبئة ومنذ سنوات الى جانب الحرب في حصد أرواح اليمنيين،،
وهنا حرصنا على جمع المعلومات من خلال تقارير الجهات المعنية والمنظمات العالمية العاملة في اليمن وإليكم أبرز إحصائيات الأمراض والأوبة مرتبة حسب تفشيها وفداحة خطورها على حياة الناس:
1- أمراض الجهاز التنفسي 1مليون و399 ألف و846 حالة مرضية
منها (958846) أمراض الجهاز التنفسي العلوي قرابة المليون.
ومنها (437000) أمراض الجهاز التنفسي السفلي.
2- الملاريا وفقاً لمكتب منظمة الصحة العالمية في اليمن، يتسبب هذا المرض بوفاة 12,000 شخص سنويا على مستوى اليمن، كما يتراوح عدد المصابين في اليمن سنوياً بين 800,000 و900,000 مصاب. تحتل محافظة الحديدة المرتبة الأولى تليها محافظتا حجة وتعز ثم عدن ولحج وأبين.
3- الإسهالات المائية والأمراض المعوية بما فيها الكوليرا مليون اصابة.
4- حميات التشيكونجونيا (المكرفس)، 296000 اصابة خلال 2019، ويعد الوباء الثاني القاتل في اليمن تحتل محافظة عدن المرتبة الأولى تليها محافظتا حجة وتعز.
5- حمى الضنك، الوباء الأشهر والمغيب عن الإهتمامات الصحية حيث بلغت في مناطق سيطرة حكومة صنعاء (65047) حالة توفيت منها 245 حالة، -حسب الوزير طه المتوكل-. بينما تتصاعف الحالات في مناطق الشرعية خصوصا عدن تعز والحديدة.
ثم تأتي بعد ذلك وباعداد تنازلية كل من انفلونزا الخنازير، الدفتيريا بالإظافة للأمراض البكتيرية السالمونيا (التيفوئيد) .. والامراض الفيروسية كفيروس الكبد والفيروس المسبب لشلل الأطفال والامراض الطفيلية كالجارديا والزحار.
ولم نعثر على احصائية دقيقة وشاملة لضحايا الأوبئة، في 2019م، وهو انعكاس للوضع العام الذي تعيشه البلد.

*الوفيات:
فيما تسببت هذه الأمراض بحصد أضعاف ماتحصدة الحروب، ووفقا لوزارة حقوق الإنسان في تقريرها للعام 2019م تحدثت عن وفاة 296834 مئتان وستة وتسعون ألفا وثمانمائة وأربعة وثلاثون مواطن نتيجة للأسباب التالية:
(247000) بسبب سوء التغذية
(17608) بسبب عدم قدرتهم على السفر إلى الخارج لتلقي العلاج.
(12000) بسبب الملاريا
(3140) بسبب التشيكونجونيا (المكرفس)
(2236) بسبب الأمراض المعوية والإسهالات المائية بما فيها الكوليرا
(1200) فشل كلوي.
فيما تم تسجيل 3% تشوهات خلقية في الأجنة والمواليد.
———————————————————-

*الترصد والإحتراز:
تعتبر السلطات نفسها في حل من الإلتزامات الواجبة عليها صحيا تجاه مواطنيها؛ حيث سبق وأن تخلت عن تقديم الخدمات الصحية العامة منذ سنوات، تاركة الوضع الصحي للقطاع الخاص، بينما أقتصر دعمها فقط للمرافق المخصصة بالمعالجات الجراحية للمقاتلين التابعين لها. علاوة على ذلك لم تكتفي الجماعة بما حل ويحل بالمواطن، لتخرج على مواطنيها قبل عام فارضة ضريبة علاجية بنسبة 4% من تكاليف العمليات الجراحية في المستشفيات الخاصة.

أما تلك المرافق العامة التي نراها لا تزال عاملة فالحقيقة أنها لم تعود للخدمة لولا تدخلات المنظمات والبرامج الدولية المتكفلة بالموازنات التشغيلية ورفدها بالمواد الطبية والتجهيزات الفنية.

كما أن التدخلات الأممية قد وصلت إلى أغلب المناطق اليمنية، من أجل السيطرة على الأوبئة المختلفة، ولم تكتف بذلك فقد بادرت بتوسيع نطاق النظام الإلكتروني للإنذار المبكر للأمراض، الذي يهدف لاكتشاف الأمراض الوبائية والتبليغ عنها والاستجابة لمواجهتها سريعاً.

وهنا يأتي السؤال لماذا لا تزال نسبة كبيرة من السكان معرضة للوفاة، وللإصابة بتلك الأمراض الفتاكة الآنفة.!

بكل بساطة لأن الفساد المحلي الشريك المصاحب للتدخلات الأممية يتلاعب بالأرقام والإحصائيات الوبائية لصالح وباء وهمي كونه يدر عليه عائد يومي.

وعلى إثر ذلك شهدت اليمن ومازالت تشهد أسوء كارثة صحية.. بيد أن ماتم رصده، وانفاقه من مال، وماتم تسخيره من امكانيات، وماتم توزيعه من مواد إغاثية مباشرة، في مجال مكافحة وباء الكوليرا خلال الأربع السنوات الماضية، والتي بلغت قرابة مليار دولار، إلا أنها توقفت مؤخرا نتيجة خلافات فساد مالية بين الممول والشريك المنفذ وتبادل الإتهامات. بعد أن تم استنزاف المخصصات في حلول هامشية، حولت العمل الإنساني من خدمة إغاثية للصالح العام إلى وظيفة استثمارية تديرها مصالح فردية تفتقر للمهنية ومتجردة من الرسالة الإنسانية.

كل هذا في يجري في ظل غياب الإدارة المالية والمحاسبية المحلية وغياب الأجهزة الرقابية. في معاملات مالية مستقلة خارج اطار الخزينة العامة.

فيما لو تم توظيف تلك المبالغ في معالجة الأوضاع البيئية المتسببة بتفشي عشرات الأوبئة والأمراض تلك الأشد خطرا والأكثر تفشيا من خطر وتفشي فزاعة الكوليرا. فلو تم استغلالها وفقا لمعايير التدخل الإغاثي لكان تم السيطرة على 60% من المشاكل البيئية القائمة ولكان تم القضاء على 80% من مشاكل الحاضر ومخاطر المستقبل، البيئية والصحية بما فيها جميع الأمراض المعدية والأوبئة المتفشية..
———————————————————-

*التوظيف السيء:
تكتفي السلطات المتصارعة بالتعامل مع الإحصايات الوبائية مكايدة ونكاية فيما بينها من خلال توظيفها إما لتحقيق مكاسب سياسية أو لكسب التعاطف الدولي،

فبين الفنية والآخرى يخرج هذا الطرف بتصريحات صحفية تعتبر الأوبئة “ضمن الأعمال العدائية ضد الشعب”.، بالمقابل يخرج الطرف الآخر بتصريحات يتهم الخصم باستخدام الأوبئة كنوع من التعذيب الجسدي للمخطوفين والمخفيين قسراً في السجون.

يرى هذا الطرف أن المنظمات الدولية تتخذ من الأوبئة والأوضاع الإنسانية ذريعة لرفد الخصم بالسيولة اللازمة لتمويل أعمال أخرى.

ويرى الطرف الآخر أن المنظمات الدولية تعمل فقط لمهمة استخباراتية كبرى فيما هو الشريك المنفذ لأجندتها.
وهكذا تفشت الأوبئة وانتشرت الأمراض وفتكت مازالت تفتك بالمواطنين.

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى