العرض في الرئيسةفضاء حر

ارشيف الذاكرة .. كلمة لابد منها

يمنات

أحمد سيف حاشد

اكتبوا مذكراتكم و سيركم و تجاربكم و معاناتكم و تاريخكم .. اكتبوا عمّا عشتموه أو كنتم عليه شهود .. أنتم أولى و أنزه من يكتب التاريخ بموضوعية تقارب الحقيقة .. لا تدعوا المنتصرين يغتالون الحقيقة، و يزيفون الوعي، و يفسدون التاريخ و الحياة و الهواء الذي تتنفسون..

العظماء أنتم لا هم .. أنتم الذين لا تشعلون الحروب الضروسة، و لا تصنعون المآسي العراض، و لا تستبدون على الشعوب و لا تنهبونها، و لا تمارسون الطغيان أو بيع الأوطان .. أنتم ضحايا الواقع الجهم، و الظلم المستبد، و الاضطهاد العنيف..

أنتم أعظم من الذين صنعتهم وسائل الإعلام و الإعلان .. من صنعت شهرتهم وسائل الدعاية و مساحيق الزيف .. أنتم أعظم من الذين توالدوا من مخرجات الحروب القذرة و الخيانات العظيمة .. أنتم الجمال كله بكدكم و بساطتكم و أحلامكم الجميلة و الشفيفة .. نحن منكم و إليكم ننحاز و ننتمي..

أنتم أكبر من نجوميتهم و من زيفهم و خوائهم الكبير .. ربما تخلت عنكم الحظوظ و الأقدار .. ربما الفارق أن الأقدار هي من دعمتهم أو تواطأت معهم، و في المقابل خانتكم أو خذلتكم أو لم تأخذ بأيديكم كما فعلت معهم .. و مع ذلك تظلون أنتم العظماء الذين تستحقون كل حب و تقدير و احترام..

عظمتكم أن حياتكم حافلة بالكثير من الكفاح و العطاء و الضمير، فأزدتموها عظمة بتواضعكم الجم و نكران ذواتكم، فكنتم عظماء مُجهولين أو مُغيّبين في حاضركم الذي عشتموه .. و مع هذا تلح الحاجة لمعرفة الكثير مما كان يجب أن يعرفوه و يعلموه من جاء بعدكم، إن تأتى لكم ذلك، و هو حق لغيركم عليكم .. لا تنازل عنه و لا انتقاص منه طالما كان بإمكانكم أن تؤدّونه أو تقومون به..

دوّنوا ما لم تدوّنوه .. أكتبوا عمّا حاط بكم و ما عشتموه من تحد كبير و معاناة ثقيلة .. اكتبوا عن أفراحكم و أحزانكم و تجاربكم و تاريخكم و عمّا فعلته الحروب بكم، و كيف تآمر عليكم عالم الراس مال الباذخ التوحش..!! و كيف رغب و تعمد إفنائكم قتلا و جوعا..!! أناط بكم الواجب اليوم أن تساهموا بجهد جهيد في إعادة صياغة وعي مجتمعكم و الأجيال .. ما أحوجنا و أحوجكم و الأجيال إليه..

اكتبوا تاريخكم قبل أن يزوروه أو يفسدوه .. إنه ببساطة تاريخ عظيم يستحق القراءة و الإيغال في الفهم و استكناة العظات و العبر .. استحثوا ما فيكم من عظمة و سموا و عزة النفس دون أن تبخسوا غيركم إلا بقدر تعاليه عليكم، و ما يركبه من أنانية و غرور و خواء .. كونوا كبارا و لن تكونوا كذلك إلا بقدر انتمائكم للإنسان و الضمير و المستقبل..

اكتبوا ما عشتموه ليهتدي و يتعظ من يأتي بعدكم .. ستجدون فيه الكثير مما يستحق القراءة و الإلهام و العظة .. ربما حياتكم أولى بالتدوين و الأهمية من سير تلك التي زعمت الأقاويل إنهم عظماء و أفذاذ و قادة كبار، و هم في الحقيقة مجرد سفاحين و مجرمين و فاسدين .. نهابين و لصوص و قراصنة و قطاع طرق، و تجار رقيق نصبت لهم التماثيل في الساحات العامة .. طغاة و دجالون .. مستعمرون و حكام مستبدون..

أنتم العظماء لا هم .. و ربما هم الأصفار و أنتم الأرقام التي وضعت لهم قيمة و مكانة دون أن تدرون أو تعلمون؛ فصيّروكم أتباعا و قطعانا و عبيدا منقادين .. و في المقابل كثير من العظماء باستحقاق و جدارة لم نسمع عنهم، و لم تلتفت لهم شهرة، و تم تجاهلهم أو تغييبهم بعمدية مستغرقة، ربما بعضها أو جلّها جاءت من الذين كانوا يمنعونها عنهم، بل و يمنعون أيضا على المجتمع العيش الكريم، و معه الضوء و الهواء إن استطاعوا..

كثيرون من العظماء لم ينالوا حقهم في التقدير الذي يجب، أو لم يصلوا إلى المكانة الجديرين باستحقاقها، لما أحاطت بهم من ظروف منع و صد و ابتلاء، أو ربما لأنهم سبحوا ضد التيار الجارف في مجرى النهر العنيد، و ربما لأن عظمتهم لم تصل إليها الأضواء كما كان يفترض، أو لأن العظماء المشبعين بالحرية كانوا كبارا لا يسقطون، و لا تروقهم العبودية و الإذعان و النفاق و الابتذال..

عظماء كبار و أبطال ميامين لا نسمع عنهم، ربما لأن ليس لديهم ماكينات إعلام تساندهم و تسّوقهم و تصنع لهم النجومية و الشهرة في عصر التفاهة و التافهين، و ربما لأنهم عاشوا في بيئة طاردة لهم و لآمالهم و أحلامهم و تطلعاتهم، و لم تعطهم الحياة فرصة متساوية للسباق مع غيرهم ممن أحرزوا البطولة، و هم في حقيقتهم خواء و محض زيف..

كونوا مع العظماء و الأبطال الميامين عاشقين المجد الذين راغموا الظروف و واجهوا التحديات، و عبروا النفق المُظلم و الطويل إلى واجهة الكون و عالم النور .. كونوا مع هؤلاء العظماء الذين يسكنونكم أو يعيشون في دواخلكم دون خيلاء أو تعال و نرجسية..

انصفوا صناع المجد المتواريين عن العرض، أو تواروا عنه خجلا و حياء و تواضعا، أو كانوا من ناكري الذات، أو خذلتهم الأقدار و ابتلتهم النحوس الكثيرة، و لم تعطهم الحياة فرصة متساوية مع غيرهم .. انحازوا للمستقبل و للإنسان أينما كان، و ستكونون عظماء كبار بشهرة أو دون شهرة..

يتبع..

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى