العرض في الرئيسةفضاء حر

ارشيف الذاكرة .. كلية الحقوق .. عندما تمارس الجريمة من قبل الاستخبارات والقضاء

يمنات

أحمد سيف حاشد

  • تخرجت من كلية الحقوق، جامعة عدن، في عام 1989و بحسب تخصصي أحالتني دائرة الكادر في وزارة الدفاع للعمل في دائرة القضاء العسكري بحسب التخصص .. أذكر في أول يوم قدمت فيه للقضاء العسكري، كان برفقتي ابن عمي عبده فريد حاشد .. و فيما كنّا في طريق صعودنا إلى “الفتح” الذي كانت تقع فيه وزارة الدفاع و دائرة القضاء العسكري و دائرة الإستخبارات العسكرية قال لي: الآن أرمي بالشهادة، و كلما تعلمته إلى خلف ظهرك، الحال هنا يختلف .. لم أهتم لحظتها بما قاله، بل أعتبرته من قبيل المبالغة في التوجس، و رديت عليه بعدم معقولية ما قاله، و لكنه علق في ذهني، ثم وجدت مالم أكن أتخيله..

كان يومها محسن حسين مديرا لدائرة القضاء العسكري، و رئيسا للمحكمة العسكرية .. كنت لا أرتاح له، و أشعر بغلظته و تجهمه المستمر نحوي، بل كنت أشعر في بعض الأحيان أن العلاقة بيننا ـ كما أتوهم ـ أشبه بعلاقة مدعي بمتهم لا علاقة رئيس بمرؤوس، على الرغم أنه لم يسيء لي شخصيا، و لم يمارس ضدي ما يبرر هذا الشعور الذي ربما اعتبره متجنياً.

  • لا أدري لماذا أفتقد الكيمياء و التفاعل مع البعض، و أنسجم بالمقابل مع آخرين، و أشعر بالدفء و المودة قربهم..!! ربما هناك أسباب لما أعانيه ترجع لشيء ما في وعيي الباطن، و ربما تتشارك معها أسباب موضوعية؛ مثل غلبة وحدِّية التعامل الرسمي من قبله نحوي، أو لرسمية طاغية و رتيبة في تعامله معي..
  • غير إن الأهم في شعوري النافر منه، يرجع في معظمه إلى الأحكام القاسية الذي كان يصدرها بحق المتهمين، و عدم الرضى عن تلك الأحكام التي كنت أرى في بعضها أو جلّها جوراً و قسوة بالغة .. كنت أتعاطف مع المتهمين الذي أحقق معهم، و أبحث عما يخفف عنهم، لأنني أعرف أن هناك أحكام قاسية تنتظرهم، و لا توجد محكمة استئنافية أو عليا تقف أمام تلك الأحكام القاسية، أو تخفف من عقوبات تلك الأحكام المتصفة بالشدة و الصرامة المبالغ فيها..
  • كان من أكثر الأصدقاء قربا لي في العمل زميلي البدوي الجميل منصر الواحدي، الضابط الإداري الخلوق و الممتلئ و الشهم، و كذا زميلي ضابط التحقيقات أشرف ولي محمد من عدن، و كان هذا الأخير ينحدر من أصول يبدو أنها باكستانية غير أن ما يميزه كانت طيبته العدنية و حميميته الصادقة..

كانت التحولات السياسية تلقي بضلالها على مستقبل كل واحد منهما، فأشرف ولي محمد هُضم بعد الوحدة حتى اختفى ذكره، و لا أعلم أين هو اليوم..! و هل لازال حيا أم أنه غادر إلى العالم الآخر..؟! فيما صديقي منصر الواحدي الذي ترك صنعاء و عاد إلى عدن بعد حرب 1994 عاش معاناة الجنوب و أهله حتى تقاعد أو أحيل إلى التقاعد، و هو الكادر المثالي الذي كنت أتوقع له مستقبل قيادي لافت، أو تأهيل إداري عالي إن كانت هناك عدالة في الاستحقاق و الفرص، و لكن كانت السياسة تخذل كثير من الكفاءات و الأحرار و الصادقين الذي لا سند لهم.

  • كان صديقي منصر مثال لي في الخلق و العفة و التسامح و الاعتدال .. مخلصا لعمله و مهنته و الانتماء للوطن الكبير .. كان ودودا و خدوما مع الناس، و لا يفسد الخلاف معه في الرأي للود قضية .. صديقي منصر الواحدي لطالما اختلفت معه، و لكنه كان و لا زال انسان كبيرا و عظيما و حكيما، و قريبا أيضا من الله البهي الغفور الرحيم المتسامح .. منصر الواحدي جاري العزيز في صنعاء الذي أسلفني أو استدان لي يوما قيمة قبر خالتي “سعيدة” عندما كنت لا أملك قيمة قبر..!!
  • في القضاء العسكري قبل أن أمارس وظيفة ضابط تحقيق وجدت نفسي في غرفة الارشيف القضائي في الدائرة اطلِّع و أتعرّف على دور المحقق، و كيفية التحقيق، و إجراءات المحاكمة .. و رغم الفترة القصيرة التي قضيتها في الأرشيف كانت الاستفادة منه كبيرة، و صنعت لدي أساس معرفي ليس فقط لوظيفة ضابط التحقيق، و لكن احاطة بالقضاء العسكري إجمالا و تفاصيل..
  • في الأرشيف وجدت كثير من الخلاصات و أيضا كثير من التفاصيل، و كثير من المعارف التي قدمت لي المشهد على نحو أكثر وضوحا .. كانت تجربتي فيه أشبه بالدخول إلى مغارة كبيرة و عميقة لأستكشف و أتعلم و أستزيد معرفة، غير أن الجزء الأهم من رحلتي في الأرشيف كانت لمعرفة المظالم التي مرت من تحت سقف القضاء، أو التي تم تشريعها بأحكام قضائية .. و ليس كرحلة سلطان زابن في البحث الجنائي بصنعاء، و الذي تم تكريمه على صنائعه من قبل ما يسمّى بـ”مكتب الرئاسة”، و غيره ممن وجدوا أنفسهم قيادات في إدارة ما يسمى “جهاز الأمن القومي” الذي كانوا يطالبون بحله، و باتوا يبحثون فيه عن ذواتهم الصغيرة، و يتطفلون على خصوصيات الناس .. غير أن الأكثر سوء استخدامه في الإخضاع و الترهيب و تلفيق الجرائم..
  • كان أرشيف القضاء العسكري المسنود عهدته لـ”شمروخ”، منظّم و مبوّب و مرتّب تستطيع أن تحصل على ما تريد في أقل وقت ممكن .. كان النظام الإداري الموروث من بريطانيا في جهاز الدولة في الجنوب و من ضمنه دوائر وزارة الدفاع دقيقا و تستطيع من خلاله الحصول على المعلومة في وقت قياسي، فيما وجدنا عكس هذا في الإدارة العثمانية المورثة في الشمال، مثل أرشيف القضاء العسكري في صنعاء .. لقد بدا لي الفرق بين الإدارة العثمانية و الإدارة البريطانية شاسعا شكلا و مضمونا..
  • في الارشيف أطلعت على قضية تم إدراجها و تصنيفها في جرائم خيانة الوطن، كان بطلها شاب دون العشرين عاما على الأرجح، و تدور أهم أحداث الواقعة بين المضاربة و الوازعية الحدوديتان آنداك، و أطرافها بين الشاب المقيم في الجنوب و أفراد من أسرته كانوا قد هربوا من الجنوب إلى الوازعية في الشمال، و الجهة التي جندت الشاب ليقوم باغتيال قريبه.
  • هذا الشاب لم أعد أذكر الاسم الكامل له، و لكن أذكر أن في اسمه الثلاثي اسم “طارش” .. أسندت له جهة استخباراتية في الجنوب مهمة اغتيال قريبه أظنه كان خاله أو عمه .. اعطوه السم ليضعه له في الماء، و لكنه تردد و ناور و حاول أن لا يفعل و أخترع الأعذار .. أصروا عليه أن يفعل بالترغيب و الترهيب، و لكنه عاد إليهم و قال لهم أنه قام بوضع السم في الماء، و لكنه وجد الماء يتغير للون الرمادي، فأحجم عن الفعل، و عندما شكُّوا في أمره و اقتنعوا أنه لن يفعل، و ربما افترضوا أنه سيهرب إلى حيث أقربائه، تم التحقيق معه في الاستخبارات و تعرض للتعذيب، و أحيل للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمى، و تم الحكم عليه بعشر سنوات سجن.
  • هذه القضية بالنسبة لي كانت صادمه .. شككتني بحقيقة العدالة، و شعرت إن الظلم الفادح موجود في كل مكان، و أشعرتني أن العمل الأمني و الاستخباراتي في معظمة دميم و خطر على العدالة، و لاسيما إن تم الإنحراف بأهدافه، و أن سدنته و صانعي القرار فيه هم في الأغلب مجرمين كانوا رجال أمن أو رجال سياسة.

*****************

يتبع..

قصص حبي الفاشلة..

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى